أظهرت بيانات رسمية أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب احتجزت اعدادا غير مسبوقة من المهاجرين الأطفال بلغ عددهم 69,955 طفلا في سنة 2019، بزيادة نسبتها 42 في المئة عن عدد من احتجزتهم السنة الماضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفقا لباحثين تابعين لـ "منظمة الأمم المتحدة"، فانه تنفيذا لسياسة الفصل العائلي التي انتهجتها إدارة ترمب هذا العام، كان عدد الأطفال الذين احتُجزوا بمعزل عن أهلهم في الولايات المتحدة أكبر منه في أي بلد آخر على وجه الأرض.
وبموجب سياساتها المتشددة بشأن الهجرة، فان الأطفال قضوا هذه السنة في أميركا المزيد من الوقت في مراكز الاحتجاز وبعيداً عن عائلاتهم مقارنة بالسنوات الماضية، على الرغم من اعتراف الحكومة ان هذا الوضع يُلحق بهؤلاء الصغار اضرارا جسيمة.
وقال مراهق من هندوراس، اعتقل لمدة أربعة أشهر قبل لمّ شمله مع والدته، أنه "كان اليأس سائداً كيفما نظرت.. كان هناك أمر جعلنا نشعر باليأس. كنا نبحث عن الحرية. أردنا ان نكون أحرارا".
وذكر شاب آخر من هندوراس، احتُجز عندما كان عمره 16 عاما لأكثر من عام، أنه رأى زملاءه المحتجزين معه يؤذون أنفسهم كنتيجة للوضع الذي عاشوه "فتارة يبكون، لوحدهم، او يضربون أنفسهم بالحائط.. اعتقدت ان السبب في ذلك هو وجودهم في المعتقل لفترة طويلة". وتحدث هذان المراهقان شرط عدم الكشف عن هويتهما بسبب الخوف على سلامتهما.
والمفارقة أن الغالبية العظمى من الأطفال يهربون من بلدان أمريكا الوسطى الى الولايات المتحدة الاميركية، لحماية أنفسهم من الاضطهاد أو سوء المعاملة أو العنف في هذه البلدان.
وبينما يصل الأطفال بمفردهم إلى الحدود الأميركية منذ أكثر من عقد من الزمن، فقد زاد عدد الأطفال المحتجزين لدى الحكومة بشكل حاد على مدار العامين الماضيين، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى احتجازهم لفترات زمنية أطول.
وفي أعقاب أشهر من تولي ترمب منصبه، كانت الوكالة الفيدرالية ترعى حوالي 2700 طفل، وتلمّ شملهم مع من كانوا ينتظرونهم من أقارب أو رعاة لهم، وذلك في غضون شهر تقريبا. لكن هذا العدد تجاوز في يونيو (حزيران) الماضي 13000 طفلا، واستمر حجزهم لمدة شهرين تقريبًا.
ووفقا لاتحاد الحريات المدنية الأميركي فان سلطات الهجرة الأميركية قد فصلت أكثر من 5400 طفل عن آبائهم على الحدود المكسيكية منذ يونيو 2017.
وحصلت حوالي 1090 من حالات الانفصال هذه، بعدما أمرت قاضية المقاطعة دانا سبراو بوضع حد لهذ الإجراء، علما ان هذه الممارسات هي جزء من نهج "عدم التسامح مطلقًا" حيال الهجرة الذي تتبعه الإدارة الأميركية منذ يونيو 2018. ورفعت العائلات التي تقول إن أطفالها تعرضوا للأذى بسبب احتجازهم، دعاوى أمام المحاكم ضد الولايات المتحدة لمطالبتها بدفع مئات الملايين من الدولارات على شكل تعويضات.
وأمر قاضٍ اتحادي في الأسبوع الماضي الحكومة بأن توفر على الفور الفحوص اللازمة لحالات صحة نفسية ومعالجتها لأفراد الأسر المهاجرة التي أصيبت بصدمة بسبب الفصل العائلي.
وحكم القاضي أن سياسة الحكومة "تسببت في صدمة نفسية شديدة للآباء وأبنائهم" وأن موظفي الحكومة الأميركية كانوا "على دراية بالمخاطر المتعلقة بالفصل العائلي عند تطبيق تلك السياسة".
من جانبه، قال خبير الصدمات النفسية لدى الأطفال في جامعة ستانفورد رايان ماتلو، إن التوتر السام لدى الأطفال يرتبط بارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق ومتلازمة التوتر في مرحلة ما بعد الصدمة وأمراض القلب والسرطان وحتى الموت المبكر.
