وجّه الشارع العراقي الغاضب لطمةً جديدة إلى إيران، بإحراق قنصليتها في مدينة النجف، مركز التشيّع الروحي في العالم، ومقر المرجع الشيعي الأعلى على مر الأزمان.
إيران تخسر ثالث قنصلياتها
وهذه القنصلية الإيرانية الثالثة التي يحرقها المحتجون العراقيون، بعد قنصلية البصرة عام 2018، وقنصلية كربلاء منذ أسابيع قليلة، ما يجسد الحقيقة المرة التي تتجاهلها إيران، وهي التحول الجذري في مزاج الشارع الشيعي العراقي، إزاءها على الرغم من أنها تقدم نفسها للعالم بصفتها حارساً للمذهب الشيعي.
وتحدث مراسل "اندبندنت عربية" مع ناشطين يشاركون في تظاهرات النجف، وسألهم عن سبب إحراق القنصلية الإيرانية، فقالوا إنهم يرون أن إيران تقف خلف الخراب الذي يخيم على بلادهم منذ 16 سنة، برعايتها أحزاب الإسلام السياسي الشيعية والسنية على حد سواء، مضيفين أنهم يحاولون منذ بدء التظاهرات إبلاغ طهران هذه الرسالة ولكن من دون جدوى.
إيران تحتج والعراق يدين
وأبلغت طهران السفير العراقي لديها احتجاجها الشديد على الهجوم الذي تعرضت له قنصليتها في النجف. وقالت وزارة الخارجية العراقية إنها تدين "ما تعرَضت له قنصلية جمهورية إيران الإسلامية في النجف الأشرف من اعتداء من قبل أشخاص غرباء عن واقع التظاهرات الحقة التي يشهدها عدد من مدننا العراقية"، معتبرةً أن "الغرض منها بات واضحاً وهو إلحاق الضرر بالعلاقات التاريخية بين العراق وإيران، وكذلك مع بقية دول العالم الذين تعمل بعثاتهم في العراق".
وأضافت الخارجية العراقية أنه "في الوقت الذي نؤكد أن التظاهر حق مكفول، وأن مطالب المتظاهِرين كانت ولا تزال مقبولة لدى الحكومة، إلاّ أنّنا لطالما حذرنا من دخول أشخاص يبتغون حرف التظاهرات ذات المطالب الحقة عن جادة الانضباط القانوني ومسارها الصحيح"، مشيرةً إلى أن "ما تعرضت له القنصلية في النجف الأشرف دليل واضح لما يحمل هؤلاء من أجندات بعيدة من المطالب الوطنية".
ودعت الخارجية المتظاهرين إلى "أخذ الحيطة والحذر من هؤلاء المشبوهين الذين يرومون تشويه سمعة التظاهرات المطالِبة بالإصلاح"، مؤكدةً أن "البعثات الدبلوماسية العاملة على أرض العراق محط احترام وتقدير عال"، فيما شددت على "أن ما حدث لا يمثل وجهة نظر رسمية، كما نؤكد تمسكنا بعلاقاتنا الثنائية الاستراتيجية، والبناء عليها وصولاً إلى تحقيق تطلعات شعوبنا".
من يهدد حياة السيستاني؟
وإذا كان موقف الخارجية العراقية يعكس خوف الحكومة في بغداد من الغضب الإيراني، ويحاول إعادة الكرامة لطهران، فإن قادة في الحشد الشعبي وفي ميليشيات عراقية موالية لإيران سلكوا طريقاً آخر، عندما ربطوا بين إحراق القنصلية في النجف وتهديد مزعوم يتعرض له المرجع الأعلى علي السيستاني.
