اعتاد اللبنانيون على الجمع بين عيد الاستقلال وعيد ميلاد المطربة الكبيرة فيروز، ليس فقط لأنهما يصادفان في 22 (نوفمبر) تشرين الثاني، بل لأن نجمتهم الفريدة تمثّل في وجدانهم أيضاً رمز لبنان الواحد، العابر للطوائف والمناطق والأحزاب. طبعاً، كُتب الكثير عن "لبنان" فيروز والأخوين رحباني، وجرى حوله سجال لم ينته حتى الآن، بعضهم اعتبره وطناً فنياً وحلمياً ولا يمت إلى الواقع بصلة مباشرة، وبعضهم نظر إليه وطناً مثالياً يجب السعي إلى تحقيق ما يماثله في الواقع. ولكن بعيداً من هذا السجال السياسي في عمقه، ظلت فيروز صوتاً ورمزاً، مرجعاً فنياً ووطنياً وحيداً أو شبه وحيد، لا سيما في أغنياتها الوطنية التي يهواها الجمهورالعريض ويردّدها، مثلما ردّدتها إذاعات الأحزاب طوال الحرب الأهلية التي امتدت سنوات، حتى بدت أغنياتها الجامع المشترك الذي يلتقي حوله اللبنانيون المنقسمون والمتقاتلون.
هذه السنة، يكتسب عيد ميلاد فيروز مثله مثل عيد الاستقلال طابعاً وطنياً مختلفاً تتوّجه الانتفاضة الشعبية الكبيرة التي تعمّ بيروت ومناطق أخرى، حاملةً معها بشائر الجمهورية "الثالثة" كما يُشاع في الساحات وعلى الشاشات التي دأبت على مرافقة الانتفاضة يوماً تلو يوم وإيصال أصواتها وصورها إلى العالم. لم تغب أغاني فيروز الوطنية عن الساحات والشوراع، لا سيما في ساحة البرج التي كانت الشاهدة الأولى على إعادة الحياة إليها عام 1994 فجمعت في حفلة أقامتها في تلك الساحة العريقة المنطقتين الشرقية والغربية ولبنانيين من سائر المدن والقرى التي طالما فصلت بينها خطوط التماس.
في الساحات اليوم، يصر المتظاهرون على سماع أغنية "بحبك يا لبنان" التي أنجزها الرحبانيان وغنتها فيروز مطلع الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975، ولعل أكثر ما يعني المتظاهرين على الأرجح في الأغنية فكرة ولادة لبنان الجديد الذي ليس هو بنظرهم لبنان الحرب وما بعدها ولا لبنان الطائف وسائر الاتفاقات، بل لبنان الثورة الشابة، لبنان مقاومة الفساد، لبنان العدالة، لبنان الحرية...
تدخل فيروز اليوم عامها الخامس والثمانين، بينما يدخل الاستقلال عامه السادس والسبعين. الإعلام المرئي والمسموع بدأ الاحتفال بالعيدَيْن كعادته كل سنة، لكنّ "جماهير" وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر وواتساب كانت سباقة في إحياء العيدَيْن واستعادة أيقونة فيروز، معيدين بث أغانيها ونشر صور لها ومقاطع من حوارات كانت أجرتها في التلفزيون والإذاعة. هذه السنة، اكتسب احتفال وسائل التواصل بعيد ميلاد فيروز مزيداً من الحماسة، فالجو جو انتفاضة شعبية وشبابية، ولو أمكن للمطربة الكبيرة أن تطل ولو إطلالة صغيرة عبر إحدى الشاشات لتحيّي هؤلاء "الثوار" في الساحات والشوراع، لكانت أثارت إطلالتها حماسة المتظاهرين. ففيروز هي الرمز، ليس بصوتها فقط، بل بوطنيتها، خصوصاً أنها ابنة هذا الشعب الثائر، نشأت في عائلة فقيرة وعاشت في بيت من غرفتين في بيروت، وعانت في طفولتها وصباها ما يعانيه أبناء الطبقات الفقيرة. لكنّ فيروز التي اعتادت عدم إعلان موقف سياسي، مع فلان أو ضد فلان، تؤمن بإنسانية الشعب اللبناني، فلا تنحاز إلى جماعة دون أخرى أو طائفة دون أخرى.
تحتفل فيروز بعيد ميلادها في منزلها في منطقة الرابية (شرق بيروت) ومن حولها ابنتها ريما وابنها زياد وابنها المقعد هلي الحاضر الغائب، وحتماً بضعة أصدقاء. ويُقال إن زياد عاد إلى بيته الأمومي وبات يسكن في بيت أمه فيروز، من دون أن يهجر شقته في شارع الحمرا نهائياً.