وتساءل ماتلو، الذي قابل أطفالًا داخل العديد من أكبر مراكز الاحتجاز، "هل نريد أن نكون دولة تتسبب في المزيد من الصدمات للأفراد الذين يعانون من محنة شديدة ويلجأون الى دولة مجاورة؟" وأضاف "هل نحن راضون عن الآثار المترتبة على إلحاق الأذى بالأطفال المعرضين للخطر الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين وثلاث سنوات إضافة الى المراهقين أيضًا؟ هل يمكن أن نقبل بهذا الامر؟"
وتصف حكومة الولايات المتحدة الأطفال المهاجرين المحتجزين من دون أهلهم بـ "الأطفال الأجانب من دون ذويهم" كما جرت تسميتهم إداريا". ويشترط القانون الفيدرالي على "مكتب إعادة توطين اللاجئين" التابع لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية تزويدهم الطعام والمأوى والرعاية الطبية والنفسية.
لكن مكتب المفتش العام في لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية كشف أنه لا يوجد ما يكفي من الأطباء أو الرعاية المتخصصة في الملاجئ التي تأوي الاطفال المهاجرين. وفي طلب عاجل لتمويل ملجأ للطوارئ في وقت سابق من هذا العام، حذرت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية أنه "من دون وسيلة لتوفير هذه الخدمات عبر التمويل السريع، هناك خطر غير مقبول من أن الاف "الأطفال الأجانب ممن ليسوا برفقة ذويهم" قد يُحرمون من احتياجاتهم الإنسانية الأساسية، مما قد يؤدي إلى الإصابات او وفاة الأطفال."
ومن الملاحظ أنه حتى بعد لمّ شمل الأطفال بعائلاتهم، تستمر المعاناة من الاثار العاطفية السلبية لفصلهم عن عائلاتهم.
وفي هذا السياق تحدث أحد الأباء عن مشاعره بعد أن فُصل قسرا عن ابنته البالغة من العمر ثلاث سنوات على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، علما انه قطع مسافات طويلة على امتداد أسابيع وهو يحتضنها بين ذراعيه بهدف طلب اللجوء في الولايات المتحدة. وقال انه يخشى الآن أن " رباطهما قد انفصم بشكل لا رجعة فيه". وشرح انه عاش مذعورا لثلاثة أسابيع بعدما قبض عليهم مسؤولو الهجرة وأرسلوا ابنته إلى الحضانة التي تمولها الحكومة، ولم يكن لديه أي فكرة عن مكان وجودها. وبعد مرور شهر على هذه الحالة، حاول مقدم الرعاية أن يوصله بابنته للحديث معها عبر الهاتف، لكن الفتاة، التي بلغت الرابعة من العمر في مقر الاحتجاز الحكومي، رفضت الكلام معه وكانت تصرخ غاضبة.
اتضح فيما بعد في المحكمة أن الطفلة تعرضت للاعتداء الجنسي من قبل طفل آخر أثناء وجودها في رعاية الحضانة الأميركية.
وقال والدها، الذي علم بإساءة معاملة ابنته أثناء احتجازه، لوكالة "أسوشيتيد برس" و "فرونت لاين" إنها " صغيرة جدًا لحدوث شيء من هذا القبيل". وأضاف "شعرت أنني لا أستطيع فعل أي شيء لمساعدتها."وبسبب يأسه من محاولة رؤية ابنته بعد أربعة أشهر من اعتقاله ومن بعده عنها، توسل للإدارة كي تُجري اختبار الحمض النووي الذي أثبت علاقته بها. ولكن الحكومة الأميركية لم تتجاوب. وفي يونيو (حزيران)، استسلم للامر الواقع وطلب من القاضي لمّ شمله مع ابنته وترحيلهما. وأعادته الحكومة إلى هندوراس وحده. ثم أرسلت ابنته بعد شهر في منتصف أغسطس (اب).
لكنها ظلت مصرة بأن والدها قد تخلى عنها، رافضة أن تنظر إليه أو تمسك بيده.
وبعد أيام من لمّ شملهم، قال "أفكر في هذه الصدمة التي بقيت معها، لأن الصدمة ظلت معي أنا ولم تبارحني بعد".
(أعد التقرير بمشاركة من اسوشيتد برس)
© The Independent