عند الساعة الرابعة فجراً يلقي الطبيب البيطري راكان السلعوس (30 سنة) بجسده المنهك على أريكة منزله، ليغط في نوم عميق، إذ أمضى 7 ساعات وأكثر في غرفة العمليات وهو يحاول إنقاذ مهر صغير أصيب بجروح بالغة وخطيرة في كافة أنحاء جسده، بعدما علق بسياج أمني من النوع الثقيل عند حدود مستوطنة إسرائيلية قريبة من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية. السلعوس الذي يشرف على الملجأ الآمن للحمير في الضفة الغربية، يحاول مع مجموعة من زملائه الأطباء الاهتمام بالحمير والبغال والخيول وإعطاءها العلاج اللازم، وتأمين حياة كريمة لها مجاناً كنوع من الرفق بالحيوانات.
الملجأ الآمن للحمير في مدينة نابلس أو كما يُعرف شعبياً بـ "مستشفى الحمير" افتُتح عام 2000 على يد سائحة بريطانية تدعى لوسي فينسوم، لاحظت خلال رحلتها إلى فلسطين حماراً مهملاً ومصاباً، فأصدرت له جواز سفر واصطحبته إلى بريطانيا لتلقي العلاج، ومن هناك نبعت فكرة إنشاء ملجأ للحمير في فلسطين يقدم الرعاية والعلاج للخيول العاملة (حمار، وحصان، وبغل). وصرح الطبيب البيطري راكان السلعوس لـ اندبندنت عربية"، أنه "منذ عام 2000 والملجأ يقدم كل ما يلزم من أجل رعاية واحتضان الخيول العاملة، هو الأول من نوعه في فلسطين الذي يهتم بهذه الحيوانات مجاناً، إذ يحرص على تقديم العلاج الميداني للحيوانات المصابة بأمراضها وجروح وكسور ناجمة عن حوادث عرضية، أو بفعل سوء المعاملة البشرية وتوفير المبيت لها حتى تشفى بالكامل. منها ما يعود إلى أصحابها، ومنها ما يتم تبنيه مدى الحياة من قبل الملجأ الآمن، حيث يُجهز لكل حيوان ملف طبي، وبرنامج تطعيم، وحتى اليوم هناك 44 حيواناً بين حمير وخيول يعيشون داخل الملجأ منذ سنوات".
عيادة متنقلة للحيوانات
وتابع السلعوس "منذ سنوات عدة قرر مجلس إدارة الملجأ ومقره في بريطانيا إنشاء عيادة بيطرية متنقلة خاصة بالحمير والخيول والبغال، تسير بين المدن والقرى الفلسطينية وفق برامج معينة، لتقديم العون والعلاج والمساعدة للمزارعين الفلسطينيين الذين يستخدمون تلك الحيوانات في أعمالهم، ولا يقتصر الأمر على فحص الأسنان أو الحوافر أو العيون والصحة بشكل عام، بل توسعنا لتقديم برنامج توعوي تثقيفي متكامل للمزارعين، نعلمهم فيه كيفية التعامل مع الحمير واحترامها والمحافظة على صحتها. ونهدي كل مزارع نوفر لحيوانه تلك الخدمات الطبية والرعاية المجانية، كُتيباً يضم أبرز وأهم العلاجات، ونصائح للتعامل مع حيواناتهم بإنسانية، فهناك حالات كثيرة وصلت إلى المستشفى تعكس مدى جهل المجتمع المحلي في التعامل مع الحمير والخيول، وعدم معالجتها في حال الإصابة بجروح أو مرض، بسبب ارتفاع تكاليف العلاج عند الأطباء البيطريين في عياداتهم الخاصة، وأحياناً بسبب عدم الاكتراث، والنصيب الأكبر من الحيوانات التي يتم استقبالها إصاباتها ناجمة عن الضرب المبرح لتلك الحيوانات، لإجبارها على السير أو العمل، أو بسبب الاستخدام الخاطئ للأدوات، كاللجام والرسن والحبال".
الملجأ الآمن للحمير، يسعى إلى توفير ثقافة جديدة للرفق بالحيوانات يضم إسطبلاً نظيفاً مرتباً، مقسماً إلى 7 خانات تتسع كل واحدة منه لحيوان واحد أو أكثر عند الضرورة، وفيه عيادة صحية تشمل أدوية ومراهم مختلفة وحقناً وأدوات أخرى كجهاز لبرد أسنان الحمير والخيول، وأخرى لبرد حوافرها، وغرفة عمليات، إضافة إلى كتيبات إرشادية لتعليم أصول التعاون مع الحيوان والرفق بها.