وبمجرد ذيوع خبر إحراق القنصلية الإيرانية في النجف، سارع الرجل الثاني في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، الذي تربطه علاقة وثيقة بمسؤول الملف العراقي في إيران، الجنرال البارز في الحرس الثوري قاسم سليماني، إلى الإعلان عن أن "كل ألوية الحشد الشعبي الآن بإمرة المرجعية العليا، وسنقطع اليد التي تحاول أن تقترب من السيد السيستاني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
طبول الحرب الأهلية
تلا ذلك، توجيه "كتائب حزب الله" التي يقودها المهندس، وتوصَف بأنها "قوة النخبة" ضمن الميليشيات العراقية الموالية لإيران، تحذيراً يتعلق بالحرب الأهلية، الأمر الذي أكد للمراقبين أن حلفاء طهران يرون أن استهداف مصالحها في العراق يعني استهدافهم مباشرةً.
وقالت "كتائب حزب الله" "إذا انزلقت البلاد إلى الحرب الأهلية، فلا يمكن حينها سماع صوت العقلاء وسيُحرَق الأخضر واليابس"، محذرةً من أن "أي شبر في العراق (لن يكون) بمأمن إذا ما وقعت الحرب الأهلية".
وختمت إن "أول مَن سيُحرق بنيران الحرب الأهلية هو العدو الأميركي والبعث ودعاة الانحلال والأشرار".
أما بالنسبة إلى أهالي النجف، فإن اقتحام المهندس وكتائبه للمشهد بهذه الطريقة كان غريباً، إذ لم يظهر أي مؤشر إلى إمكانية تعرض السيستاني للخطر، فيما لم تسجل التظاهرات أي حديث عن التعرض للمرجع الأعلى. لكن الغرابة ازدادت عندما أعلن قيس الخزعلي، زعيم ميليشيا "عصائب أهل الحق" التي تملك 15 مقعداً في البرلمان العراقي، أن "كل مَن يعتقد أنه يمكن أن يمس بسماحة السيد السيستاني، واهم أشد الوهم"، مشيراً إلى أن "أبناء المرجعية (الذين انتصروا) على أكبر قوة ظلامية موجودون بالميدان وجاهزون".
ثم أعلن قائد ميليشيا "سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي، أن "المرجعية الدينية وريثة معسكر الإمام الحسين... لا حاجة إلى التحسر على فوات فرصة الوجود في معسكر أبي عبدالله، فالفرصة ما زالت سانحة، قف حيث يقف مراجعنا العظام".
كان حديث الخزعلي وإشارة الولائي، أوضح دليل على أن قادة الحشد الشعبي وزعماء الميليشيات المقربة من إيران يفتشون عن ذريعة لإدخال الحشد الشعبي على خط إدارة التظاهرات العراقية، تمهيداً لقمعها، وهو ما تحققت مؤشرات سريعة حوله، أثارت القلق في صفوف النشطاء.
أين المعلومات الرسمية؟
في المقابل، قال حسن الخرسان، وهو ناشط من النجف، "بعد الحرق الذي طال القنصلية الإيرانية في النجف الأشرف، سارعت قيادات في الحشد الشعبي منها الخزعلي والمهندس والولائي، للتغريد بشأن حماية المرجع الأعلى السيستاني دام ظله، بالتزامن مع إطلاق شائعة حول دخول المتظاهرين الى المدينة القديمة"، مشيراً إلى أن معلوماته تقول إن هؤلاء القادة الثلاثة سيدخلون النجف على رأس قوات كبيرة من الحشد الشعبي لـ "حماية محيط المدينة القديمة والمراجع". وأضاف الخرسان "لا نعلم حقيقةً، هل هنالك أوامر من القائد العام للقوات المسلحة لتحريك هذه القطاعات من الحشد الشعبي على اعتبار أنها جزء من المنظومة الأمنية؟"، مبدياً استغرابه من أن قيادة العمليات المشتركة أو قيادة الحشد الشعبي لم تكشف عن أي معلومات استخبارية محددة، تؤكد وجود تهديدات للسيستاني.
ولفت إلى أن الحشد الشعبي استقدم تعزيزات عسكرية "هائلة" إلى النجف، معتبراً أن الوضع في المدينة، حتى مع إحراق السفارة الإيرانية، لا يستوجب ذلك.