صور فوتوغرافية أو مشاهد قصيرة مجتزأة من أفلام سينمائية أو مسلسلات درامية، تجد طريقها للانتشار على صفحات التواصل الاجتماعي، يصاحبها حوار مُختلق أو تعليق ما. قد تأتي هذه المواد على هيئة صور متتابعة أو مشهد مختصر أو ربما صورة فوتوغرافية متحركة (GIF )، يؤلف بينها جميعاً الاختزال الساخر لفكرة ما أو رأيا... إنه "الميمز" هذه الظاهرة التي شاعت كأحد أشكال التعبير والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي. هي لغة جديدة تتشكل معالمها وتسد حاجة الناس للمعرفة السريعة والخاطفة، لغة جديدة تتخلق رموزها وقواعدها من تطلع الناس إلى التعبير والتواصل.
في ظل ثقافة بصرية متنامية تتموضع فيها الصورة مكان الصدارة يتقدم "الميمز" ليحتل مساحة لا بأس بها بين هذه الوسائط، حاملاً بعض سمات الكاريكاتور في سخريته اللاذعة واختزاله للفكرة، ويتقاطع حيناً مع فن القصص المصورة (كوميكس) في احتوائه أحياناً على تتابع سردي، لكنه يتخفف في الوقت نفسه من حتمية الإلمام بقواعد الرسم. يعتمد "الميمز" على صور ومشاهد جاهزة، يتم التلاعب في محتواها، أو تغيير بعض ملامحها أحياناً. ربما لا يحتاج الميمز إلى كلمات، إذ قد يعتمد في كثير من الأحيان على مقاطع الصور وحدها، وقد يكمن هنا سر انتشاره، فالصورة كما يقولون أبلغ من آلاف الكلمات، وهي دائماً ما تؤدي الغرض بأقل جهد وبلا تعقيد.
الطريف أن "الميمز" هو مصطلح يعود في الأصل إلى علم الأحياء، وكان عالم الأحياء البريطاني ريتشارد دوكنز هو أول من صاغه في سبعينيات القرن الماضي، ليشير به إلى الظواهر الثقافية المتوارثة أو الشائعة التي تعادل عنده الجينات الوراثية. فالميم يمثل الظاهرة التي تتمتع بانتشار واسع بين الناس من دون أسباب واضحة أحياناً. ربما تكون هنا نقطة الالتقاء بين تعريف "الميمز" حسب دوكنز، و"الميمز" البصري الذي شاع على مواقع التواصل الاجتماعي. لا يقتصر ضحايا "الميمز" على نجوم السينما وحدهم، بل تنتشر شباكه لتلتقط أي شىء يمكن أن يمثل مفردة مناسبة لهذه اللغة، الحيوانات والجمادات على حد سواء، لا يسلم من ذلك حتى الأشجار والأعمال الفنية الشهيرة، غير أن نجوم السينما والغناء كان لهم الحظ الأوفر من هذه المساهمات بحكم شهرتهم وانتشارهم.
هوليوود في القاهرة
مثل فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية حدثاً مروعاً لدى الكثير من الأميركيين. استقبل البعض هذا الأمر بالتعبير عن الصدمة وعدم التصديق, بينما قابله البعض الآخر بالسخرية. تنوعت أشكال السخرية بين البرامج التليفزيونية والرسوم الكاريكاتورية وكذلك التعليقات والصور على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. صفحة "تمت الترجمة" هي أحدى الصفحات التي تتبنى السخرية من طريق "الميمز"، والتي تلقى رواجاً كبيراً في مصر. دخلت الصفحة على خط السخرية هي الأخرى على طريقتها الخاصة، ليس من دونالد ترامب وحده ولكن أيضاً من ردود الفعل للعديد من نجوم هوليوود التي عبروا عنها عقب فوز ترامب.
وكان العديد من نجوم هوليوود قد أعلنوا من قبل اعتراضهم على ترشح ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن بعضهم أعلن صراحة أنه ينوي الهجرة من الولايات المتحدة في حال فوز دونالد ترامب بالرئاسة. التقط أصحاب الصفحة هذه التعليقات العنيفة والمتسرعة على الفور داعين هؤلاء النجوم للهجرة إلى مصر، باحثين في الوقت نفسه عن فرص عمل أخرى مناسبة لهم، واسماً مختلفاً يتماشيى مع هذه المهنة. وبدا مثيراً أن جميع المهن المقترحة قد قطعت أي صلة بهؤلاء النجوم مع مهنة التمثيل. تحول نجم أفلام الأكشن الشهير فان ديزل على سبيل المثال إلى بائع في محل عصائر وتغير اسمه إلى "فريد الديزل"، أما مورغان فريمان الذي تخفى تحت اسم محسن نعيما فقد ارتدى ملابس أهل الصعيد وبدا منهمكاً في عمله الجديد في صناعة المشغولات اليدوية، بينما استقر ميل غجيبسون داخل أحد الأفران كعامل في صناعة أرغفة الخبز البلدي تحت اسم مستعار وهو ميشيل محسن، أما جين كونري فقد أصبح فسخانياً (بائعاً للسمك المملح). في هذه الصور تحول روبرت دي نيرو إلى العمل في صناعة الأقفاص المخصصة لنقل الخضروات والفاكهة، أما جون ترافولتا فقد أصبح بائعاً متجولاً وغير اسمه إلى جون أبو بطة، حتى أل باتشينو صار يعمل بائعاً في مطعم للفول والطعمية في أحد الأحياء الشعبية، بعد أن بدل اسمه بالطبع ليكون أشرف فينو.
أما ويل سميث فقد تحول إلى صاحب عربة لنقل البضائع وعُرف باسم وائل جبس، وكذلك النجم سلفستر ستالون غير اسمه هو الآخر إلى سعيد السلاموني وعمل بائعاً متجولاً للبطاطا. وبعيداً عن هذا السياق لم يسلم نجوم آخرون من شباك "الميمز"، فقد وُظفوا أيضاً للتعبير عن أفكار وقناعات تحمل إسقاطات سياسية واجتماعية وثقافية لا تخصهم أو لا تتسق أحياناً مع ما يقدمونه من أدوار. لم ينج بطل فيلم الجوكر "خواكين فينيكس" من هذا التوظيف، فخلافاً لهذا الحضور الملموس للشخصية التي أداها في الفيلم في احتجاجات لبنان والعراق، كانت الشخصية حاضرة أيضاً في إبداعات "الميمز" العربية، إذ شوهد متجولاً في أحياء القاهرة يستمع إلى الناس في المقاهي أو في وسائل المواصلات، أو يرقص وحيداً في وسط الشارع. أما أكثر أبطال "الميمز" من نجوم السينما والدراما في مصر فيأتي على رأسهم الفنانان نجاح الموجي ومحمد سعد وأحمد مكي ومحمود الجندي وأحمد عبد العزيز.