تعددت مظاهر تبادل الإنتقاد بين مرشحين لرئاسة الجمهورية في الجزائر قبل أيام من موعد الانتخابات في 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، على الرغم من توقيع المتنافسين الخمسة ميثاقاً يحظر تبادل التهم، لا سيما خلال تولي عدد منهم مهاماً رسمية في فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وفضلت سلطة الانتخابات عدم التدخل بشكل قانوني ومباشر، لكنها أجرت اتصالات مع بعضهم توصي فيها بـ "ضرورة إنجاح الرئاسيات" بعيداً من حسابات كل طرف.
بن قرينة يفتح النار على الجميع
استفرد المرشح الرئاسي عبد القادر بن قرينة، بأكبر قدر من "خطاب النقد" ضد خصومه خلال تجمعات عقدها طيلة الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية التي تستمر قانونياً مدة عشرين يوماً، ووزّع بن قرينة تهماً بـ"التساوي"، ضد منافسيه الأربعة تتعلق بـ"فضائح تسيير" خلال فترة توليهم مهاماً سياسية سابقاً أو "فضائح فساد" وفق تعبيره.
ولم يكن بن قرينة يذكر أياً من منافسيه بالاسم، لكن الإشارات التي استعملها كانت تظهر بوضوح من هم المعنيون بها، فالرجل اتهم أحد منافسيه بـ "تلقي رشاوى من وزير سابق قبل عامين، لقاء الترخيص إلى رجل أعمال بالنشاط في مجال تصنيع السيارات"، فيما اتهم مرشحاً آخر بـ"امتلاك أموال مهربة في بلدان أوروبية"، ولم يسلم مرشح محسوب على المعارضة في السابق من "لسان" بن قرينة، متهماً إياه بـ"القريب من العصابة على الرغم من ادعائه معارضة الخط السياسي السابق".
أتت هذه التصريحات، في سياق حديث إعلامي مكثف عن اعتقالات طاولت عدداً من الشخصيات المالية والسياسية، وربطها بـ"تمويل خفي وغير قانوني" لحملة أحد أو بعض المرشحين، ما كرس "ضبابية" أكبر على الرئاسيات المقبلة مقابل نفي السلطة الوطنية للانتخابات تسجيلها "ما يمكن وصفه بالخروقات الكبيرة والمنافية للقانون والأخلاق".
سلطة الانتخابات
ترفض سلطة الانتخابات الإقرار جهراً بوجود تعقيدات تواجه الحملة الانتخابية عموماً، فالأخيرة تواجه في يومها السابع احتجاجات من رافضين للانتخابات، آخرها محاصرة موكب المشرح عبد القادر بن قرينة داخل فندق يقيم فيه ببلدة أفلو جنوب غربي الجزائر، كما ترفض الإقرار علناً بوجود ما يعيب خطاب بعض المرشحين عكس نص الميثاق الذي فرضت عليهم توقيع نصوصه، وأكدت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، في المقابل أن الحملة الانتخابية تجرى منذ انطلاقها يوم الأحد الماضي في "هدوء" و"سلمية كاملة".
وقال منسق الإعلام في السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات علي ذراع، في لقاء صحافي، إن "الحملة الانتخابية تتم بهدوء وبسلمية كاملة"، معرباً عن أمله في أن تستمر في نفس هذه الأجواء إلى غاية نهايتها، موضحاً أن السلطة تقيّم مجريات الحملة الانتخابية "تقييماً "إيجابياً"، لأن المترشحين "ملتزمون" بقانون الانتخابات وميثاق أخلاقيات الممارسة الانتخابية. كما نوّه ذراع بالتجاوب الذي يلقاه المرشحون للرئاسيات مع الأشخاص الذين يحضرون تجمعاتهم الشعبية والمؤيدين لبرامجهم.
في المقابل، يشير المحلل السياسي جمال شرفي حول سلوك المرشحين الخمسة إلى أن "هناك محاولة للهروب إلى الأمام من خلال خلق صدامات من العدم"، ويرى أن "الأصح كان توجه المرشحين إلى الحراك الشعبي ومواجهته وليس المساهمة في تعتيم المشهد داخل قاعات مغلقة وفي الوقت ذاته الإسهام في خلق نقاشات غير حقيقية".
