تكوينات تعبيرية بالخط العربي قدمت بطرق متفردة منسجمة مع علامات الوقف وحركة المدود والتشكيل المرتبطة بعلوم اللغة.
وعلى الرغم من أن التخاطب باللغة العربية أصبح عصيا على الكثير من أبناء الجيل الحالي، فإن شغف الخطاط السعودي ماجد اليوسف وصديقه الخطاط فهد المجحدي بالخط العربي دفعهما لدمجه وتقديمه في لوحات فنية تُبرز جمال تشابك العمودي بالأفقي لتتجلى أحرف اللغة العربية وأناقة الخط العربي بمرونة جمالية سهلت توظيفه في أعمالهما.
رسائل محبة
ويخط ماجد اليوسف رسائل محبة وسلام ودعوات للتمسك باللغة العربية والحفاظ عليها، وتتجسد في أعماله انحناءات الخط العربي وامتداده في لوحاته التي قدمها ضمن مجموعة أعمال فنية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، أطلق فيها دعوة للتمسك بلغة الأجداد.
واختار اليوسف إحياء إحدى لوحاته بكتابة نص "تعلموا العربية فإنها تنبت العقل وتزيد في المروءة" التي رأى أنها دعوة للجمهور العربي بكل فئاته إلى قراءة الخط العربي واستخدامه بمختلف إمكانياته وجمالياته وتنويعاته. قراءة لوحة الخط العربي ستقود الناظر حتما إلى تأمل الصورة الفنية التي تبدو عليها الحروف وهي تتكامل وتتجاور وتتقاطع لتشكل نصها الخاص.
ويقول اليوسف: " التكوين يظهر بشكل أساسي كلمتي ـ تعلموا العربية ـ وهي مكتوبة بخط الثلث حسب قواعده الأصيلة، لكنها مركبة بطريقة حديثة تعكس بشكل واضح أطراف وزوايا الحروف ليتكون شكل الحرف من الفراغ الموجود بين الخطوط.
"وقد ساعدت اللغة العربية ببنيتها وما تتمتع به من مرونة وطواعية وقابلية للمد والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب على ارتقاء الخط العربي إلى فن جميل يتميز بقدرته على مسايرة التطورات، بوصف رسم الحرف وسط التكوين كخطوط قائمة تمثل حرف الألف واللام وتنطلق من وسط الكلمات لتشكل سارية ترتكز عليها الأجزاء الباقية من الكلمتين وجميعها تشكل هيئة هرمية متوازنة."
هوية موازية
وفي زاوية أخرى تنساب أحرف الخط العربي وتتمايل في تناسق مع حركات يد فهد المجحدي مكونا لوحة فنية قوامها الجمال والدقة والابداع. ومن يتمعن فنيا في لوحاته الخطية يجدها تحمل خصائص إبداعية مستلهمة من جماليات الخط العربي بكل حركاته وسكناته وتركيباته واسترساله وتدويراته. وهو يعتبر الفن التشكيلي وخاصة الخط العربي هويته الموازية التي يقدمها للمتلقي عربيا كان أو أجنبيا.
وعندما يدلف الزائر إلى أروقة معرضه الخاص يشعر أنه يلج بوابة تفضي به إلى العالم حيث تستقبله قطعة فنية تمثل خريطة العالم مرسومة بالخط العربي "العالم يتحدث العربية" تتباهى بالخط العربي التي لم يكتف الخطاط بكتابتها بحروف عربية مجردة وإنما استثمر معرفته بالخامات والألوان ليشكلها بخامة النحاس الثمين المعتق.
مدارس واتجاهات
يقول المجحدي: "الخط العربي تطور منذ قرون الإسلام الأولى حتى تعددت مدارسه وأنواعه واستقرت أصوله وقواعده وصار حلية لتراث العرب والمسلمين وآثارهم في مختلف العصور. ثم بدأ توظيف الخطوط العربية في اللوحات الفنية وفق نظريات وحسابات رياضية معقدة توصل لها علماء الخط العربي حتى يتم توظيف الحرف العربي كعمل فني يرتقي بارتقاء المحافظة على شكل الحرف السليم. تنخفض القيمة الفنية بانخفاض مستوى الحروف بشكل عام."
ويؤكد: "غالبية لوحاتي الفنية تضمنت آيات قرآنية صممت بأشكال وخطوط متنوعة استخدمت فيها مذاهب الخط العربي المختلفة لتجمع بين الومضة الفنية والإضافة الذكية، والقدرة على الابتكار والتجديد لتعكس امكانياته الفنية في رسم الخط العربي."
ويرى المجحدي أن: "التقنيات الالكترونية الحديثة قد تعين الخطاطين على إخراج لوحات ذات أبعاد جمالية ملحوظة، إلا أن اللمسات الإبداعية للخط اليدوي التقليدي والتشكيلات الحرفية تظل هي الأكثر إبهارا ووضوحا كونها مشحونة بروحانيات واحاسيس الخطاط."
ويضيف العديد من الخطاطين بعض من المؤثرات الفنية الحديثة على أعمالهم دون أن يقطعوا صلتها بالخط الذي يتسيد لوحاتهم تماما إذ تكمن جماليات الخط العربي في مضمون لوحاتهم ويكشفها المشاهد منذ الوهلة الأولى.
الخط العربي كان حاضرا خلال الاحتفال بيوم اللغة العربية فهو يمثل أساس اللغة لكنه أيضا يلقى إقبالا كبيرا من العرب والأجانب باعتباره يتخذ أوجه جمالية فيتحول من مجرد حروف وكتابات إلى لوحات فنية تختزل بعدا حضاريا تكشف عن نهج جديد وعصري لتحفيز العالم على تعلم العربية.