يحتل التهريب مكانة بارزة في قائمة أسباب العجز الطاغي على الاقتصاد اللبناني. فخطوطه غير الشرعية تحرم خزينة الدولة من حوالى ثلاثة مليارات دولار أميركي سنوياً، نتيجة انفلات الحدود اللبنانية - السورية وسيطرة عصابات التهريب على أكثر من 136 معبراً غير شرعي، منتشرة على طول الحدود التي تمتد بمساحة 375 كيلومتراً. ما أدى إلى تفاوت فاضح في أسعار السلع بين المناطق اللبنانية بسبب التهريب.
التهريب في أعلى وتيرة
ومع توقف معظم عمليات الاستيراد من الخارج بسبب سياسة التقنين التي يتبعها مصرف لبنان نتيجة "شح" الدولار في الأسواق اللبنانية، تؤكد أوساط في محافظة البقاع أن عمليات التهريب نشطت بشكل كبير في الآونة الأخيرة على المعابر غير الشرعية على الحدود اللبنانية - السورية، في ظل تغاضي المعنيين عن الأمر.
وتشير إلى أن شهود عيان يؤكدون عبور مئات الشاحنات، عبر الطرقات الجبلية والوديان الوعرة، على جانبي نقطة المصنع الحدودية، إلى بلدة مجدل عنجر اللبنانية، إضافة إلى سلوكها الطرقات الحدودية الواصلة ما بين بلدة سرغايا السورية وبلدتي معربون وحام اللبنانيتين.
غطاء سياسي
وتؤكد الأوساط أن عصابات التهريب تحظى بغطاء بعض السياسيين والنافذين، الذين يؤمنون وصول البضائع المهربة إلى مستودعات التجار وتوزيعها في الأسواق، مشيرة إلى أن التهريب يشمل جميع القطاعات التجارية، من الخضار والفاكهة إلى المواد الاستهلاكية الأخرى، مثل الثياب والأدوات الكهربائية والأجهزة الذكية وغيرها.
وعن الأضرار التي يكبدها التهريب للتجارة الشرعية، تشير مصادر اقتصادية إلى أن مئات المؤسسات التجارية الشرعية أقفلت أبوابها والمئات الأخرى باتت على شفير الإفلاس وتسريح آلاف الموظفين، مؤكدة أنه إذا استمرت الأوضاع على حالها، فإن بداية عام 2020 ستشهد ارتفاعاً غير مسبوق في نسب البطالة في لبنان، قد تصل إلى 50 في المئة.
وأضافت أن التهريب بهذا الحجم أدى إلى منافسة غير مشروعة في الأسواق وقضى على النفس الأخير من قدرة التجار الشرعيين على الصمود في وجه الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها لبنان، متهمة جهات حكومية بتغطية عصابات التهريب.
ودعت المصادر إلى رفع الغطاء السياسي عن المهربين، الذين يسهمون باستنزاف الدولار من الأسواق اللبنانية، ما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية بمعدل 25 إلى 30 في المئة، وإلى زيادة معدلات التضخم إلى أكثر من 9 في المئة، وإلى غلاء المواد الاستهلاكية ما بين 10 و30 في المئة.
وتقول الأوساط الاقتصادية إنها لا تستبعد وجود علاقة وطيدة بين عصابات التجار وجزء كبير من الصيارفة المحليين. إذ تجري عمليات دفع الأموال بين جانبي الحدود من خلال شبكة صيرفة منتشرة بين لبنان وسوريا والعراق وتركيا، تجري "مقاصة" في ما بينها، ليتم تحويل المبالغ المستحقة نقداً عبر الحقائب، مقدرة الكتلة النقدية المتداولة بين هؤلاء بحوالى 4 مليارات دولار.
تهريب "شرعي"
وفي السياق نفسه، تفيد معلومات أن التهريب يتعدى المعابر الحدودية ليطال مطار بيروت والمرفأ، حيث يتم إدخال بضائع مهربة تقدر خسائر عائداتها بحوالى ملياري دولار.
ووفق المعلومات، فإن التهريب يحصل بعدة أوجه، منها مقنع تحت غطاء "بضائع المقاومة" والتي تدخل من دون رسوم جمركية وقد استحصل حزب الله على مرسوم حكومي يتيح له إدخال بعض السلع التي تعفى من الرسوم الجمركية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت صحيفة "واشنطن تايمز" الأميركية قد أشارت في وقت سابق، نقلاً عن تقارير استخباراتية غربية، إلى أن حزب الله حول مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت إلى مركز لتهريب المخدرات والسلاح والمقاتلين بما يخدم إيران، وكشفت عن وجود شبهات كبيرة تدور حول شركات طيران مدنية من بينها شركة باسم "خطوط قشم فارس"، بشأن تهريبها أسلحة إيرانية إلى حزب الله، وتُخرج حمولتها من دون المرور بالإجراءات الرسمية للمطار.
وأوضحت الصحيفة أن حزب الله يستغل نفوذه في لبنان، لتسهيل سفر المسلحين الإيرانيين من مناطق الصراع، مثل سوريا إلى إيران والعكس.
تهريب البشر
وتقول مصادر أمنية لبنانية إن التهريب لا يشمل البضائع والسلع الاستهلاكية، فهو يتجاوزها إلى تهريب البشر وقد تم توقيف عدد من العصابات التي تهرب أفراداً من سوريا إلى لبنان، إلا أنه تم الإفراج عن كثيرين منهم، لوجود شراكة بين هذه العصابات ونافذين.
وأشارت المصادر إلى أن بدل التهريب يبدأ من 100 دولار للأشخاص غير الملاحقين أمنياً ممن يجدون صعوبة بدخول لبنان بشكل رسمي بسبب تعقيد الإجراءات على الحدود، والذين غالباً ما يكون سفرهم إلى لبنان بغرض زيارة أقارب في المخيمات، في حين تبدأ تكاليف تهريب الملاحقين أمنياً والمطلوبين للخدمة العسكرية في سوريا من 500 دولار وتصل إلى 1500 دولار. وأحياناً تتخطى هذه المبالغ، بحسب إمكانيات الأشخاص الهاربين المالية.
سوريا أيضاً
في المقلب السوري، سببت الأزمة المالية في لبنان وفقدان الليرة اللبنانية ثلث قيمتها، ضرراً شديداً باقتصاد النظام السوري، لخسارته منبعاً حيوياً للدولارات، ما دفع الليرة السورية للانخفاض إلى مستويات قياسية. إذ يعتمد النظام على الروابط المصرفية مع لبنان للحفاظ على الأعمال التجارية، منذ بداية الحرب قبل أكثر من ثمانية أعوام وفرض عقوبات دولية عليه.
وقد بلغت الليرة السورية أدنى مستوياتها على الإطلاق عند حوالى 765 للدولار، مقارنة بـ47 ليرة سورية للدولار قبل بدء الانتفاضة ضد النظام السوري عام 2011. ووفق مصرفيين، فإن ودائع السوريين، التي تقدر بمليارات الدولارات في البنوك اللبنانية، باتت الآن "حبيسة"، في حين تعتبر الفوائد التي تدفع على هذه الودائع وتحول إلى سوريا مصدراً مهماً للدولار في البلاد.