لعل الانتخابات العامة المُقرر إجراؤها في الـ12 من ديسمبر (كانون الأول) هي الأكثر أهميَّة منذ الحرب العالميَّة الثانيَّة. إنها ستحدد طبيعة المملكة المتحدة لعقود مقبلة عدة، لأنها تمثل آخر فرصة للإنسانيَّة لتفادي انهيار مناخي.
قد يبدو القول إن للمملكة المتحدة دوراً مهماً كهذا غير معقولٍ أو واهمٍ، فهي لا تُسهم إلا قليلاً في الانبعاثات على مستوى العالم، ولا تُقارَن أبداً بالعمالقة أمثال الولايات المتحدة أو الصين أو الهند.
لكن، العالم في حاجة ماسّة إلى القيادة، ويمكن للمملكة المتحدة أن تلعب هذا الدور القيادي، بيد أن هذا لا يعني العودة إلى الإمبراطوريَّة البريطانيَّة، إنما تبني المملكة المتحدة نوعاً من الأمميَّة المطلوبة للسيطرة على ما نفرزه من انبعاثات غازات الدفيئة، إنه يعني ترجمة الأقوال إلى أفعال، وإبراز ما يمكن أن تحققه ديموقراطيَّة تعمل بشكل جيد من حيث الحدّ من آثارها على المناخ.
يوضح المقعد الفارغ في النقاش الأول من نوعه حول تغير المناخ في الانتخابات العامة البريطانيَّة فعلياً أنه لا يمكن الوثوق بأن حزب المحافظين سينّفذ وعوده. أودّ التخمين أن جونسون لا يريد مناقشة تغير المناخ لسببين. أولاً، لأن ذلك سيصرف التركيز عن (بريكست)، وثانياً، لأنه يخشى أن يُسأل عن السجل البائس للمملكة المتحدة في إزالة الكربون.
قد تكون هذه "الانتخابات العامة الأكثر اخضراراً على الإطلاق"، خصوصاً أن الأحزاب السياسيَّة الرئيسيَّة كافة تُفرد اهتماماً أكبر بكثيرٍ بالقضايا البيئيَّة، لكن سيكون على الحكومة البريطانيَّة المقبلة اتخاذ خطوات نوعيَّة.
يبدو أن حزب العمال بدأ يتقبّل مدى جذريَّة هذا العمل، وأطلق أواخر الأسبوع الماضي خطته للطبيعة، وهي بمثابة بيان بيئي، وتضمن هذا البيان بعض المقترحات الجريئة مثل زراعة ملياري شجرة في البلاد، الكثير منها بالحدائق الوطنيَّة العشر الجديدة التي سيقيمها الحزب في حال فوزه.
ورغم تراجعه عن الالتزام بجعل المملكة المتحدة خاليَّة من الكربون بحلول عام 2030، فإنه يقر بأنها بحاجة إلى التحرّك بشكل أسرع على هذا الصعيد، ويكتسب هذا الإعلان أهميَّة لأن كل الدول الأخرى تقريباً تنظر إلى بعضها بعضاً قبل تقديم التزامات جادة حول المناخ في الوقت الحالي.
وبدلاً من الاستجابة إلى الأدلة الواضحة التي تؤكد حاجتنا العاجلة للرد على أزمة المناخ، ضاعفت البشريَّة استخدامها الوقود الأحفوري، ففي الأعوام الـعشرين الأخيرة ضخت حضارتُنا العالميَّة كميات من الكربون في الجو أكثر مما فعلت بالأعوام الـ200 السابقة.
وفي عام 2018 كانت الانبعاثات هي الأعلى منذ أكثر من سبع سنوات، وسيتعين علينا العودة 4 ملايين سنة إلى الخلف، لنرى مناخاً يتميز بكثيرٍ من الكربون في الجو كما هو اليوم.
قبل عشر سنوات، قيّمت مجموعة من العلماء الدوليين سلسلة من نقاط التحوّل المحتملة في مناخ الأرض، وإذ درسوا فقدان الصفائح الجليديَّة في غرينلاند والقطب الجنوبي، وانهيار الشّعاب المرجانيَّة وغابات الأمازون المطيرة، فهم قيّموا احتمالات فشل هذه الأنظمة بشكل مفاجئ بسبب الارتفاع المستمر لحرارة الأرض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نشر هؤلاء العلماء هذا الأسبوع مقالاً يعكس التقدّم الذي تحقق خلال العقد الماضي، وخلُصوا إلى أننا ربما لسنا فقط على وشك رؤيَّة مزيد من نقاط التحوّل هذه، إنما قد تجاوزنا بالفعل نقطة اللا عودة، وأخذنا نفقد بسرعة أي قدرة على السيطرة على المناخ.
غير أنهم بدلاً من الإحساس بيأسٍ عارمٍ، أوضحوا أيضاً أن مدى سرعة تغير نظام الأرض سيكون بالغ الأهميَّة، فإذا تباطأ ذوبان الصفيحة الجليديَّة الغربيَّة في القطب الجنوبي، فقد يكون أمامنا نحن والكائنات الأخرى عدة قرون للتأقلم مع الأوضاع الجديدة.
لكن سخونة الأرض المستمرة يمكن أن تعجّل من عمليَّة الذوبان هذه، وتؤدي إلى تفكك الصفيحة الجليديَّة بشكل أسرع، والأسوأ من ذلك هو أن نقاط التحوّل ربما تتفاعل مع بعضها بعضاً بحيث يؤدي انهيار إحداها إلى تسارع التحوّل في نقطة أخرى، هذا يعني أنه عندما يتعلق الأمر بتفادي انهيار مناخي، فإننا لا نزال نُمسك بكل أوراق اللعبة، لكن يجب أن نتحرّك الآن.
إن الانتظار عاماً آخر ناهيك بعقد من الزمان، سينطوي على المجازفة بالحكم على أطفالنا والأجيال المقبلة بالعيش في عالم مضطرب لم تشهده الحضارة الإنسانيَّة كلها من قبل، وفي الواقع، إن استمرار الحضارة الإنسانيَّة نفسها سيكون موضع شك.
ستحدّد طريقة تصويتك في الانتخابات العامة ما إذا كنّا سنغرق يوم الجمعة الـ13 من ديسمبر (كانون الأول) في كابوس من العُزلة المتزايدة والرأسماليَّة الأصوليَّة والفشل في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنُّب الكوارث، كما ستقرر طريقة الاقتراع ما إذا كنّا سنرى حكومة جديدة يمكنها أن تبدأ في إجراء نوعٍ من التغيير الجذري الذي سيساعد على تحسين فرص ازدهار البشريَّة بعيداً في المستقبل، لذلك فإن الخيار لنا وهو رهن إرادتنا.
جايمس دايك مساعد مدير معهد النظم العالميَّة بجامعة إكسيتر
© The Independent