كان أسيل مثنّى يُجلّ شقيقه الأكبر. وعلى الرغم أن فارق السن بينهما لم يكن سوى بضع سنوات، لكن الطريقة التي يتحدّث بها عنه تجعل الفجوة بينهما تبدو أكبر بكثير. فقد نشأ الشقيقان في كارديف عاصمة ويلز، وتشبّع أسيل بالآراء المتطرّفة لشقيقه في السياسة والدين، ولحق به إلى كلّ مكان ذهب إليه.
لذلك عندما قرّر الشقيق الأكبر ناصر في العام 2013 السفر إلى سوريا للانضمام إلى إحدى أكثر الجماعات الإرهابية دمويةً في العالم، كان أسيل متمسّكاً بالذهاب هو الآخر. ويقول الشقيق الأصغر سنّاً، لصحيفة "اندبندنت" داخل سجن لمقاتلي "داعش" الذين أُسروا في شمال شرق سوريا "أخبرته بأنه إذا كنتَ ستذهب، فأنا أيضاً أريد أن أذهب معك".
وأضاف "قال لي إنني كنت صغيراً جدّا. انتظر حتى تكبر، ثم يمكنك الانضمام إليّ لاحقا. بقيت في بريطانيا، وبعد مغادرته شعرتُ بفراغ، وأحسستُ بأنه عليّ اللحاق به". وبعد أقلّ من سنة، سافر أسيل إلى سوريا للانضمام إلى شقيقه الذي كان بالفعل في طريقه ليصبح عضواً رئيسيّاً في جهاز الدعاية السياسية التابعة لتنظيم "داعش". وكان في سنّ السابعة عشرة.
القصص التي يرويها مثنّى وجميع سجناء "داعش" اليوم بعد القبض عليهم، مليئة بالأكاذيب وأنصاف الحقائق. فحتى اليوم، عندما يكون حجم جرائم "داعش" ضدّ الإنسانية معروفاً للجميع، يبدو أن كثيرين منهم يتحفّظون في انتقاداتهم للتنظيم الإرهابي. لكن في ثنايا التقلبات في الرواية التي تساهم في خدمة المصالح الذاتية، يمكن لشهادات هؤلاء أن تسلط الضوء على الأسباب التي أدّت إلى انضمام كثير من الشباب البريطاني إلى تلك الجماعة الإرهابية.
اليوم، مع بلوغ مثنّى الثانية والعشرين من العمر، يعد هذا الشاب أحد أفراد حفنةٍ من أعضاء "داعش" البريطانيّين الذين نجوا بحياتهم في "الخلافة"، ويجدون أنفسهم الآن في الأسر مع "قوّات سوريا الديموقراطية" (قسد)، وهي المجموعة التي يقودها الأكراد والتي ساهمت في وضع حدّ لحكم التنظيم الإرهابي.
الحكومة البريطانية لن تكشف عن عدد مواطنيها المحتجزين لدى "قوّات سوريا الديموقراطية"، وترفض إعادتهم إلى بلادهم حيث مالوا إلى التطرف وحيث يتوجّب تقديمهم إلى العدالة. وقد جُرد معظمهم من الجنسية للحؤول دون عودتهم، ما أثار مخاوف لدى القوّات الكردية التي تحتجزهم والتي تقول إن عناصرها مرهقون ويخشون عمليات فرار.
وينجم عن سياسة الحكومة البريطانية عدم رواية، إلى حد كبير، عدد من قصصهم ولا سيما منها كيف سلكوا طريق التطرّف ودوافعهم ودورهم في تنظيم "داعش" وما اقترفه واحدهم من جرائم. فحتى الآن لم تتمّ الإجابة بشكل كامل على السؤال المتعلّق بأسباب اتّخاذ هذا العدد الكبير من المواطنين البريطانيّين قرارهم بالانضمام إلى تنظيم إرهابي وحشي، وتكتم الحكومة حول المسألة جعلها غامضة وعصية على فهم الجمهور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وليس أسيل مثنّى السجين البريطاني الوحيد المحتجز الآن في سوريا. ويعرف الباحثون ما لا يقل عن 10 بريطانيّين آخرين محتجزين حالياً على يد "وحدات حماية الشعب" الكردية. وأشار تحليل صادر عن دوائر الحكومة البريطانية في "وايتهول" إلى أن عدد هؤلاء بلغ ثلاثين شخصا، على الرغم من أنه من غير الواضح كيف تمّ الوصول إلى هذا الرقم.
ولا يُعرف إلا القليل عمّا فعله هؤلاء أثناء وجودهم في "الخلافة". وخلال الأعوام القليلة التي سيطر فيها التنظيم على مناطق واسعة من العراق وسوريا، أحكم طوق الإرهاب على أي شخص يعارضه. ونفّذ التنظيم عمليات إبادة جماعية ضدّ الشعب الإيزيدي، وأعدم رجالاً ونساء وأطفالاً بالآلاف، ومجّد قتل الرهائن.
