أثار رأي شخصي لرئيس مجلس مفوضي سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة جدلاً أردنياً كبيراً بعد دعوته لإقامة كازينو في مدينة العقبة المنفذ البحري الوحيد في الأردن ضمن لقاء تلفزيوني على قناة محلية. واستدعت تصريحات المهندس نايف البخيت التي وصفت بأنها جريئة ومستفزة في الوقت ذاته، الكثير من التساؤلات والاعتراضات الحادة ما بين الدين والهوية، بعدما تم استحضار تجربة يتيمة قبل سنوات تم التصدي لها وإفشالها شعبياً وبرلمانياً.
المسؤول الأردني في مدينة العقبة التي باتت منفصلة عن الأردن وفق نظام وقوانين خاصة بها منذ سنوات تحفيزاً للاستثمار والسياحة، حاول الدفاع عن فكرة توطين "الترفيه الليلي"، وهو يجيب عن سؤال بخصوص موقفه من إقامة كازينو في العقبة فقال "أنا مع وجود كازينو خصوصاً أنني أعرف حجم الأموال الأردنية التي تخرج من الأردن إلى كازينوهات في أنحاء العالم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
البخيت، وهو يجابه عاصفة من الغضب الشعبي والاحتجاج الإلكتروني، ساندته أصواتٌ تبرر الكازينو كضرورة اقتصادية وأُخرى مناوئة لا ترى فيه ما يتلاءم مع هوية الدولة الأردنية والمجتمع الأردني ودينه وعاداته وأعرافه وتقاليده، بينما ظلت الحكومة صامته من دون أن تعلن حتى الآن موقفاً رسمياً حيال هذا الملف، لكن البخيت تراجع لاحقاً على وقع الاحتجاجات، وقال إن تصريحاته لم يقصد بها الترويج لإقامة كازينو بل للتوضيح بعدم ممانعة القوانين السارية لإقامة مثل هذا النوع من الاستثمارات.
الكازينو الثاني
وبحسب تقارير صحافية، فإن هذا هو الكازينو الثاني الذي يثير الجدل حوله أردنياً، فقد توجهت أنظار الرأي العام عام 2003 إلى ما عرف بقضية كازينو البحر الميت العابرة لثلاث حكومات، التي أُفشلت، لكنها كشفت في ثناياها آنذاك عن كازينو العقبة في نهاية عهد حكومة علي أبو الراغب الثالثة، إذ دارت مفاوضات مع شركة Iris Corporation Investment Ltd تتضمن إقامة فندق سياحي بمنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة وصالة كازينو تمنح الحكومة نسبة 40% من عوائده.
واكتملت قصة "كازينو العقبة" في عهد حكومة فيصل الفايز التي تلت حكومة أبو الراغب، وتم توقيعها في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2003 وتضمنت غرامات مالية تترتب على الحكومة الأردنية في حال إلغاء الاتفاقية، لكن منذ ذلك الحين، لم يتم تشغيل أو إنشاء المشروع لأسباب لا تزال مجهولة.
وبينما ألقيت باللائمة على حكومة البخيت وحدها، دانت لجنة تحقيق برلمانية في 2011 كلاً من رئيس الوزراء السابق معروف البخيت، ووزير السياحة السابق أسامة الدباس، ووزراء وموظفين كباراً بتهم تتفاوت بين التزوير ومخالفة الدستور والقوانين الأردنية والإهمال بواجبات الوظيفة.
اتفاقية الكازينو
وتضمنت اتفاقية الكازينو التي اطلعت عليها "اندبندنت عربية" فتح الباب لإقامة كازينوهات أخرى في الأردن مع حظر دخول الأردنيين لها، وتشير أوراق الاتفاقية إلى أن مدتها 50 عاماً، ولا يحق للحكومة الأردنية إلغاءها بأي حال، وفي حال إلغائها تدفع الحكومة الأردنية تعويضاً قدره 1.4 مليار دولار.
وتجرّم القوانين الأردنية ممارسة القمار عبر قانون العقوبات والتستر عليه وإدارته، لكن السلطات الأردنية تحاول التحايل على هذه القوانين عبر محاولة إنشاء مشروع الكازينو في المياه الدولية.
رفض شعبي
مؤسسات المجتمع المحلي في العقبة أصدرت بيانات عبرت عن رفضها المطلق لإقامة الكازينو، في حين انقسم النواب الأردنيون بين قلة مؤيدة وأكثرية رافضة. واعتبر النائب أندريه العزوني رئيس لجنة السياحة أن الكازينو يصنف من الناحية السياحية من الرفاهيات المهمة، التي تؤثِّر في الاقتصاد والسياحة إيجاباً، مضيفاً أنه من المهم دراسة الجدوى لهذا المشروع وضرورته".
ورد النائب حازم المجالي بالقول إنّه إذا كانت هناك نية لإقامة الكازينو، فإن الأمر سيقابل بالتصعيد، من قبل نواب مدينة العقبة حتى لو كانوا خارج الإطار النيابي.
كازينو... وكوارث
وطالب 48 نائباً الحكومة بضرورة اتخاذ إجراءات فورية ورادعة إزاء ما يسمى بمشروع كازينو العقبة، وقدم النواب مذكرة نيابية قالوا فيها إن هذا المشروع يمثل مخالفة للنظام العام للدولة ودستورها ودينها ومنظومة القيم المرعية فيها، فضلاً عن مخالفته للقانون المدني الأردني.
ويرفض الناشط خالد الجهني، أحد أبرز وجوه مدينة العقبة، فكرة وجود أي كازينو في الأردن عموماً، معتبراً أن وجود الكازينو مخالف للشريعة الإسلامية وللدستور الأردني وللقوانين الأردنية التي تجرّم القمار، ويضيف الجهني "وجود الكازينو سيجلب معه كوارث اقتصادية وأخلاقية واجتماعية وارتفاع في معدلات الجريمة، وعلى الحكومة أن تتجه لإقامة مشروعات تنموية تستثمر ثروات الوطن وتعزز الإنتاج وتفعل طاقات الناس وتستفيد من مهاراتهم وخبراتهم في كل ذلك".
مراكز "مساج"
الخبير السياحي محمود الدويري، وحسب دراسات، يقول إن إنشاء كازينو مخالف لأخلاقيات السياحة التي وقع عليها الأردن من ضمن 120 دولة فضلاً عن جلبه شروراً مدمرة للمجتمعات، مثل الدعارة والانحلال الاخلاقي، ولا يغفل الدويري أهمية العادات والتقاليد في رفض المشروع إلى جانب البعد الديني، وقال إن البلاد بحاجة إلى مشروعات تنموية لا على كازينو.
وكان سكان مدينة العقبة أجبروا، قبل 10 سنوات، السلطات المحلية في المدينة على تعديل تعليمات ترخيص مراكز التدليك "المساج" التي كانت تمارس دعارة مقنعة على حد وصفهم، وأدى ذلك لإغلاق 17 مركزاً فتحها مستثمرون صينيون في المدينة.