شهدت العلاقات بين أطراف الأزمة الخليجية تحولاً ملموساً منذ أشهر، إثر قيام الأطراف كل من جانبه بتخفيف حدة لهجته نحو الآخر، على نحوٍ أشاع بين الأوساط الشعبية والإعلامية اعتقاداً بأن "المصالحة" يوشك أن تعيد إلى الخليج لحمته، كما اعتاد سكان المنطقة أن يعبروا عن طبيعة العلاقة الناظمة للإقليم الغني بالنفط، وعائلات الحكم فيه منذ قرون.
لكن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبداللطيف الزياني، بإعلانه الأحد الماضي عن انعقاد القمة الخليجية المقبلة في 10 من الشهر الجاري في الرياض، رجح إمكان تحويل شعار "الحل في الرياض" إلى واقع ملموس، وهو الذي غدا أشبه بأيقونة السجال بين السعوديين ومعهم الإماراتيين، على سبيل مناكفة غريمهم القطري. مصادر خليجية قالت إن القمة كان من المفترض أن تعقد في الكويت بعد اعتذار أبوظبي عن استضافتها، في حديث لأحد المصادر أن البروتوكول المعمول به أن تعقد القمة في الدولة المستضيفة للمقر وهي السعودية في حال اعتذرت دولة من دول المجلس، وأضاف "الكويت كانت لديها رغبة للاستضافة في اعتقاد منها أن مصالحة من الممكن أن تستضيفها، لكن المداولات انتهت إلى أن تكون القمة في الرياض".
وقالت وكالة الأنباء القطرية "قنا" أن أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد تسلم رسالة خطية من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز لحضور القمة الخليجية في اجتماعات مجلسها الأعلى لدورته الأربعين، فيما لم تنشر وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" أي شيء بهذا الصدد. وجرت العادة أن ترسل الدولة المستضيفة للقمة رسائل خطية ودعوات لشيوخ وأمراء الدول الأعضاء لدعوتهم للحضور. ويرى مراقبون أن حضور أمير قطر للقمة ليس مرتبطا بالدعوة الموجهة أو الرسالة التي يتسلمها، فقد سبق للمملكة توجيه دعوات رسمية لحضور قمم خليجية والقمة الإسلامية في مكة، وأوفدت قطر موفدين أقل ولم يأتِ أميرها، لكن هذه المرة يبدو أن تميماً سيكون على رأس الوفد.
مفاتيح حل الأزمة
ومع أن الزياني لم يقل صراحة إن القمة ستشهد مصالحة بالمعنى الحرفي للكلمة، إلا أنه وفقاً لوكالة الأنباء السعودية (واس)، ألمح إلى أن القمة ستشهد إعادة الأمور إلى نصابها، وقال "القادة الخليجيون سيجتمعون في الرياض في العاشر من ديسمبر(كانون الأول) الجاري، على أن يُعقد الاجتماع الوزاري التحضيري للقمة في التاسع من الشهر نفسه، وسيناقشون عدداً من الموضوعات المهمة لتعزيز مسيرة التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات السياسية والدفاعية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية"، إلى جانب طرح التطورات السياسية الإقليمية والدولية وانعكاس الأوضاع الأمنية في المنطقة على دول المجلس. وأعرب الزياني عن ثقته بأن القمة الـ40 لدول المجلس ستخرج بقرارات "بناءة تعزز من اللحمة الخليجية وتعمق الترابط والتعاون والتكامل بين الدول الأعضاء، وترسخ أركان هذا المجلس المبارك"، على حد قوله.
وفي هذا السياق يمكن فهم معلومات نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن زيارة سرية قام بها وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبدالرحمن، إلى العاصمة السعودية الرياض الشهر الماضي، التقى أثناءها عددا من كبار المسؤولين السعوديين لمناقشة إنهاء الرياض وبقية دول الرباعية الإمارات والبحرين ومصر مقاطعة الدوحة، على خلفية ما تقول الأطراف الأربعة إنه بسبب تحريض قطر ضد استقرارها ودعم الإسلام السياسي ومنظمات إرهابية، وهو ما تنفيه الإمارة الصغيرة، التي قالت إنها تتعرض لـ"حصار" من ذوي القربى وتدخل في شؤونها السيادية.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن مصادرها أن الشيخ محمد بن عبدالرحمن، قدم "عرضاً مفاجئاً" لإنهاء الأزمة الخليجية، كان بين أبرز بنوده قطع قطر علاقتها مع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين. هذا على الرغم من نفي قطر إقامتها علاقات بالجماعة أو أي من التنظيمات التي تتهم بدعمها مثل النصرة وحماس وحزب الله، بينما تناور حينما يجرى إحراجها بالتناقض بين ما تقول وما تفعل، بأنها ليست ملزمة إلا بنبذ الجماعات المصنفة لدى الأمم المتحدة بأنها إرهابية. ويعتقد محللون من الدول المقاطعة لقطر أن إشارتها تلك، إنما أرادت بها القدح في قوائم دول في الإقليم مثل السعودية ومصر والإمارات التي تصنف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وكذلك حزب الله اللبناني.
