اشتهرت الثورة السودانية التي أطاحت نظام الرئيس عمر البشير، في 11 أبريل (نيسان) 2019، وتحل الذكرى الأولى لها في 19 ديسمبر (كانون الأول)، بإطلاق العديد من الشعارات الحماسية والجذابة. لكن، يبقى الشعار الأقوى هو "تسقط بس"، الذي يقول للبشير أن ليس أمامك سوى الرحيل.
الشعار الأول الذي صدحت به حناجر الثوار في المواكب والتظاهرات هو "الشعب يريد إسقاط النظام". فقد بقي هذا الشعار سيد الساحة الثورية، إلى جانب الشعارات التي تعبر عن الحرية والسلمية، ومنها "حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب".
وفي موكب 25 ديسمبر، دشن المتظاهرون شعار "يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور"، نسبة إلى حادثة اعتقال الأجهزة الأمنية عدداً من طلاب دارفور في الجامعات السودانية واتهامهم بتشكيل خلايا مسلحة، وهي محاولة لتخويف الناس وصرف الأنظار عن التظاهرات، فكان رد الشارع السوداني بهذا الهتاف التضامني مع أبناء إقليم دارفور.
مرحلة التحدي
استمرت هذه الشعارات مسيطرة في التظاهرات التي اجتاحت مدن السودان، لكن بعد سقوط عدد كبير من القتلى، في منتصف يناير (كانون الثاني)، ابتكر المتظاهرون شعار "الطلقة ما بتقتل بقتل سكات الزول"، وهو إشارة إلى أن القتل أفضل من الصمت على الظلم والقهر.
في الوقت نفسه أُطلق شعار "دم الشهيد بي كم ولا السؤال ممنوع"، وذلك رداً على حالة القمع غير المبرر من جانب القوات الأمنية لفض الاحتجاجات بالقوة المفرطة.
ومع حلول أبريل 2019، دخلت الثورة السودانية مرحلة التحدي، فظهرت شعارات تعبر عن حالة الغضب والإصرار على إسقاط النظام، منها شعار "رص العساكر رص الليلة تسقط بس"، وهو شعار يوضح إرادة التحدي لدى الثوار وثقتهم في أن الثورة مستمرة ولو حشد النظام كل آلته العسكرية لقمعها.
المسيرة المليونية
وفي السادس من أبريل، الذكرى 34 للانتفاضة الشعبية التي أطاحت الرئيس جعفر نميري، كثف تجمع المهنيين السودانيين الذي يقود الحراك الثوري من دعواته لتنظيم موكب سمي بالمسيرة المليونية يتجه نحو القيادة العامة للجيش السوداني للمطالبة بتنحي البشير. ومع نجاح المتظاهرين باختراق الحواجز العسكرية ودخولهم ساحة القيادة العامة، بدأوا يرفعون شعار "تسقط بس"، وكان من أكثر الشعارات التي أزعجت النظام لأنه حطم نظرية "من البديل" التي بثها نظام البشير في أذهان المواطنين لتخويفهم من المستقبل في حالة سقوطه. في المقابل، حاول النظام إطلاق حملة شعارها "تقعد بس"، لكنها منيت بالفشل، في الوقت الذي أصبح فيه شعار "تسقط بس" على كل لسان.
الأكثر تداولاً
على الرغم من بساطة شعار "تسقط بس"، فإنه اختزن في دلالته تأويلات ثورية وسياسية وشعبية كثيرة، إذ إن انتشاره في "فيسبوك" و"توتير" خلال فترة التظاهرات جعله "الهاشتاغ الأكثر تداولاً".
ووفق مراقبين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، فإن سرعة تداول هذا الشعار جاء من قوة مضمونه ووصول السودانيين إلى قناعة بأن نظام البشير بات لا يمثلهم ولا بد من إسقاطه مهما كان الثمن. بالتالي، فإن هذا الشعار وحّد السودانيين.
ويعتبر الناشط السياسي مجدي حسين أن شعار (تسقط بس) "مثّل مجازاً مكثفاً لهوية حصرية اختار بها الشعب التعريف الحالي عن نظام البشير آنذاك تعريفاً لا ينفك عنه إلا حال سقوطه فحسب"، لافتاً إلى إن كثافة الشعار هي الطاقة الأكثر تعبيراً عن مخزون صافٍ للغضب والحزن والمرارة.
فيما أشار عضو لجنة المقاومة في الخرطوم، مدثر عبد الماجد، إلى أن "شعار (تسقط بس) لا يحتاج إلى تفسير ولا إلى تفصيل، بل ولا حتى إلى استدراك، لأنه بات في حكم المعروف الذي لا يُعرَّف، ما يعني أن الإزاحة الواجبة لهذا النظام هي دالته التعريفية الحصرية الآن وهنا".
ويرى عبد الماجد أن قوة الشعارات التي تفنن المتظاهرون في ابتكارها وإطلاقها من مرحلة إلى أخرى جاءت معبرة عن حالة الغضب الكامن في نفوسهم على مدى 30 سنة من الظلم والاستبداد، فضلاً عن الحالة الاقتصادية المتدهورة سنة بعد سنة.
وأضاف "قد لا يجيد المواطنون السودانيون التعبير عن تفاصيل ممارسات نظام كرَّس باستمرار يوميات حياة كئيبة استمرت طيلة هذه السنوات، لكنهم يدركون تماماً الآثار الفادحة لذلك المخزون القاسي، وما أسفر عنه من تدنٍ في نواحي الحياة بشكل عام ومستقبلها المجهول".
فترة انتقالية
وبعد سقوط البشير، توافق السودانيون على شراكة مدنية عسكرية بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير بموجب الوثيقة الدستورية التي تم التوقيع عليها في 17 أغسطس (آب)، وفي ضوئها تم تشكيل مجلس سيادي من العسكريين والمدنيين، ومجلس وزراء لقيادة المرحلة الانتقالية التي بدأت في 21 أغسطس، وتستمر 39 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات عامة بمشاركة القوى السياسية كلها في البلاد.
ويأمل السودانيون أن تسهم المرحلة الانتقالية الراهنة في إحلال السلام بأرجاء بلدهم، وتحسين أحوالهم الاقتصادية والمعيشية بعد أن عزلت قيادة الجيش الرئيس البشير من الرئاسة (1989ـ 2019)، تحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية.