توصلت قوى سياسية في العراق إلى اتفاق شامل، يتضمن سلسلة إجراءات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تأمل في أن يؤدي إلى إنهاء الاحتجاجات التي بدأت في البلاد مطلع الشهر الماضي، ولا تزال تحافظ على زخمها المؤثر.
وعلى الرغم من شموله قرارات عدة، إلا أن الاتفاق لا يتضمن استقالة حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، التي تحولت إلى مطلب رئيس لدى المتظاهرين، الذين يتهمونها بقتل وجرح واعتقال الآلاف منهم، لذلك فإن تعليقات النشطاء الرافضة لهذا الاتفاق حضرت سريعاً.
غياب "سائرون"
واستغرب المتابعون تغيب كتلة "سائرون" كبرى كتل البرلمان، عن اجتماع موسع دعا إليه زعيم تيار "الحكمة" المعارض عمار الحكيم في منزله في منطقة الجادرية الراقية في بغداد مساء الاثنين 18 نوفمبر (تشرين الثاني)، ما يعني أن رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، ليس راضياً عن هذه التحركات.
وتقول مصادر مطلعة في بغداد إن "كتلة سائرون المرتبطة بالصدر تريد أن تقيل عبد المهدي عبر البرلمان، بعد استجوابه، وليس عبر اتفاقات سياسية جانبية، ربما تضر بمصالحها"، على اعتبار أنها صاحبة الإسهام الأكبر في تشكيل الحكومة ومنحها الشرعية الدستورية، وهو ما يفسر غيابها عن الاجتماع في منزل الحكيم.
معارضة وموالاة
لكن الجهات التي حضرت الاجتماع، مثّلت الجزء الأكبر من القوى الشيعية والسنية والكردية، بموالاتها ومعارضتها، وهو أمر لافت. ففضلاً عن الحكيم، حضر تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري وتحالف "النصر" بزعامة حيدر العبادي و"ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي وتحالف "القوى الوطنية" بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وتحالف "عطاء" بزعامة فالح الفياض و"جبهة الإنقاذ" بزعامة أسامة النجيفي و"ائتلاف الوطنية" بزعامة إياد علاوي و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني وحزب الرئيس العراقي برهم صالح.
تفاصيل الاتفاق
نص الاتفاق على أن تجري الحكومة إصلاحات سريعة تتضمن الاستجابة لطلبات المتظاهرين المتعلقة بتوفير فرص العمل والخدمات، خلال 45 يوماً، وبخلافه تقدم استقالتها.
وقالت قناة "الفرات" التابعة للحكيم، إن المشاركين في الاجتماع، اتفقوا على "ستة قرارات وتوصيات إضافة إلى خمسة مقترحات مهمة، بينما هددوا بسحب الثقة عن الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة إذا تبين عجز الحكومة أو مجلس النواب عن تنفيذ المواد والخطوات المذكورة ضمن التوقيتات المشار إليها.
كما نص الاتفاق على التزام رئيس الوزراء بتحديد الجهة المتورطة في قتل المتظاهرين عبر أسلحة القنص في بداية التظاهرات، فضلاً عن التصدي لحملات الخطف التي تشهدها مناطق عدة في البلاد ضد النشطاء والمتظاهرين والصحافيين.
وبحسب الاتفاق، فإن مجلس النواب العراقي مُلزم بالانعقاد الدائم، للتنسيق مع الحكومة في تشريع القوانين التي تتطلبها الاستجابة لمطالب المتظاهرين في الشق الخدماتي منها، فضلاً عن تفعيل محكمة خاصة شُكلت للنظر في تهم الفساد الموجهة لمئات المسؤولين في البلاد، بسرقة وهدر مليارات الدولارات.
ويتضمن الاتفاق أيضاً تعديل قانون الانتخابات "بشكل عادل لتوفير فرصة متكافئة لفوز المرشحين المستقلين، بالتشاور مع الأمم المتحدة"، فضلاً عن "تعديل قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وإنهاء عمل المفوضية الحالية وتشكيل مفوضية جديدة مستقلة عن الأحزاب بالتشاور مع الأمم المتحدة".
وقال مراقبون إن "الفقرتين اللتين تتعلقان بالانتخابات، ربما تمثلان التفافاً سياسياً على مطالب المتظاهرين، الذين يريدون قوانين جديدة كلياً لتنظيم عملية الاقتراع، وليس تعديل تلك القائمة حالياً، لأنها رسمت وفقاً لمصالح الأحزاب الكبيرة".
عبد المهدي يرحب
كما اشتمل الاتفاق على تفاصيل أخرى كثيرة تتعلق بتشريعات اقتصادية معطلة، وخفض امتيازات المسؤولين وخفض سن التقاعد لتوفير فرص عمل في القطاع الحكومي، وغيرها.
ولم يتأخر عبد المهدي كثيراً للترحيب بالاتفاق، مقدماً شكره للشخصيات والقوى المشاركة في توقيعه، متعهداً بأن يكون "عند حسن ظن مرجعيتنا الرشيدة وشعبنا الكريم وقوانا السياسية المخلصة".
لكن نشطاء سارعوا إلى التعليق على بنود الاتفاق بالإشارة إلى أنه أغفل أهم مطالبهم، وهو إسقاط الحكومة، فضلاً عن أنه منح الأحزاب الحالية التي يتظاهر ضدها العراقيون، الحق الحصري في تعديل القوانين ورسم صورة المرحلة الانتقالية.
ويرى الناشط والصحافي العراقي، أن "جميع نقاط الاتفاق مكررة في تعهدات عبد المهدي، باستثناء فقرة سحب الثقة أو إقالة الحكومة بعد 45 يوماً".
ويؤكد مراقبون أن هذا النوع من الإجراءات السياسية، لن يكون مقنعاً لحركة الاحتجاج التي تجد أنها قادرة على مواصلة الضغط، في ظل التفاف فعاليات دينية ونقابية واجتماعية وحتى سياسية، حولها.