وتداول الناشطون الخليجيون والعرب تقرير وول ستريت ما بين مبشر باقتراب الحل، ومتأسف على ما اعتبره استسلام قطر أمام الضغوط التي تتعرض لها، ليس من جانب بيتها الخليجي وحسب ولكن أيضاً من الولايات المتحدة الأميركية التي تعتقد توحّد الخليج ضرورياً للتركيز على مواجهة التهديدات الآتية من إيران.
من المستفيد؟
ومع أن الخارجية القطرية لم تعلق على سؤال "اندبندنت عربية" عما إذا كان أمير البلاد سيحضر القمة الخليجية المقبلة، إلا أن سكوتها منذ نشر الصحيفة الأميركية تقريرها قبل يومين، قد يكون دليلاً على أن مساعي الدوحة نحو مصافحة جيرانها، باتت هي الأرجح، وإن أبدى صقور في النظام مثل وزير خارجيته السابق الشيخ حمد بن جاسم انزعاجاً من التوجه الجديد، وقال "ما يتم تداوله هذه الأيام عن الصلح المنتظر يحتاج إلى تقييم مدى الضرر من جميع الأطراف وأن يكون هذا الحل للأزمة والحصار الذي فرض علينا والذي أصاب المنطقة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. وأن يكون عبرة بحيث أن لا تتكرر مثل هذه السياسات التي لم تؤدي إلى نتيجة إلا الخلل لمجلس التعاون الخليجي، أنا مع الصلح الغير مشروط والذي يحفظ كرامة وسيادة الدول ويجب أن يكون هناك بحث عميق من قبل أعضاء مجلس التعاون الذي جُمّد في هذا الخلاف والمنطقة في أشد الاحتياج لمثل هذا التكتل".
وحاول بن جاسم تبرير التقليل من شأن إعادة المياه إلى مجاريها، بأن "المجلس في آخر ١٠ سنوات لم يكن فعالاً كما يطمح له شعب المجلس. لا أريد أن أخوض في موضوع الثقة المهزوزة بين أعضاء المجلس والتي تحتاج إلى سنوات من إعادة بنائها"، لكن الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد كشف السر وراء توجس بن جاسم من المصالحة، وهو الذي قام من قبل بالتفاوض على تنازلات أشد.
وتساءل الراشد "لماذا من مصلحة شخصيات خارج الحكم في قطر إفشال أي مصالحة لبلدهم مع السعودية ومصر والإمارات والبحرين؟ الشيخ حمد بن جاسم نفسه سبق أن فاوض ووقع على تنازلات والآن يحذر أمير قطر بألا يقبل بصلح مشروط"!
بينما اعتبر الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله أن "عرض قطر قطع علاقاتها مع الإخوان مقابل المصالحة ليس بالعرض الوحيد فقد قدمت قطر عروضاً أهم وأكثر سخاء وهي الآن قيد البحث والنقاش مع قبل الدول المقاطعة"، مؤكداً في تعليقات عدة على حسابه في "تويتر"، أهمية إبداء الأطراف الخليجية كافة حسن النوايا، والاقتصاد في السجال الإعلامي الذي أجج نيران الخلاف فيما مضى.
لكنه مع ذلك لم يتوقع للأزمة أن تنتهي بسلاسة، نظير وجود مستفيدين منها، محدداً ثلاث أطراف قال إنها "ستتضرر من المصالحة الخليجية وطَي صفحة الخلاف الخليجي وتسعى بكل ثقلها عرقلته هي إيران والإخوان وأردوغان الغير مرغوب به في بعض الدول العربية وخليجيا والذي يزور الدوحة في نفس يوم وصول منتخبات السعودية والإمارات والبحرين وكان لافتا أن أمير قطر لم يكن في استقباله في المطار مثلما جرت العادة".
ومنذ اندلاع الأزمة في 2017 بين الرباعية العربية وقطر، تبذل الكويت جهوداً تقول إنها مضنية، للإبقاء على الحد الأدنى من شعرة معاوية، لكي لا ينهار مجلس التعاون الخليجي، الذي تعده الأطراف جميعها مكسباً لا ينبغي التفريط فيه. لكن القمة المقبلة، ستكون تحولاً في تقدير المراقبين، فهي إما أن تشهد حل الأزمة أو تدفع به نحو الأمام بعيداً، وإما أن تؤدي إلى شرخ يعمق الخلافات أكثر.
وحتى إذا التزمت قطر بأهم شروط جيرانها الخليجيين للعودة إلى علاقة طبيعية معهم، لا يتفاءل الكثيرون بأنها ستكون وفية بتلك الالتزامات على المدى البعيد، بعد أن صارت شكوى الرباعية منها، جزءاً من شخصيتها السياسية.
وقبل أسابيع، بدأت وسائل إعلامية قطرية بتخفيف اللهجة واستبدال مصطلحات بأخرى، ومنها تسميتها لميليشيا الحوثي بـ "المتمردين الحوثيين" بعد أن كانت تسميهم جماعة "أنصار الله". وهو جزء من التغيير في الخطاب الإعلامي الذي تزامن مع زيارات سرية لوزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى الرياض لبحث ملف إنهاء المقاطعة.
وفسّر متابعون مشاركة منتخبات السعودية والإمارات والبحرين في بطولة كأس الخليج بالرسالة الإيجابية، وهو ما تبعه تسريبات في الصحافة الأميركية عن زيارة بن عبد الرحمن وعرضه التخلي عن جماعة الإخوان مقابل إنهاء المقاطعة.