بلا مقدمات، ظهر منشور على الصفحة الموثقة بالعلامة الزرقاء في فيسبوك لجهاز مكافحة الإرهاب العراقي، وهو نخبة القوات العراقية المسلحة، فجر الاثنين 25 نوفمبر (تشرين الثاني)، يعلن العصيان العسكري، ويتحدث عن اعتقال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، على خلفية القمع الدموي لحركة احتجاج غير مسبوقة في البلاد.
بالتزامن، نشر حساب تويتر التابع للجهاز منشوراً مماثلاً، وما هي إلا دقائق، حتى هيمن الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي، وتداوله مدونون وصحافيون على نطاق واسع، على أنه إعلان عن انقلاب عسكري في العراق.
لا انقلاب... بل اختراق
بعد قليل، وزع مقربون من قائد جهاز مكافحة الإرهاب الجنرال طالب شغاتي، نصاً مقتضباً على مجموعات في تطبيق واتساب تضم ساسة وصحافيين، يؤكد أن حسابات الجهاز في وسائل التواصل الاجتماعي اخترقت، وأن ما نشر فيها عن العصيان واعتقال عبد المهدي، لا صحة له، مشدداً على أن هذه القوة التي شكلها الأميركيون وحرصوا على تجهيزها بأفضل المعدات العسكرية، ستبقى "سوراً للوطن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتمكن جهاز مكافحة الإرهاب من السيطرة على صفحته في فيسبوك مؤقتاً، قبل أن يعاود "الهاكرز" المفترضون اختراقها مجدداً ونشر إعلان العصيان مرة أخرى، كما استمرت سيطرتهم على حساب تويتر ساعات عدة.
بالون اختبار... أم خلافات
كثيرون اقتنعوا برواية الاختراق التي قدمها جهاز مكافحة الإرهاب لتفسير ما نشر على حساباته، لكن قلة تداولت سيناريوهات عديدة، من بينها أن الأمر هو بالون اختبار من الجهاز نفسه، تحت غطاء رواية الاختراق، لقياس مدى تعاطف الجمهور المحتج مع فكرة الانقلاب العسكري، إذ يعتقد أصحاب هذا الرأي أن علاقة هذا الجهاز بالولايات المتحدة، هي أخطر مما يجري الحديث عنه، وهو ما يدعو إلى الشك دوماً من أن واشنطن قد تستخدم هذا التشكيل العسكري البارع في التأثير على المسار السياسي للبلاد، الذي يتجه يوماً بعد يوم ليستقر في الحضن الإيراني.
آخرون تحدثوا عن خلافات عميقة بين قادة الجهاز، بشأن الاستجابة لضغوط مفترضة يمارسها عبد المهدي عليهم للمشاركة في عملية السيطرة على الاحتجاجات، وما قد تتطلبه من تورط في القمع الدموي. ويعتقد قادة الجهاز، وفقا لهذا التفسير، أن ليس من مهامهم مواجهة شارع غاضب على الحكومة والطبقة السياسية، وأن سمعتهم التي ربحوها خلال مرحلة الحرب على داعش، قد تتبدد في حال واجهوا الشارع.
ويستند هذا التفسير إلى حقيقة الدور الأمني المحدود الذي يلعبه جهاز مكافحة الإرهاب في هذه المرحلة، فهو يكتفي بحراسة بعض المنشآت الحكومية الحيوية، البعيدة عن ساحات الاحتجاج، بعد تسريبات خلال الأسابيع الماضية تشير إلى أن هذا التشكيل اقترح على رئيس الوزراء أن يبقى بعيداً عن مواقع المتظاهرين.
التغيير عبر العسكر
ويؤمن كثيرون من المتابعين للشأن العراقي بأن تغيير البنية العميقة للنظام السياسي في العراق، المتهم بالفشل، لا يمكن أن يحدث من دون تداخل جراحي عسكري، وهو ما يمكن تلمسه بوضوح في ساحة التحرير، أيقونة الاحتجاج في البلاد، إذ ما زالت صورة الجنرال عبد الوهاب الساعدي، أحد أبرز قادة جهاز مكافحة الإرهاب خلال حقبة الحرب على تنظيم "داعش" بين 2014 و2018، شاخصة على مبنى عال، منذ أن رفعها المتظاهرون مطلع الشهر الماضي.
ويعتبر المتظاهرون الجنرال الساعدي أحد رموز ثورتهم، فهو بالنسبة لهم ضحية النظام السياسي الفاسد، وعلى الرغم من الخدمات الجليلة التي قدمها خلال الحرب على تنظيم "داعش"، إلا أن عبد المهدي ركنه في خانة التجميد مؤخراً، لما قيل عن تزايد شعبيته.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات العراقية مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كان المتظاهرون ينادون على الساعدي كي يقود انقلاباً يخلصهم من الطبقة السياسية التي تسبح في بحر الفساد وسوء الإدارة. ومع أن الرجل اختفى منذ قرار ركنه، إلا أن صورته ما تزال حاضرة في ساحة التحرير، دليلاً على إيمان شعبي عميق، بألا مخلص من هذا الفساد إلا رجل عسكري.