على بعد 36 ساعة من موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية لتأليف الحكومة اللبنانية، وغداة إعلان دار الفتوى الإسلامية ترشيح رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري لترؤس الحكومة العتيدة، وفي غياب بروز أي ترشيح جديد، خرق رئيس "التيار الوطني الحر" جمود المشهد السياسي بتحرك قاده إلى عين التينة، مقر الرئاسة الثانية.
والتقى باسيل رئيس المجلس النيابي نبيه بري مبلغاً إياه قرار تياره عدم المشاركة في الحكومة العتيدة، كما توجه صوب الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث تردد أنه عقد لقاء مع المسؤول الأمني في حزب الله وفيق صفا (من دون أن تتأكد صحة هذه المعلومات أو نفيها)، ليخرج مساء، وبعد اجتماع لتكتل "لبنان القوي" الذي يترأسه، ليعلن عدم اهتمامه بالمشاركة في الحكومة وفق الشروط التي وضعها الحريري على قاعدة معادلة "أنا أو لا أحد"، أو في ظل إصرار ثنائي "أمل" –"حزب الله" على حكومة تكنوسياسية برئاسة الحريري"، لأن "مصيرها الفشل"، معرباً عن أن الحل يكون بحكومة إنقاذ، أي تكنوقراط برئيسها وأعضائها، تضم أخصائيين من الأكفياء، تحفظ المقاومة.
كلام باسيل
وبرز في كلام باسيل تمسكه وإصراره على الميثاقية في الحكومة، من خلال تعبيره بـ"أننا لن نسمح بضرب الميثاقية والتمثيل الفعلي". ولفت إلى أن عدم مشاركته لا تعني "أننا لن نقوم بممانعة بناءة للسياسات المالية والاقتصادية القائمة".
ولم يفاجئ موقف باسيل الوسط السياسي المحلي، خصوصاً أنه كان بدأ الإعداد له منذ أيام، وتحديداً منذ أن سقط ترشيح سمير الخطيب تحت الضربة القاضية لدار الفتوى، ما أدى إلى تأجيل الاستشارات النيابية.
وقرأت مصادر سياسية مطلعة في مواقف باسيل رسائل ومعطيات عدة، من شأنها أن تبلور أفق المرحلة المقبلة للبنان سياسياً واقتصادياً ومالياً.
فكل المعطيات الواردة من أوساط الثنائي الشيعي، كانت تؤشر إلى تمسكه بالحريري لحسابات تتصل بالحماية التي يؤمنها على المستوى العربي والدولي، خصوصاً أن الحزب الذي لمس، منذ انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تراجع شعبية باسيل وتياره في الشارع، ما يدفعه إلى عدم خسارة الغطاء السني، بعدما فقد الغطاء المسيحي الذي أمنه له رئيس الجمهورية ميشال عون منذ تفاهم مار مخايل عام 2006.
تجاوز الطائفة السنية
ويعي الحزب تماماً ما يرتبه تجاوز قرار الطائفة السنية في اختيار من يمثلها لرئاسة الحكومة، فلم يمض نحو خيار حكومة لون واحد برئاسة سني يستفز الطائفة، مع ما يرتبه هكذا خيار من عزل للبنان على المستوى العربي والدولي.
يأتي كلام باسيل غداة انعقاد مؤتمر مجموعة الدعم الدولية الذي دعت إليه فرنسا واستضافته باريس أول من أمس. وكان واضحاً من مستوى التمثيل الرسمي فيه الذي لم يرق إلى وزير، بما فُهم أنه استبعاد لمشاركة باسيل بصفته وزير خارجية في حكومة تصريف الأعمال، علماً أن الدعوة الفرنسية جاءت من وزير الخارجية جان إيف لودريان، وقد ترأس الوفد الرسمي اللبناني الأمين العام لوزارة الخارجية السفير هاني شميطللي.
وبدا واضحاً للمراقبين أن البيان الرسمي حرص على توجيه رسائل شديدة اللهجة إلى السلطات اللبنانية حيال التحذير من تفكك اقتصادي يتعرض له لبنان، والحاجة الملحة إلى حكومة من الأخصائيين الأكفاء القادرين على مواجهة الأزمة.
فيما لفتت أمس مبادرة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري إلى الاتصال بكل من رئيس البنك الدولي دايفيد مالباس والمديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستينا جيورجيفا، حيث عرض معهما المصاعب الاقتصادية والنقدية التي يواجهها البلد، مؤكداً التزامه إعداد خطة إنقاذية عاجلة لمعالجة الأزمة، بانتظار تشكيل حكومة جديدة قادرة على تطبيقها.
كما بحث معهما المساعدة التقنية التي يمكن لكل من البنك وصندوق النقد الدوليين تقديمها في إطار إعداد هذه الخطة.
وبحث الحريري أيضاً مع رئيس البنك الدولي إمكانية أن تزيد شركة التمويل الدولية التابعة للبنك مساهمتها في تمويل التجارة الدولية للبنان في إطار الجهود التي يبذلها الحريري لتفادي أي انقطاع في الحاجات الأساسية المستوردة بفعل الأزمة.
ويأتي الاتصالان عقب تقريرين صدرا عن وكالتي "فيتش" و"موديز" للتصنيف الائتماني، خفضت الأولى تصنيف لبنان مجدداً إلى "CC"، فيما خفضت الثانية تصنيف 3 مصارف لبنانية، بسبب عدم قدرتها على السداد إلا بالعملة المحلية تنفيذاً لتعميم المصرف المركزي.
الحريري يعود إلى الحكومة؟
في المقابل، قرأت مصادر سياسية متابعة في هذا التحرك للحريري ثقة بعودته إلى ترؤس الحكومة المقبلة، بعدما حظي بدعم داخلي من طائفته أولاً، ومن المجتمع الدولي ثانياً.
في قراءة المصادر أيضاً لمواقف باسيل، كلام يعكس خصومة سياسية واضحة مع الحريري من شأنها التعبير عن أن الأمور وصلت بين الرجلين إلى مرحلة اللاعودة، وهذا ما يعني أيضاً سقوط التسوية السياسية التي حكمت البلاد على مدى السنوات الثلاث الماضية، ويطرح علامات استفهام حول أفق التعاطي السياسي بين التيارين بعد خروج باسيل إلى المعارضة.
سويسرا توافق على تبادل معلومات مع لبنان
وفي خطوة لافتة، وفي ظل مطالبة الحراك الشعبي باستعادة الأموال المنهوبة ومقاضاة المسؤولين الذين هربوا أموالهم إلى سويسرا، وافق البرلمان السويسري على التبادل التلقائي للمعلومات المصرفية مع 18 دولة، من بينها لبنان، ابتداءً من عام 2021.
في المقابل، ستتلقى سويسرا معلومات عن الحسابات المصرفية للمواطنين السويسريين المقيمين في هذه البلدان.