يكشف ارتفاع طلبات الكفالة المقدمة من عائلات جزائرية مقابل ضعف عدد الأطفال مجهولي النسب في دور الحضانة والمؤسسات المختصة عن وجود عنصر "ثالث" في المعادلة يهدد المجتمع بالتفكك. دفع الجمعيات الحقوقية والمعنية بحماية الطفل إلى دق ناقوس الخطر.
أعلنت مصالح الأمن الجزائرية حالة استنفار قصوى بعد ورود معلومات متناقضة بين طلبات الكفالة وعدد الأطفال مجهولي النسب في دور الحضانة، وعدد المواليد غير الشرعيين الذين تسجلهم المستشفيات. ما أربك السلطات ودفعها إلى اتهام شبكات إجرامية تتاجر بالأطفال مترابطة بين مختلف المصالح.
وتذكر مديرية النشاط الاجتماعي في محافظة وهران غرب الجزائر أن عدد طلبات الكفالة تجاوز 1000 سنوياً، فيما يراوح عدد المولودين غير الشرعيين بين 300 و450 شهرياً، مقابل وجود 20 إلى 45 طفلاً في دور الحضانة. وهي أرقام مختلة دفعت إلى اعتماد مراقبة بمصالح التوليد في المستشفيات من أجل تسجيل المواليد غير الشرعيين، ومتابعة مسارهم نحو دور الحضانة أو "التهريب"، ليتم إخبار المؤسسات الأمنية التي باشرت عمليات تحقيق في الوقائع.
إجراءات لمواجهة الظاهرة
لا دخول لأشخاص أجانب إلى مصالح التوليد بعد الساعة الرابعة مساء، ومنع خروج الأمهات بعد الولادة إلا بترخيص من الطبيب، وذلك بين منتصف النهار والثالثة مساء، ورفع عدد أعوان الأمن لرصد أي حركة غير عادية، إجراءات وضعتها وزارة الصحة لمواجهة شبكات الاتجار بالأطفال، بينما يجري التحضير لتعديلات في قانون الأسرة لسد الثغرات، ومنها السماح للقاضي بحكم امتلاكه صفة الولي بتسجيل مولود من خارج الزواج في دفتر عائلة أخرى سواء أكان بحضور الأم البيولوجية أم بوكالة.
وأثار الحقوقي جمال الدين سفاري، وجود مسار آخر مواز للمسار الرسمي للكفالة غير معلن يتعلق بالاتجار بهؤلاء المواليد. وقال في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن بعض الأمهات العازبات اللواتي يحق لهن الاحتفاظ بمواليدهن، من دون أن يسأل أحد عن وضعها بعد ذلك، سمح لأصحاب النفوس الضعيفة ببيع فلذات كبدهن تحت الضغط المادي والحاجة والضعف، وفي بعض الأحيان بسبب الأنانية، مشيراً إلى أن هذا فراغ يستدعي إيجاد حل معقول لمنع باب الاتجار بالأطفال وقطع دابر الشبكات الإجرامية التي تعتمد على هذا الفراغ وتستغل الأمهات العازبات وأطفالهن.
سرية السلطات... وانتقادات
تحصي وزارة التضامن نحو 3 آلاف ولادة طفل من خارج الزواج، في حين تؤكد الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أن العدد الحقيقي يتجاوز 45 ألف حالة سنوياً، وأغلبها من علاقات جنسية مؤقتة، ومن الزواج العرفي. وقالت الرابطة إن القانون الجزائري لا يحمي الأطفال مجهولي النسب على الرغم من أن التدابير القانونية الخاصة بهذه الفئة موجودة إلا أنها ليست في مصلحتهم ولا تضمن حقوقهم.
وتبين وزارة التضامن أن 154 ألف طفل موجود في مراكز الطفولة المسعفة عرفوا الدفء العائلي بعدما تكفلت بهم أسر داخل الوطن. فيما أظهرت الجاليات الجزائرية في الخارج اهتمامها بهذه الفئة من الطفولة من خلال التكفل بأكثر من 1600 طفل من دون أسر.
وانتقد رئيس هيئة ترقية الصحة وتطوير البحث مصطفى خياطي، اعتماد المسؤولين سياسة التعتيم بدل الكشف عن الأرقام الحقيقية، داعياً إلى تسريع وتسهيل إجراءات الكفالة من خلال إنشاء قاعدة بيانات لجميع الولادات المتعلقة بهذه الفئة على مستوى الوطن. وقال إن هناك أطفالاً موجودون في المستشفيات وينتظرون صدور قرار، في مقابل وجود مئات العائلات ينتظرون منذ أكثر من ثلاث سنوات تمكينهم من كفالة طفل.