تعود عمارة الخانات في دمشق إلى عصور إسلامية قديمة، إلا أنها أخذت موقعاً مهماً بدءاً من القرن السابع عشر، حين كانت دمشق طريقاً للقوافل التجارية، فأصبحت الخانات مركزاً للنشاط التجاري والحياة العامة، وشاهداً على الازدهار الاقتصادي وحركة تبادل البضائع بين المدن والدول الإسلامية، فضلاً عن كونها مكاناً آمناً لمبيت الزوار والمسافرين من كل صوب.
شهدت الخانات تطورات عدة في عمارتها التي تحولت إلى ما هو يشبه السوق المغلقة المؤلفة من طابقين، الأول للمخازن والمحال، والثاني لغرف مبيت الزوار، وأطلق عليها تسميات منها "القيسارية" و"الوكالة" وأحياناً الفندق، ثم غلب عليها اسم الخان.
يوجد في سوريا 60 خاناً، في حلب ودمشق التي تطرح اسم خان أسعد باشا واحداً من أهم خانات الباقية في الشرق وأكبرها.
تغلغل
يحتل خان أسعد باشا قلب المدينة القديمة متغلغلاً في نسيجها التجاري الغني بالأسواق والخانات، ومتوسطاً سوقاً من أهم الأسواق الشعبية في دمشق، أي "سوق البزورية". ومن سطحه يشرف على مبان ومعالم أثرية، كالجامع الأموي وقصر العظم وحمام النوري وأسواق دمشق الشهيرة.
يتميز بناؤه باستخدام الحجر "الأبلق" الذي يتناوب فيه لون الجدران الحجرية بين الداكن والفاتح، فتتناوب صف مداميك سوداء من الحجر البازلتي يعلوها صف آخر من الحجر الكلسي الضارب للصفرة، بحيث يعطي هذا الاختلاف اللوني للمداميك المتناوبة ميزة جمالية وديمومة أيضاً، ويعد هذا الأسلوب المعماري سمة من خصائص العمارة الإسلامية ويعتقد أن مصدرها سوريا.
وتشبه عمارة الخان إلى فن العمارة الإيطالية في عصر النهضة، بدءاً من استخدام الأنظمة المعمارية المختلفة، والاهتمام بدراسة واجهات المبنى، إلى تبني نظام القبب مع استخدام عناصر جمالية لتغطية الوحدات المربعة الشكل، علاوة على معاملة شبابيكها كعنصر أساسي لإضاءة الفراغ الداخلي ووجه من أوجه الجمال الخارجي.
الوصف الخارجي
مدخل الخان في الواجهة الغربية التي تُشبه إلى حد كبير واجهات المباني الأثرية التي تعود إلى العهد المملوكي والأيوبي في دمشق. وتنتشر على طولها دكاكين ومخازن تجارية، في وسطها بوابة ضخمة من حجر الجوز المصفح بألواح معدنية على شكل خلايا نحل تتوسطها نجوم صغيرة تغطي المسامير التي تثبت الصفائح. وقد زُينت واجهة الباب ببذخ بمنحوتات حجرية وزخارف هندسية تحتوي إحداها على نقش يدل على تاريخ تشييد البناء، يعلوها عقد مدائني مشكل من صفوف من المقرنصات التي ترجع للعصر الإسلامي الأيوبي، وتنتهي بصدفة إشعاعية على شكل نص قبة.
يتقدم البوابة أيوان على جانبيه مصطبتان صغيرتان وسبيلان للمياه، ويلفه عقد من ثلاثة أقواس مركبة محمولة على ثلاث سويرات رفيعة تعود زخارفها المعمارية إلى العصر اليوناني.
الوصف الداخلي
يلي الباب الخارجي دهليز يميزه الاهتمام الواضح بسقفه من خلال اختيار عناصر هندسية وزخرفية متنوعة، حيث يقسم الى قسمين مزينين بزخارف ذات أشكال هندسية تعود إلى الحضارة العربية الإسلامية، وشكل تمثيلي هندسي لزهرة اللوتس في المنتصف، ونجد على يمين ويسار الدهليز درج يصل إل الطابق الثاني الذي يحيط به رواق مسقوف بالقباب، يطل بقناطره الحجرية على باحة الخان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
باحة الخان عبارة عن فناء مربع يحيط به متاجر زخرفت أبوابها بالأرابيسك، تحتل مركزه بركة رخامية مثمنة، تعلوها قبة مركزية يحيط بها ثماني قباب مصممة بتقنية العقود المتقاطعة وبطريقة الانتقال من الشكل المربع إلى الشكل الدائري، وهي تعد من أكثر السمات جذباً للانتباه في الخان.
القباب
يرقى الخان بتخطيطه المنظم للمقارنة العالمية نظراً للتقنية العالية التي استخدمت في بنائه، ولقبابه الحصة الأكبر في هذه المقارنة نظراً لأوجه الشبه بينها وبين "قبة مايكل أنجلو" في كاتدرائية القديس بطرس في روما التي تصنف كأعلى وأكبر قبة في العالم.
تنقسم مساحة الفناء إلى تسع وحدات مربعة متساوية الحجم، تتغطى كل وحدة بقبة يبلغ قطر كل منها 8 أمتار، موزعة على ثلاثة صفوف، تتوسط القبة المركزية (السماوية) فتحة دائرية تتيح للضوء أن يتدفق إلى الفناء، وهي محمولة على قاعدة من أربعة أعمدة مركزية ، بينما تتكون كل قبة من القبب الثمانية المحيطة من قاعدة مربعة تحتوي على أربعة عقود يصل بينها أربعة مثلثات كروية، يليها رقبة القبة المكونة من 16 ضلعاً، في كل ضلع نافذة مستطيلة، ثم تنتهي بطاسة من الآجر.
تحتوي الطاسة في القباب الأربع الركنية (في الزوايا الأربع) على رقبة ثانية صغيرة تحيط بها نوافذ، وتنتهي بقلنسوة هرمية، بينما تزين الطاسة في القباب الأربع الداخلية بالزخارف الجصية.