فتحت الاعتقالات التي مست شباباً وسياسيين وناشطين منذ انطلاق الحراك الشعبي في الجزائر، ملف الحريات في ذلك البلد على مصراعيه، بعد تمسك السلطات بالتهم الموجهة إلى المعتقلين والتي تتراوح بين "الإخلال بالنظام العام والتآمر على الدولة والشعب ومحاولة المساس بالراية الوطنية"، مقابل إعلانها دوماً عدم وجود معتقلين سياسيين أو سجناء رأي في البلاد، في ظل إعلام "صامت" لم يتمكن من التحرر باغتنام فرصة الحراك الذي أسقط نظام بوتفليقة.
ناشطون تجاوزوا حرية التعبير
وتُعتبر الجزائر إلى وقت قريب، من الدول القليلة التي لا يُسجن فيها الصحافيون والسياسيون، وفي حال حدث ذلك يكون لفترة وجيزة وبتبريرات عدة، غير أنه منذ 22 فبراير (شباط) الماضي وبداية الحراك الشعبي الذي زعزع نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة وأسقطه ورمى به خلف قضبان سجنَي "الحراش" و"البليدة"، ارتفعت الأصوات التي تدعو إلى احترام الحريات سواء من المنظمات والأحزاب والحقوقيين في الداخل أو الخارج، ما أربك السلطات التي تعاملت بليونة تارةً و بصرامة تارةً أخرى، في "تكتيك" بين تخفيف الضغط والضرب بيد من حديد.
ووضعت اعتقالات ومحاكمات "سجناء الحراك"، السلطات في مأزق، بعدما اختلط عليها الأمر أمام الخارج الذي يلوّح بورقة الحريات من أجل التدخل في الشؤون الداخلية. وبين سجناء الرأي أو سجناء سياسيين أو سجناء مغرر بهم يبحث النظام المؤقت عن تبرير، حيث يرى الحقوقي سليمان لعلالي أنه "لا يوجد في الجزائر سجناء رأي أو سجناء سياسيين، بل ناشطين تجاوزوا حرية التعبير، مثل الناشط السياسي المعتقل كريم طابو الذي طالب أفراد الجيش بالتمرد على قيادة الأركان وهذا أمر خطير، وتَعَدٍ صارخ على الحريات والأعراف والقوانين داخل التشريع الجزائري، بالإضافة إلى الإعلامي المعتقل فضيل بومالة، الذي دعا الاتحاد الأوروبي إلى التدخل في الشأن الداخلي، وهو ما يعاقب عليه القانون الجزائري". وخلص إلى أنه "في الجزائر لا يوجد سجين رأي بمفهومه الواسع".
لا سجناء رأي ولا سجناء سياسيين
من جهته، يعتبر الإعلامي أيوب أمزيان أن "لا يوجد سجناء رأي أو سجناء سياسيين، سواء كانوا صحافيين أو من رجال السياسة". وقال إن كل مَن أودِع الحبس هم أشخاص ملاحقون بتهم جزائية وجنح وبمواد قانونية محددة ومعلومة سلفاً، وتابع أن مَن اعتقلوا في الحراك يواجهون تهم متعلقة بالتعدي على الغير وإهانة هيئة نظامية وأخرى متعلقة بالسرقة، مبرزاً أن التحقيقات مع المعتقلين كريم طابو وسمير بلعربي، كشفت أنهم كانوا يخططون لإثارة الفوضى بالتخابر مع جهات معادية وبعض الجنرالات المتقاعدين الذين ينتمون إلى النظام السابق. واعتبر أن "كريم طابو دعا علناً ضباط الجيش إلى التمرد على قائد الأركان وهذا أمر خطير، ضف إلى ذلك الناشط رشيد نكاز الذي اعتُقل الأربعاء، بعدما دعا علناً في مقطع فيديو، إلى حمل السلاح واغتيال نواب في البرلمان. وهذا تحريض مباشر على القتل يعاقب عليه القانون، لذا فلا يمكن القول إن هناك سجناء رأي أو سجناء سياسيين".
الغرب يلوّح بورقة الحريات
في المقابل، يرى البرلمان الأوروبي والهيئات الحقوقية الدولية وجهات غربية منذ بدء الحراك الشعبي، أن "الحريات في الجزائر باتت تُنتهك بشكل صارخ ومقلق"، وأدانت الهيئة النيابية الأوروبية "الاعتقالات التعسفية وغير القانونية بحق عدد من المتظاهرين والصحافيين والطلاب والناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين شاركوا في الحراك"، ودعت السلطات إلى "السماح بالتظاهر السلمي، وإطلاق سراح كل المعتقلين على خلفية ممارسة حقهم في حرية التعبير".
سجناء الرأي بنوعين؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في السياق ذاته، يرى أستاذ العلوم السياسية رابح لونيسي أنه "يوجد في الجزائر سجناء رأي منذ التسعينيات الى اليوم، وهؤلاء نوعان: مجموعة اعتُقلت في بدايات التسعينيات ليس لأنهم إرهابيين بل بسبب آراءهم وعضويتهم في حزب الجبهة الاسلامية للإنقاذ المنحل، وغرابة الأمر ان السلطة تفاوضت مع الإرهابيين تحت غطاء المصالحة الوطنية في الوقت الذي أهملت السياسيين، أما اليوم فأغلب إن لم أقل جُل معتقلي الحراك هم سجناء رأي وسجناء سياسيين، أُخذوا إلى السجن بسبب مشاركتهم في التظاهرات أو رفعهم الراية الأمازيغية على الرغم من عدم وجود أي نص قانوني يعاقب ذلك".
ويصنف لونيسي، الشخصية التاريخية الجزائرية لخضر بورقعة والجنرالين المتقاعدين بن حديد ولغديري، المسجونين، ضمن فئة "سجناء رأي"، لأنهم اعتُقلوا بسبب تصريحات ومقالات لهم في احدى الجرائد الجزائرية.
الاعلام يفشل في التحرر
يتساءل المراقبون للوضع في الجزائر باستغراب حول أسباب فشل الإعلام في التحرر واغتنام فرصة تحرك الشارع من أجل كسر القيود والعودة الى المهنية والاحترافية وخدمة المواطن، في حين شهدت مختلف القطاعات تحولات ونجاحات على كل المستويات. ويجيب الاعلامي ايوب أمزيان إن "الأمر يتعدى الإرادة في التحرر، لأن أغلب القنوات والجرائد بقيت رهينة الاشهار والاعلانات التي تمنحها السلطة مقابل خدمتها، لذلك فإن وسائل الإعلام تواجه ضغوطات وقيود تمنعها من التحرر"، مضيفاً أن "تحرر الإعلام مسألة قناعات، ومرهون بالبحث عن مصادر تمويل أخرى، والابتعاد عن التوجهات التي تخدم جهات معينة على حساب خدمة الشعب أو الإعلام النزيه".
في المقابل، يرى المحلل السياسي رابح لونيسي، أن "الإعلام شهد تراجعاً كبيراً مقارنة بعهد بوتفليقة، حيث أصبح اليوم الصوت واحد والراي واحد". وتساءل "هل يمكن أن تكون وسائل الاعلام إلى جانب الشعب ويتحكم بمعظمها رجال مال فاسدين؟"، منتقداً صراع الصحافيين فيما بينهم بدل التكتل في تنظيم نقابي قوي يدافع عن حرياتهم، ويواجه المال "المتغول" الذي يتحكم بهم.