فيما يركّز البريطانيون على انتخاباتهم، يندلع على الجانب المقابل من القناة البحرية، صراع آخر على السلطة يمكن أن يعيد تشكيل مستقبل القارة الأوروبية برمّته. فقد انخرط أكبر حزب سياسي في دولة تتمتّع بأكبر اقتصاد في القارة، في لعبة شدّ حبال من أجل الحفاظ على البقاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان من المفترض أن تكون العملية بسيطة، فعندما تنحّت أنغيلا ميركل عن زعامة حزب "الاتّحاد الديموقراطي المسيحي" في ألمانيا، العام 2018، حلّت مكانها أنيغريت كرامب كارينباور المحسوبة عليها وحليفتها.
وتنتمي أنيغريت كرامب كارينباور أو AKK كما تسمّيها اختصاراً الصحافة الألمانية، إلى الجناح نفسه من الحزب الذي تنتمي إليه ميركل، وهي تُصنّف معتدلة، ما يعني ضمان الاستمرارية السياسية. وغالباً ما يلاحظ البريطانيون الذين يتابعون المشهد السياسي في ألمانيا، أن ثمة إجماعاً سياسياً عليها، أقله مقارنة بما يحصل في وطنهم. ويعود ذلك في جزءٍ كبير منه إلى جناح ميركل داخل حزب "الاتّحاد الديموقراطي المسيحي"، وهو حزب ديموقراطي مصنّف ضمن الطيف السياسي في يمين الوسط.
ولم يعتمد حزب "الاتّحاد الديموقراطي المسيحي" أبداً السياسة "التاتشرية" عقيدةً بالطريقة نفسها التي اتّبعها "المحافظون" في بريطانيا. وعليه، فإن عدداً من مؤسّسات اقتصاد السوق الاجتماعي الاشتراكي في مرحلة ما بعد الحرب لا تزال قائمة.
فعلى سبيل المثل، يمكن في ألمانيا رؤية عمّالٍ يتولّون بسعادة مناصب داخل مجالس إدارات الشركات، وهي فكرة مطروحة في البيان "الراديكالي" لحزب العمّال البريطاني لانتخابات السنة 2019، لكن حكومة أنغيلا ميركل لطالما التزمت ذلك.
لذا، ليس حزب "الاتّحاد الديموقراطي المسيحي" نظير حزب "المحافظين" في بريطانيا. لكنه ما زال حزباً في يمين الوسط غير محصّن أمام التيّارات الفكرية التي تؤثّر عليه في أماكن أخرى من العالم. وقد ساهمت هذه السنة العسيرة على الحزب في إفساح المجال أمام تقدم جناحه اليميني.
وقد تعرّض حزب "الاتّحاد الديموقراطي المسيحي" لانتقاداتٍ كثيرة نتيجة السياسة المنفتحة التي اتّبعتها المستشارة أنغيلا ميركل في تعاطيها مع أزمة اللاجئين، والخسارة المطردة للناخبين لمصلحة حزب "البديل من أجل ألمانيا" المتطرّف، وحزب "الخضر" الوسطي الذي تتعاظم شعبيته. ولم تكن انتخابات المقاطعات واستطلاعات الرأي العام مريحةً بالنسبة إلى حزب ميركل، على الرغم من أن شعبيته لا تزال الأكبر في ألمانيا، ويبدو من شبه المؤكد أنه سيكون جزءاً من الحكومة المقبلة.
ونتيجة لذلك، طغت على المشهد السياسي الألماني تأويلاتٌ في شأن ما إذا كان فريدريش ميرتس الشخصية السياسية التي قبعت طويلاً في يمين حزب "الاتّحاد الديموقراطي المسيحي"، سيتحدّى فعلاً أنيغريت كرامب كارينباور على الزعامة. فقد عاد من تقاعدٍ سياسي في العام 2018، بعدما استقال من منصبه قبل نحو عقد من الزمن، عندما بدا أن سيطرة ميركل على الحزب هي شبه كاملة. وأدّت التكهنات المتداولة إلى ما حدث يوم الجمعة، عندما قامت أنيغريت كرامب كارينبارو بإجراءٍ وازن طرحت من خلاله استقالتها أمام المؤتمر الحزبي العام في لايبزيغ على قاعدة: "ادعموني أو أطردوني".
ويبدو أن النداء - المناورة الذي وجّهته كرامب كارينباور إلى حزبها، فعل فعله وساهم في إطالة حياتها السياسية، على الأقل حتى الآن. ففي خطاب ألقاه منافسها ميرتس لم يطعن في زعامتها، لا بل أشاد بها. لكن لا يزال هناك شعور بأن المسألة لم تُسوَّ تماماً بعد. ومن شبه المؤكد أن المعركة في قمة حزب "الاتّحاد الديموقراطي المسيحي" ستقرّر المسار الذي ستّتخذه ألمانيا خلال العقد المقبل، ما سينعكس إلى حدّ كبير على ما سيحدث لبقية أوروبا.
© The Independent