بدت ساحة التحرير أقرب إلى كونها مجلس عزاء، ضم لافتات وصوراً للضحايا وأسماءهم ولباسهم، إضافةً إلى شظايا من عربات التوكتك.
وكأن المكان اتسع مداه ليجمع غضب الناس وأحلامهم وحدادهم على ضحايا التظاهرات.
أحداث فتحت باب التغيير
أحداث الناصرية التي أوقعت أكثر من 50 قتيلاً، فتحت الباب أمام تغيرات عدّة شهدها العراق خلال اليومين الماضيين، تُرجمت بتقديم عادل عبد المهدي استقالة قوبلت بالموافقة، أعلن عنها رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، على أن يُكلف رئيس الجمهورية بتسمية رئيس وزراء جديد، بحسب المادة 76 من الدستور.
تطورات أخرى ألقت بظلالها على الوضع في العراق، إذ أصدرت رئاسة محكمة استئناف ذي قار مذكرة قبض ومنع سفر بحق فريق الركن جميل الشمري، على خلفية إعطائه الأوامر لقمع تظاهرات الناصرية. كما قضت محكمة جنايات واسط بإعدام رائد في الشرطة والسجن لمدة سبع سنوات بحق ضابط برتبة مقدم، بعد دعوى مقدمة من عائلتَيْ قتيلَيْن سقطا بالرصاص الحي في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) في الكوت، مركز مدينة واسط.
الاستقالة لا صدى لها
ولم تنجح استقالة عادل عبد المهدي في تخفيف زخم التظاهرات، كما أنها لم تقنع المحتجين بأن التغيير قد حدث، بل على العكس، فقد انتقد هؤلاء صيغة الاستقالة، باعتبار أنه لم يربط سبب تنحيه بـ"حمام الدم" الذي شهدته الناصرية، بل أرجع السبب إلى توجهيات المرجعية، وهذا ما اعتبره المتظاهرون إهانة للقتلى وعدم مبالاة بالدم العراقي.
المحتجون في منطقتي جسر الجمهورية والسنك رأوا أن الاستقالة "عبارة عن تغيير وجوه فقط، فمطالبهم لا تقف عند حدود استقالة عادل عبد المهدي، بل لا بد من تغيير النظام السياسي الحالي ليكون نظاماً رئاسياً، ومحاسبة الأحزاب السياسية وإعادة بناء الدولة على أسس وطنية عابرة للانتماءات الضيقة".
كذلك، قلّل المتظاهرون من نتائج أية إصلاحات تقوم بها الحكومة، مؤكدين أن الشارع العراقي فقد الثقة بالكامل في الطبقة السياسية الحالية، وأن أي تعديلات تجريها هذه الطبقة لن تجد مَن يؤيدها. كما أنهم انتقدوا التعديلات الخاصة بنظام الانتخابات، التي أعطت بحسب وجهة نظرهم، الأحزاب الحالية الأفضلية، ما يؤدي إلى استمرار بقائهم لدورات انتخابية مقبلة.
بداية الخلاص من نظام المحاصصة
وأوضح الناشط السياسي وسام الخزعلي في حديث لـ "اندبندنت عربية"، أن استقالة رئيس الوزراء تُعـدُّ بداية الخلاص من نظام اعتمد على المحاصصة ولم يعتمد على أسس وطنية، لافتاً إلى أنّ مطالب المتظاهرين بتغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي، لا يمثّل دعوة للعودة إلى النظام الديكتاتوري كما يروّج له منتقدو انتفاضة أكتوبر، بل إن العراقيين يطمحون إلى تغيير نظام أخلّ بمبدأ العدالة الاجتماعية، ما فاقم ملفات الفساد.
دعوات لتقديم شكوى
وشهدت التظاهرات التي تعم العراق انتهاكات لحقوق الإنسان، تنوعت من الرمي بالرصاص الحي وتعمُّد القتل، إلى اعتقالات طالت نشطاء ومتظاهرين، كما شهدت المحافظات المنتفضة حالات خطف من قبل جهات مجهولة لم يجر الإعلان عن هويتها. وبحسب المحتجين، غالباً ما يُغيب بعض المعتقلين، إذ يصعب على ذويهم التعرف على أماكن احتجازهم لعدم تسجيل أسمائهم في قوائم السجون التي يقبعون خلف قضبانها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عضو مجلس المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق فيصل عبد الله، أكد في حديث لـ "اندبندنت عربية"، أن المفوضية ومن خلال فرقها الموجودة في المحافظات، وثّقت انتهاكات وصفها بـ"الخطيرة والجسيمة" بحق المتظاهرين السلميين، موضحاً أن المفوضية رفعت هذه الانتهاكات إلى مجلس النواب والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان. وانتقد عبد الله وزارة الصحة لعدم تزويد المفوضية وبشكل مستمر بأعداد القتلى والجرحى، ما يصعّب على المفوضية توثيق الانتهاكات بشكل صحيح.
حرص المفوضية
كما أشار إلى أن المفوضية تحرص وبشكل مستمر، على زيارة السجون التي تضم معتقلي التظاهرات، وقد عقدت اتفاقاً مع نقابة المحامين لتوكيل محامين متطوعين لغرض الدفاع عن الموقوفين وإسقاط التهم التي وُجهت إليهم، لا سيما التهم التي تندرج ضمن المادة 4 إرهاب والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام، وهي تشمل كل من يقوم أو يشترك بالأعمال الإرهابية، والمؤبد ضد من أخفى عن عمد أي عمل إرهابي أو تستّر على شخص إرهابي.
كما أوضحت المفوضية في بيان، أن جرائم القتل المرتكبة ضد المتظاهرين السلميين لا تسقط بالتقادم ولا تمنع حصانة أي متورط فيها من المحاسبة أو تضمن له الإفلات من العقاب، وفق القوانين العراقية النافذة والاتفاقيات التي وقعت عليها بغداد.
ثقافة الإبلاغ
وبناء عليه، طالب عبد الله المتظاهرين بالتحلي "بثقافة الإبلاغ عن الانتهاكات"، داعياً الذين تعرّضوا للاعتداء إلى تقديم شكواهم للمفوضية التي بدورها ستتابع هذا الانتهاك، من دون الإفصاح عن اسم المشتكي، حفاظاً على سلامته. وبعدها، تسلّم المفوضية الشكوى إلى رئاسة الادعاء العام، عملاً بالمادة 5 من قانونها المرقم (53 لسنة 2008 المعدل)، التي تنص على "تحريك الدعاوى المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان وإحالتها إلى الادعاء العام، لاتخاذ الإجراءات القانونية وإشعار المفوضية بالنتائج"، وصولاً إلى تحقيق العدالة وضمان عقاب من ينتهك القانون ويتعرض للمتظاهرين السلميين بالعنف.