وضع عثمان خان، 28 عاماً، وثمانية جهاديين آخرين خططاً مستوحاة من تنظيم "القاعدة"، لاتبّاع تدريبات في باكستان على القتال، واكتساب الخبرة اللازمة من خلال تنفيذ هجمات في كشمير، وذلك على سبيل التحضير لارتكاب فظائع في بريطانيا على طريقة هجوم مومباي الإرهابي.
وكشفت محاكمتهم عام 2012 عن قائمة الأهداف التي كانوا ينوون ضربها، وهي تشمل السفارة الأميركية، وسوق البورصة في لندن، والقصر الملكي في ويستمنستر، وكنيسة ويستمنستر، وساعة بيغ بن، وعين لندن، ومعابد يهودية، ومقر الكنيسة السينتولوجية في لندن، إضافة إلى الحانات والمرافق العامة في منطقة "ستوك أون ترينت".
وكان "جهاز الاستخبارات الداخلية" (أم آي 5) قد ضبط المجموعة بعدما وضع أجهزة تنصت في بيوتهم وسياراتهم، وقبض على الإرهابيين قبل أن يتمكنوا من شنّ أي من الهجمات التي خططوا لتنفيذها.
وقبل إصدار الأحكام ضدهم في عام 2012، وصف القاضي ويلكي ما كان قد كُشف عنه بأنه "مشروع إرهابي خطير، طويل الأمد، كان من الممكن أن يسفر عن وقوع فظائع في بريطانيا". وأضاف أن خان والآخرَين اللذين حوكما معه، هم "أكثر الإرهابيين خطورة" في المجموعة.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو كيف كان خان، على الرغم من كل ما سبق ذكره، مطلق السراح وقادرا على الاندفاع إلى الشارع بشكل أهوج مسلحا بالسكاكين ومرتديا حزاما ناسفا زائفا، لينشر الرعب ويطعن أشخاصاً عدة توفي اثنان منهم عند جسر لندن (لندن بريدج)؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان خان قد أُطلق من السجن وفق ترخيص في ديسمبر (كانون الأول) 2018، بعدما خُفّضت عقوبته بالاستئناف. ومن المعروف لدى صحيفة "اندبندنت" أنه كان قيد المراقبة من قبل جهاز " إم آي 5" باعتباره سجين أُطلق أخيراً، لكنه لم يكن موضع رصد دائم. ويشتمل هذا النوع من المراقبة على عدد من الإجراءات الأمنية بدلاً من تعقب الشخص المستهدف دائما.
وقالت مصادر أمنية إنه لم يكن هناك سبب لتتّبعه على مدار الساعة، نظراً لعدم توفر معلومات استخباراتية تشير إلى أنه عاد إلى الإرهاب. وفي هذا السياق، ردّد مسؤول أمني كبير أنه "من الصعب جدا منع شخص من الخروج وشراء سكين ثم شنّ هجوم.. لم يكن هناك ما يدل على أنه يسعى إلى تنفيذ هجوم، ومن الواضح أننا نستخدم امكانياتنا بشكل يتناسب مع مستوى الخطورة التي نواجهها".
وأضاف المسؤول ذاته " نواجه الوضع نفسه مع جهاديين عائدين من الخارج، وسيكون من الصعب جداً منعهم من استخدام السكاكين أو السيارات للقيام بهجمات.. الجوانب المختلفة المتعلقة بالحكم القضائي هي قيد التداول العام، وهذه الأمور اتخذت المحاكم قرارات بشأنها بعد إجراءات قضائية. غير أننا نواجه احتمال إطلاق سراح عدد من السجناء في المستقبل القريب بعد إكمالهم جزءا من محكوميتهم ".
ويقول رجال أمن إن عمليات تفتيش المساكن ذات العلاقة واستجواب أولئك الذين يعرفون خان لا تشير حتى الآن إلى أنه كان ضمن فريق مكلف تنفيذ مؤامرة أوسع نطاقاً، ولم يُعثر بعد على بيان "جهادي" حول فعله، لكنهم حذروا من أن هذا قد يتغير في سياق التحقيق المستمر.
وسرعان ما أدى الهجوم إلى اتهامات ومهاترة سياسية متبادلة، خصوصا أن هذا العمل الإرهابي قد وقع قبل أسبوعين فقط من موعد الانتخابات العامة.
ومن المتوقع بقوة أن يقول دونالد ترمب شيئاً ما حول الوضع الأمني في بريطانيا عند قدومه إلى لندن لحضور المؤتمر السبعين لزعماء الناتو الأسبوع المقبل.