وحدد ميثاق أخلاقيات الممارسات الانتخابية الذي وُقّع من جانب المرشحين الخمسة قبل بدء الحملة الانتخابية بيوم واحد، جملة من الضوابط والمبادئ الوجوب الالتزام بها من قبل المرشحين طيلة المسار الانتخابي، حيث عليهم الحرص "على الإدلاء بتصريحات واقعية للجمهور والامتناع عن التلفظ بعبارات القذف والشتم والسب تجاه أي مرشح آخر أو أحد الفاعلين في العملية الانتخابية أو بأي تصريح آخر يعلمون بأنه خاطئ، حيث يلزم عليهم التصرف على نحو يعزز نزاهة النظام الانتخابي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما يلتزم المرشحون الخمسة "التقيد بالقوانين الانتخابية والسعي إلى تعزيز ثقة المواطن في العملية الانتخابية والدفاع عن الحقوق الديمقراطية للجزائريين".
في سياق متصل، يقول أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر رضوان بوهيدل، إن "الملاحظة العامة حول الأيام الستة أو السبعة الأولى من حملة الرئاسيات تكشف عن قصور كبير في تطوير خطاب سياسي وتسويقه من جانب المرشحين بالشكل الذي يساير حجم التحولات في الشارع".
ويضيف "أسلوب التهجم كان سمة تقليدية في حملات انتخابية سابقة وهو عنصر ليس بجديد، كان الأجدر تفادي كل واحد من المرشحين ما يعتقد أنها عيوب في الآخر، أما أبرز ملاحظة في خطاب الخمسة هو تملقهم الزائد لطرفين في الأزمة الراهنة إن صح القول، فهم يتملقون بشكل مبالغ فيه للحراك الشعبي، كما أنهم يتملقون على نحو أكثر إلى المؤسسة العسكرية وهذا ليس المطلوب منهم، لأن مرشح الرئاسيات يفترض فيه أن يكون جزءاً من الحل للأزمة السياسية".
المناظرة بديلاً
لم تكن سلطة الانتخابات متحمسة كثيراً لفكرة تنظيم مناظرة تلفزيونية بين المرشحين الخمسة، لكنها عادت وراجعت موقفها قياساً لما اعتقدت أنها "حملة انتخابية باهتة"، وأعلن المرشح الرئاسي، عز الدين ميهوبي، أنه تلقى "رسمياً مراسلة من السلطة الوطنية للانتخابات للمشاركة في مناظرة تلفزيونية يوم السابع من ديسمبر (كانون الأول) المقبل"، أي قبل 48 ساعة من إغلاق الحملة الانتخابية والدخول في مرحلة الصمت الانتخابي.
بيد أن المناظرة التلفزيونية لا يحمل طلب المشاركة فيها صيغة الإلزام، لذلك تشير مصادر لـ"اندبندنت عربية" إلى وجود تحفظات حولها من مرشحين وربما رفضهم مناظرة منافسيهم، وستكون سلطة الانتخابات بالتالي أمام ثلاثة خيارات، إلزام المتنافسين بالمشاركة فيها، أو تنظيمها من دون حضور أحدهم أو عدد منهم أو إلغاء الفكرة نهائياً.
لا انسحاب
وبينما راجت أنباء عن احتمال انسحاب مرشحين من السباق قبل موعد الرئاسيات، يبدو أن القانون يفرض عقوبات ضد هذا الفعل ويمنعه منعاً تاماً بموجب قانون الانتخابات، وتقضي المادة 144 منه أن "المرشح لن يُقبل انسحابه ولن يؤخذ في الاعتبار بعد أن يسجل بالمجلس الدستوري"، ولما يكون هناك "عائق خطير" أو "موت المرشح" بعد أن تتم مراجعة القائمة من المجلس الدستوري ونشرها في الجريدة الرسمية، يتم تأجيل موعد الانتخابات في مهلة أقصاها 15 يوماً"، وهذا لتجنب تكرار سيناريو الانتخابات الرئاسية في 1999 عندما انسحب جميع المرشحين المنافسين لعبد العزيز بوتفليقة يومها.