ملجأ ترفيهي للقطط
وكما للحمير والخيول والبغال، هناك ملاجئ في الضفة الغربية للكلاب والقطط، فالشابة هبة الجنيدي (25 سنة) تأوي في حديقة منزلها في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية 140 قطة توفر لها المأكل والمشرب والعلاج والترفيه.
وروت هبة الجنيدي لـ "اندبندنت عربية" قصتها قائلةً، "بدأت الفكرة عام 2007 عندما تبنيت قطة مشردة من الشارع واهتممت بها وعالجتها حتى أنجبت مجموعةً من القطط، ومن هناك تشكلت فكرة الملجأ، حيث وفرت لها حديقة المنزل في عام 2017 وجهزتها بالمقتنيات الخاصة لحمايتها، والهدف الأساسي من جمع القطط في ملجأ هو حمايتها من التسميم بالمقام الأول، وهذا الشيء سببه إتباع أسلوب تسميم الكلاب والقطط عند البلديات والمواطنين أنفسهم، هذه الطريقة جداً همجية وتسبب عذاباً أليماً للحيوان، وللأسف لم يوضع حد لهذه الطريقة بعد، ولذلك أنا أحاول قدر الإمكان أن أحمي القطط من هذه المعاناة من خلال وضعها في ملجأ آمن ومريح قدر الإمكان، إضافة إلى مساعدة وإنقاذ قطط الشارع المريضة وحمايتها من أخطار الشارع". وأضافت الجنيدي أن "عدد القطط في بداية تأسيس الملجأ كان 35 تقريباً، بعدها زاد بحسب الحالات اللي أنقذها وأتبناها. وابتداءً من شهر مارس (آذار) زاد العدد بشكل كبير بعد شهرة الملجأ، ليصل إلى 140 قطة تقريباً. الناس باتت تعرف بوجود الملجأ وتخبرنا عن القطط المريضة، أو التي تحتاج إلى مساعدة، علماً أن الملجأ مخصص لاستقبال قطط الشارع فقط، وليس مخصص لاستقبال القطط المنزلية التي يرغب أصحابها بالتخلي عنها للأسف، وأحلم من خلال هذا الملجأ أن أغيّر فكرة المجتمع المحلي للحيوانات الضالة كالقطط والكلاب والرفق بها وعدم تعذيبها فقط لأنها مشردة ومن دون مأوى. لا يزال المجتمع الفلسطيني يستهجن فكرة ملاجئ للحيوانات".
وتأمل الجنيدي أن تفتح يوماً ما عيادةً بيطرية لمساعدة القطط، وتؤسس مأوىً يتضمن قسماً للكلاب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مأوى للكلاب
ليس ببعيد عن ملجأ القطط الخاص بالجنيدي، تكرس الفلسطينية ديانا بعبيش (42 سنة) حياتها للعناية بالكلاب الضالة والمشردة والمصابة، فمنذ عام 2014 أسست بجهد شخصي "جمعية الحيوان والبيئة" في بلدة بيت ساحور جنوب الضفة الغربية، حيث تؤهّل الكلاب، وتعرضها بعد ذلك للتبني، واعتنت جمعيتها حتى الآن بـأكثر من 200 جرو و130 كلباً كبيراً. وقالت بعبيش لـ "اندبندنت عربية"، "أنا لست طبيبة بيطرية ولا علاقة لي بالطب، لكنني ومن منطلق الرفق بالحيوانات وعشقي للكلاب تعلّمت حقنها وإعطائها الإسعافات الأولية بالخبرة والتجربة، ومع ذلك هناك أطباء بيطريون يعملون في الجمعية يعالجون الكلاب في حال الإصابة البليغة والمرض، فهناك آلاف الكلاب الضالة في مدينة بيت لحم وغيرها من مدن الضفة، التي تتعرض للتعذيب والقتل بسبب سوء فهم المجتمع المحلي لمفهوم الرفق بالحيوان، والتحدي الكبير بالنسبة لي هو أن يتقبّل الناس وجود هذه الحيوانات بيننا".
وتطمح بعبيش كغيرها من الناشطين والمدافعين عن حقوق الحيوان في الضفة الغربية لتأمين الاكتفاء الذاتي في العناية بالحيوانات، من خلال الحصول على أرض لبناء ملجأ كبير وعيادة محلية بكامل معداتها، للحد من نقل الحيوانات إلى المستشفيات الإسرائيلية.