بدأت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، الاثنين، اجتماعاتها السنوية وسط أجواء من التوتر بين روسيا والقوى الغربية، بسبب ما يُنتظر من الكشف للمرة الأولى عن المتحملين مسؤولية هجمات كيماوية في سوريا.
ومن المنتظر أن يصدر أول تقرير لفريق المحققين المكلفين تحديد المنفذين المفترضين للهجمات التي وقعت في سوريا بداية العام المقبل، وهو احتمال يثير أساسا توترا بين الدول الأعضاء في المنظمة التي تتخذ من لاهاي مقرا لها.
وخلال هذا الاجتماع الأساسي، الذي يستمر حتى الجمعة، تهدد موسكو بعرقلة التصويت على ميزانية المنظمة للعام 2020، إذا تضمنت تمويلا لفريق المحققين. ووفق مراقبين يمكن أن تسبب عرقلة تبني الميزانية مشاكل خطيرة للمنظمة، وإن كانت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ترى أنها تتمتع بدعم كافٍ لتبنيها بأغلبية واسعة.
دفاع عن التقرير رغم التشكيك
وفي بداية الاجتماعات، دافع المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، فرناندو أرياس، عن تقرير محققيه حول هجوم سوريا، على الرغم من كشف وثائق تشكك في نتائج التقرير.
وقال أرياس، في خطاب بافتتاح الاجتماع السنوي للمنظمة "بطبيعة الحال، في أي تحقيق معمّق، يعبّر بعض أعضاء الفريق عن وجهات نظر غير موضوعية"، وأضاف أن "بعض وجهات النظر المتنوعة ما زالت متداولة في بعض مساحات النقاش العام، لكنني حريص على التأكيد مجددا أنني سأُبقي على النتيجة المستقلة والمهنية للتحقيق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونشر موقع "ويكيليكس" نهاية الأسبوع الماضي رسالة إلكترونية لأحد أفراد الفريق الذي حقّق في هجوم كيماوي مفترض وقع في مدينة دوما أبريل (نيسان) 2018، متهما المنظمة بإخفاء مخالفات. ووضعت روسيا وحلفاؤها يدها على هذه الرسالة وعلى وثيقة سابقة أيضا تشككان في النتائج التي توصلت إليها المنظمة حول هذا الهجوم.
وحسب "ويكيليكس"، عبّر محقق، لم تكشف هويته، في رسالة إلكترونية عن "قلقه العميق"، مؤكدا أن تقرير المنظمة "يشوّه الوقائع" ويعكس "انحيازا غير متعمد".
وقال أرياس إن مضمون التحقيق حول حادث دوما عُرض على كل أعضاء فريق المحققين المكلفين تحديد المسؤولين عن هذه الهجمات في سوريا.
تشكيك روسي مستمر
وشكّكت روسيا باستمرار في حقيقة الهجمات الكيماوية في سوريا، ورفضت تقرير المنظمة الذي خلص إلى استخدام مادة الكلورين في هجوم استهدف مدينة دوما في الغوطة الشرقية قرب دمشق أبريل (نيسان) 2018، وأوقع نحو أربعين قتيلا. واتهم الغربيون، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، حينذاك النظام السوري بالوقوف وراء الهجوم، ووجهوا ضربات على منشآت عسكرية سورية ردا على ذلك.
وكانت جهود متضافرة لروسيا وإيران والصين لمحاولة منع تبني الميزانية أخفقت العام الماضي، وأُقرت الميزانية بأغلبية 99 صوتا مقابل 27. ويأمل الدبلوماسيون الغربيون في الحصول على أغلبية أكبر هذه السنة تأكيدا للدعم الدولي لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية.
وكانت غالبيّة الدول الأعضاء الـ193 في المنظّمة يونيو (حزيران) 2018 صوّتت لصالح تعزيز سلطات المنظّمة عبر السماح لها بتحديد المسؤول عن تنفيذ هجوم كيماوي، وليس الاكتفاء بتوثيق استخدام سلاح كيماوي، على الرغم من اعتراضات شديدة من جانب سوريا وحلفائها.
وفي ذلك الحين، شبّهت روسيا المنظمة، الفائزة بجائزة نوبل للسلام عام 2013، بالسفينة "تيتانيك في طور الغرق"، واتهمتها بالمبالغة في تسييس عملها.
ويفترض، بحسب العديد من الدبلوماسيين، أن يصدر تقرير المحققين في فبراير (شباط) أو مارس (آذار). وقالت دبلوماسية لوكالة "أ.ف.ب."، طالبة عدم كشف اسمها "الكل يترقب نتائج فريق التحقيق والتحري".
على الرغم من هذه الخلافات، قد تتفق القوى الكبرى خلال الاجتماع على إضافة غاز الأعصاب "نوفيتشوك" إلى لائحة المنظّمة للمواد المحظورة.
و"نوفيتشوك" غاز عسكري سام للأعصاب طوّره الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، واستُخدم في مارس (آذار) 2018 لتسميم العميل الروسي المزدوج السابق، سيرغي سكريبال، وابنته يوليا في سالزبري في جنوب غرب إنجلترا.
واتّهمت لندن موسكو بالوقوف وراء الهجوم رداً على تعاون "سكريبال" مع أجهزة الاستخبارات البريطانية، فيما نفت روسيا أي ضلوع لها في الحادثة.
وقرر المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية في يناير (كانون الثاني) إضافة مجموعتين من المواد الكيماوية عالية السمية، إحداها مادة "نوفيتشوك"، إلى قائمة المواد الممنوعة بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية.
في المقابل، تطالب روسيا بإضافة مواد كيماوية أخرى تتهم الدول الغربية باختبارها إلى القائمة. وقال الدبلوماسيون إن تسوية لهذه المسألة الشائكة بدأت تلوح في الأفق.