إلى ذلك، عزا صادق خان محافظ لندن العمالي عدم توفر الإمكانيات الكافية لحفظ الأمن إلى تخفيض حكومة حزب المحافظين المخصصات المالية لذلك. يُشار إلى أن الرئيس الأميركي قد هاجم المحافظ أكثر من مرة محملاً إياه مسؤولية ترك لندن تتحول إلى مدينة خارجة عن القانون. وقال خان "أنت لا تستطيع أن تفصل الإرهاب والأمن عن التخفيض في الموارد المخصصة للشرطة، وللرقابة وإعادة التأهيل، والأدوات التي في حوزة القضاة".
غير أن براندون لويس وزير الدولة لشؤون الأمن، لم يرغب في أن يناقش ما إذا كان الهجوم قد جاء نتيجة لفشل السلطات. ورفض مرارا التعليق على تفاصيل ما حدث، لكنه قال إن من اللازم إجراء تقييم أكبر للعقوبات الصادرة ضد مجرمين عنيفين.
وأصرّ لويس على أن التكهن بالكيفية التي مكنّت خان من تسليح نفسه على الرغم من أنه خارج من السجن بشروط هو أمر " غير ملائم وخطير". وقال لـ "هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) "أظن أنه من الصحيح أن نعيد النظر في العقوبات القضائية.. كان رئيس الوزراء قد أكد هذه النقطة سابقا، وأعاد تأكيدها بشكل واضح جدا أمس. نريد التحرك بسرعة لأن أولويتنا هي سلامة الشعب في كل البلاد".
وتجدر الإشارة إلى أن خان أُطلق سراحه خلال تولي ساجد جافيد منصب وزارة الداخلية، وفق قواعد إفراج مشروطة، كانت قد وضِعتها تيريزا ماي حين كانت وزيرة الداخلية في حكومة محافظين سابقة.
وكان القاضي ويلكي قد حكم على خان في فبراير(شباط) 2012، بعقوبة "السجن لحماية الجمهور"، بما لا يقل عن ثماني سنوات. لكن محكمة الاستئناف ألغت في أبريل(نيسان) 2013 هذه العقوبة غير المحددة، واستبدلت بها عقوبة حبس لـ 16 سنة، مع تمديد فترة الإفراج المشروط إلى 5 سنوات.
وخلال مداولات محكمة الاستئناف بشأن العقوبة الصادرة ضد خان، قال القاضي ليفسون "ليس هناك من شك بأن أي محكوم بتهمة كهذه يمكن اعتباره، وبشكل مشروع، شخصاً خطيرا. هناك حجة لتبرير وجوب منح أي شخص محكوم بتهمة كهذه حوافز لإظهار أن الإفراج عنه سيكون آمنا؛ لذلك فإن قرارا كهذا يجب تركه لـ "مجلس الإفراج المشروط" للنظر فيه، في وقت قريب من التاريخ الذي يصبح فيه الإفراج ممكنا".
غير أن "مجلس الإفراج المشروط " أراد التأكيد أن ما حصل لا علاقة له بإطلاق سراح خان. وقال في بيان أصدره إنه "نظراً لخطورة هذا الهجوم، يمكن فهم سبب وجود شائعات حول إطلاق سراح المهاجم من السجن.. يستطيع "مجلس الإفراج المشروط" التأكيد أنه لم يكن طرفا في إطلاق هذا الفرد الذي تم تحديده كمنفذ للهجوم، الذي يبدو أنه أفرج عنه اوتوماتيكيا بشروط (مثلما يقتضي القانون به)، من دون العودة إلى المجلس".
هناك تقارير تقول إن أحد أسباب إطلاق خان هو موافقته على ارتداء سوارٍ حول كاحله. وفي كل الأحوال، كان خان قد قضى 408 أيام في السجن وهذا كان يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار عند التداول في تاريخ الإفراج عنه. فهو مؤهل لإطلاق السراح بعد قضائه نصف فترة عقوبته البالغة 16 سنة بعد احتساب فترة الحبس التي قضاها حين كان على ذمة التحقيق ضمن عقوبته الإجمالية.
أما فاجهات شريف، محامي خان، فزعم أن موكله أراد الالتحاق ببرنامج يهدف إلى مساعدته على التخلص من التطرف، حين كان في السجن، بعدما ادعى أن أمله خاب من التطرف الإسلامي. ونقلت صحيفة " ذا غارديان" عن شريف قوله إن المتطرفين ربما استهدفوا موكله "لإعادته إليهم" بعد الإفراج عنه.
في المقابل، قال روبرت أمرسون، المحلل الأمني، إنه سيكون هناك "الكثير من الالتباس في ذهن الجمهور حول القواعد التي يُطلق بموجبها سراح أولئك الذين أدينوا بجرائم إرهابية عنيفة. المطلوب من الحكومة هو الوضوح ووضع إجراء أكثر معيارية وشفافية للإفراج المبكر عن المدانين من السجن".
© The Independent