لم تعد منطقة الدرعية التاريخية في العاصمة السعودية الرياض مجرد قطعة أثرية يرتادها الناس لالتقاط الصور التذكارية معها، بل وبفعل موسمها الذي انطلق بالتزامن مع موسم الرياض تحولت إلى أكثر المناطق صخباً في العاصمة.
إذ تحتضن المنطقة في موسمها الخاص كبرى النزالات العالمية أشهرها وأكثرها ترقباً هو "نزال الكثبان"، الذي قد يغير وجه رياضة الملاكمة إلى الأبد في حال أكد رويز فوزه على جوشوا في النزال التاريخي، وفشله في استعادة ألقاب الاتحاد الدولي للملاكمة وجمعية الملاكمة العالمية ومنظمة الملاكمة العالمية للوزن الثقيل، وهي الألقاب التي انتزعها منه رويز في النزال الذي جمع بين الإثنين في حلبة ماديسون سكوير غاردنز في نيويورك في يونيو (حزيران) الماضي.
وبالرغم من أهمية هذا النزال إلا أنه لم يكن الأول ضمن موسم الدرعية الذي يستمر شهراً كاملاً ولن يكون الأخير، فقد ابتدأت روزنامة الموسم الرياضية بسباق الـ "فورمولا إي" الذي أقيم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، و"كأس الدرعية للتنس" الذي سيقام بمشاركة ثمانية من أفضل لاعبي التنس الرجال على مستوى العالم، ومهرجان للفروسية "قفز الحواجز" بمشاركة نخبة من الفرسان الذين يتنافسون للتأهل إلى أولمبياد طوكيو 2020.
بالإضافة إلى العديد من المناسبات والفعاليات الفنية والترفيهية التي احتضنتها القرية التاريخية، فماذا تعرف عن تاريخ هذه المنطقة التي تستعيد اليوم مركزيتها التاريخية ؟
الدرعية والدروع
تأتي تسمية "الدرعية" نسبة إلى الدروع، وهي قبيلة استوطنت وادي حنيفة وحكمت منطقتي حجر والجزعة، ودعا أحد حكامها المعروف بـ "ابن درع" ابن عمه مانع بن ربيعة المريدي، للقدوم من بادية نجد إلى مرابع وادي حنيفة، وسكن القادمون فيها ويطلق عليها اسم الدرعية نسبة لـ"ابن درع"، ليؤرخ قدومهم بتأسيس الدرعية عام 1446م.
وفي عام 1744م تأسست الدولة السعودية الأولى انطلاقاً من هذه المنطقة التي شهدت لقاء الإمام والشيخ، لتتأسس عن طريقه نواة قيام دولة في وسط الصحراء عن طريق أحد أحفاد من استوطنها قبل ثلاثة عقود وهو الإمام محمد بن سعود، إلى أن سقطت في عام 1818م نتيجة للحملات التي أرسلتها الدولة العثمانية عن طريق واليها في مصر، كان آخرها حملة إبراهيم باشا التي تمكنت من هدم الدرعية وتدمير العديد من البلدان في مناطق الدولة السعودية الأولى في أنحاء الجزيرة العربية.
وعلى رغم الدمار والخراب الذي خلفته قوات محمد علي في وسط الجزيرة العربية وهدمها الدرعية، إلا أنها لم تتمكن من القضاء على مقومات الدولة في العاصمة الصحراوية، فلم يمض عامان على نهاية الدولة السعودية الأولى إلا وعادت إلى الظهور من جديد لإعادة تكوين الدولة السعودية الثانية، قبل أن تسقط مجدداً في 1819 م على يد محمد بن رشيد حاكم حائل عليها، قبل أن تعود مجدداً في 1902م حين تمكن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، المؤسس للدولة السعودية الثالثة من استرداد العاصمة والعودة بأسرته إليها ليبدأ بعدها رحلة التأسيس التي انتهت بقيام المملكة العربية السعودية ذات الحدود المعروفة حالياً.
أهم مقتنيات الدرعية
تحتوي المدينة العتيقة على عدد من المناطق والمباني التاريخية التي تمثل قيمتها التاريخية، فحي الطَرِيف على سبيل المثال الذي يعد من أبرز الأحياء التاريخية في الجزيرة العربية، حيث شهد أحداث تأسيس الدولة السعودية في عهدها الأول، ومنه أديرت الدولة وصدرت منه قرارات تحركات معارك التوحيد، ويقع على رأس الجبل الجنوبي الغربي من البلدة، ويطل على كل أنحائها وأحيائها لارتفاعه، ونشأ مع حلول أواخر القرن الحادي عشر الهجري، ويحتوي الحي على قصر "سلوى" أكبر قصور وسط الجزيرة العربية عامة في عصره، وهو يضم بوحداته العشر مقر الأسرة الحاكمة التي تمثل قصور ومجالس ودواوين أئمة الدولة السعودية الأولى، الذين لم يغادروه على مدى أربعة عقود إلا بعد تدمير الدرعية كاملة وحرقها على أيدي حملة إبراهيم باشا في 1818م.
ويضم أيضاً المباني الحكومية للدولة مثل (بيت المال) الذي يمثل وزارة المالية آنذاك بما في ذلك صرف الرواتب وجباية الزكاة، وكذلك الجامع الكبير(مسجد محمد بن سعود) الذي كان منارة تعليمية للعلوم الشرعية، وكذلك نُزل موضي وهو رباط بني لطلاب العلم وعابري السبيل من التجار والحجاج، كما شمل الحي داراً للضيافة يستقبل الزوار الرسميين للدولة من رؤساء الحكم ورجال السياسة وعلية القوم.
ويحتوي على عدد من المتاحف مثل متحف الحياة الاجتماعية، ومتحف قصر سلوى، ومتحف بيت المال، ومتحف الزراعة، ومتحف بيت العرضة السعودية، والمتحف الحربي التي ستقدم.
صيحة "العوجا"
عُرفت عبارة أهل العوجاء أو "هل العوجا" كما تسمى في الثقافة المحلية كصيحة حرب استخدمها أهل المدينة القديمة، وهي كأي صيحة مرتبطة بمعنى ودلالة، فتعود مكانيًّا للدرعية وإنشاء الدولة السعودية، إلا أنها وعلى صعيد سبب التسمية فقد طال الموضوع خلافاً كبيراً.
الخلاف الذي جمعه الباحث فهد السماري في أحد مؤلفاته تضمن الآراء المثارة عن هذا المصطلح، مشيرًا إلى أن هناك عددًا من التفسيرات التي تناولت معنى "العوجا" في محاولة لتفسيرها، إلا أن التفسير الأقرب وفقاً للسماري عائد للدرعية عاصمة الدولة السعودية، فطبيعة الدرعية كمدينة على ضفاف وادي حنيفة المتعرج جعلها مصدر اعتزاز وقوة لأهاليها والتابعين لها.
ويعود نسب مؤسس النواة الأولى للسعودية على يد الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى إلى بني حنيفة الذين أسسوا دولتهم الأولى منذ ماقبل الإسلام في وادي العرض المعروف بوادي حنيفة نسبة إلى حنيفة بن لجيم هو مقر قبيلة بني حنيفة بن لُجيم بن صَعب بن علي بن بَكر بن وائل، وعرف بها منذ العصر الجاهلي حتى سُمي وادي اليمامة بوادي حنيفة.