ليس بالخبز وحده!
الموجة الثانية للربيع العربي، تبدو مفاجأة أقوى لكثيرين من الموجة السابقة، بسبب أنه تمت إحاطة الموجة الأولى بالإرهاب وأسرها بالحرب الأهلية، ومثلما جعل من "العشرية السوداء" الجزائرية، مُسلطة على رقاب الجزائريين، أضيفت لإكسير الخوف هذا، مآلات الربيع العربي.
ما عُرض في فيلم رعب أميركي طويل، تحت اسم داعش، هذا الفيلم الداعشي أخرج من القمقم، ودعم من الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، "إسرائيل" الدولة الدينية الفريدة في العصر الحديث. لذا، ظن الظانون أنهم أقبروا الثورة، ودفنوا الحلم بالديمقراطية إلى الأبد، وذلك بفضل اختراع الغول، الهول (داعش) وما شابه.
الآن غدا الربيع العربي، الحقيقة الدامغة فالمُعدية، فالربيع يَعمّ العالم، والإرهاب وأفلام الرعب زادت من قوة شكيمة الجماهير الغفورة، ما إذا بها تنبلج من كل فج غميق، وقد أسقط في يد، من فرحوا بأن الربيع تكشّف عن خريف، ومن اعتقد بعودة البوربون (العائلة المالكة الفرنسية)، التي عادت لحكم فرنسا مرتين بعد الثورة الفرنسية الأشهر. الآن توضّح الأمر، بخاصة لمن نسي، ما جرى للثورة الفرنسية مثلاً، أن التغيير الضرورة، لا تحدثه الثورة بين ساعة وضحاها. وعلى الرغم من وضوح الشمس هذه، فإن الإعلام الأُمي، يغطيها بالغربال، كأن يدعو هذه الموجة العالية، من الربيع العربي، بالحِراك، لعلّ يتم فك رباط، العروة الوثقى: الموجة الأساس في الربيع العربي 2011.
وذلك حدث كما لم يحدث، حين حولت سوريا كأرض لحرب العالم، ما بعد الحرب الباردة، فزيدت جرعة الحرب بالوكالة بخاصة في سوريا، حيث تناطحت الكباش الكبرى، علناً وبشكل سافر. حينها كان كثيرون، يدسون رؤوسهم في الـ"فيسبوك"، وفي الأثناء دمغت الثورة بالمسلّحة، ثم أطلق من قمقم، أجهزة أمن الدول الكبرى: حرب الإرهاب، ما "صُنع في أميركا"، ورَوجت له الدولة الدينية اليهودية، ونفذه باقتدار القيصر الروسي بوتين.
لكن الإرهاب لم يرهب، من ليس لديه ما يخسر، غير قيوده، لذا حاول إعلام ما بعد الربيع العربي، الترويج أن لا موجة ثانية ولا يحزنون، فالأمر مجرد "حراك" مطلبي، حدوده زيادة حجم "فردة الخبز"، وأن المرء في المنطقة "يعيش بالخبز وحده"، لكن ما وكّدته كل تجارب العالم، أنّ "خبز الحياة" لا يمكن توفيره، من دون الحرية التي لا تتجزأ.
مثلت الرعب، برمودا العربي!
علامات القيامة الآن، تجسّدت كعلامات واحدة، في الربيع العربي ما بدأ الساعة، ولم ولن ينته بعد، فالتغيير كفعل قوى جاء من العراق ولبنان والجزائر، ما اكتوت بالحرب الأهلية قبل، الدرس ما تعلّمته الشعوب، أن لن تنتهي الحروب ويعمّ السلام، من دون استقرار قار، من دون تغيير "كلن يعني كلن". ثم إن شعار الربيع واحد "الشعب يريد إسقاط النظام"، ليس تغيير وجوه فحسب، لذا كانت دول "برمودا العربي"، في الأول وحتى النفس الأخير، هذه الدول المطحونة بالحرب الأهلية، هي التي في المقدمة، ما لا يبرر فيها المطلب الرئيس الوسائل، لكن مع ذلك يُلاحظ أن الضرورة تحكم الوسائل، فتكون في المجمل والأخير، الوسائل واحدة وموحّدة.
ومن مثال واضح عن تجليات المنطقة، أن المدينة الثانية في المقدمة، في حال الربيع العربي! إذ تتجلى كل مؤشرات الغبن والفساد فالتخلف، فالمدينة الثانية من البلاد على الخريطة، لكنها مدينة مستبعدة في الواقع، حيث يتجسد فيها ازدهار الخراب. وهذا الاستبعاد في الدولة العربية الأمنية، ما يجعل المدينة الثانية، تملك زمام المبادرة، فالسلطة في دول كهذه، تتركز في المركز/ العاصمة، ومن هذا كانت المدينة الثانية، بمثابة عاصمة للثورة، في مواجهة عاصمة الدولة الأمنية. ومن أشهرها في الموجة الأولى، مدينة بنغازي الليبية، وفي الثانية مدينة طرابلس اللبنانية، هذا يبين أن حال البلاد المركزية الرأسية، من سلطة الفرد المطلقة، إلى المدينة الواحدة الأحد، ما يجعل البلاد كما في العالم القديم "الدولة/ المدينة": "إسبارطة" العصر الحديث.
ومثال آخر على توحد الوسائل، أن الدولة الغاشمة، تقوم بانقلاب على نفسها، فتُجزّئ المطالب، فتأخذ من الآية "لا تقربوا الصلاة"، وفي حالة سكر مدمن، ترفع عقيرتها بالقبول، فيكون قول الرئيس الراحل علي عبد الله صالح: "فاتكم القطار"، يصح عليه لا على غيره.
ولم يدرك بعد أن التغيير ليس مطلباً، وأن المطالب تفاصيل ليس إلاّ، حيث يكمن الشيطان، التسويف والذهن الخامل، عن أن التغيير حادث بالضرورة، شاء من شاء وأبى من أبى، لأن معطياته كلها قد تجمّعت واجتمعت في آن واحد، الداخلية والخارجية، المحلية والإقليمية والدولية، وليس الإنترنت، ما تُبادر دولة الغبن، المصابة بالكبر، إلى إقفاله، إلاّ علامة من علامات الساعة.