ويُوجد مع أسيل مثنّى في سجن الحسكة سجين آخر هو اسحق مصطفاوي البالغ من العمر سبعةً وعشرين عاما، وهو من ليتون، شرق لندن. وقد تبع مصطفاوي هو الآخر شخصاً قريباً منه. ففي 2013، كان يدرس الاقتصاد في "جامعة ويستمنستر" عندما قال أصدقاؤه عنه إنه أصبح أكثر تطرّفا.
وفي العام التالي، سافر هو وزميله الطالب زكريا العقباني إلى سوريا. وكانا من بين سبعة طلاّب في الجامعة نفسها يلتحقون بتنظيم "داعش". ومن هؤلاء محمد إموازي، المعروف أيضاً بإسم "الجهادي جون"، جلاّد "داعش".
لم يروِ أيّ من مثنّى أو مصطفاوي قصتهما علانية، حتى جاء صحافيّون إليهما في السجن حيث يُعتقلان في سبتمبر (أيلول). وكان كثيرون يعتقدون أن أسيل مثنّى قد قُتل. وفي مقابلتين منفصلتين مع صحيفة "اندبندنت"، كشف الثنائي عن دوافع انضمامهم إلى التنظيم، وتحدّثا عن الوقت الذي أمضياه في زمن "الخلافة". وكلاهما اشترط للتحدّث في المقابلتين، إخفاء وجهيهما.
السجن الذي يوجدان فيه الآن، مكتظ بشكل خطير. وافتُتحت المنشأة قبل نحو خمسة أشهر بعد وقت قصير من الاستيلاء على آخر أراضي "داعش "في قرية الباغوز، شرق سوريا. ويضمّ المعتقل أكثر من خمسة آلاف مقاتل من تنظيم "داعش" الذين استسلموا في تلك المعركة النهائية.
يمكن ملاحظة نتائج تلك المعركة في الجناح الطبّي للسجن. ففي قاعةٍ كبيرة، يعرج مئات من المقاتلين السابقين بالمشي جراء درجات متفاوتة من الإصابات. وأطراف بعضهم مبتورة فيما الندوب الناتجة من الرصاص والشظايا شائعة لدى كثيرين آخرين.
وحُشر نحو مئة سجين في كلّ زنزانة، ويرتدي جميعهم ملابس برتقالية. وتتمّ مراقبتهم من حرّاس المعتقل على مدى 24 ساعة في اليوم، وبواسطة كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة CCTV. ويتسبّب الاكتظاظ داخل السجن في زيادة الأمراض وغيرها من الوعكات الصحّية. ويقول الحرّاس أن ما يقرب من نصف عدد السجناء هنا يعانون من أحد أنواع الحالات الطبّية.
السجناء كانوا قد وفدوا من 28 دولة، بما فيها الولايات المتّحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والعراق وسوريا. وتقول سلطات السجون إنها تحتجز هنا بعضاً من أخطر سجناء "داعش" في العالم، ويخشى كثيرون من أن هؤلاء يخطّطون خلف الجدران لهروب التنظيم.
ويؤكّد السجناء البريطانيّون الذين التقتهم "اندبندنت" أن علاقتهم مع "داعش" قد انتهت. لكن حتى الآن، يبقى انتقادهم لجماعة الإبادة الجماعية صامتاً ومدروساً. ويبدو أن رغبتهم في مغادرة سوريا وعودتهم إلى ديارهم تنبع من أسفهم على ما آلت إليه أمورهم أكثر مما تنجم عن ندم جراء الجرائم التي ارتُكبت باسم تنظيم "داعش".
وعند السؤال عن استعباد الجماعة الإرهابية نساء إيزيديّات، يقول أسيل مثنّى:"بصراحة، أنا لا أتّفق مع الكثير من السياسات التي اتُّبعت. وأستطيع القول إنني أشعر بتعاطف مع الضحايا. أشعر بتعاطف مع هؤلاء الناس. ويضيف: "قلتُ ذلك من اليوم الأول. داعش هو مجرّد تنظيم. حتى أبو بكر البغدادي هو مجرّد رجل. أنا لم آتِ إلى هنا من أجل "داعش" أو من أجل البغدادي. لم آتِ أيضاً إلى هنا لإثبات نفسي لأي شخص. جئتُ بصدقٍ لمساعدة الناس".
ويبدو قياس مثنّى صغيراً في البذلة البرتقالية كبيرة الحجم التي يرتديها. وكما معظم السجناء هنا، فهو نحيف بشكل صادم بسبب النقص في الغذاء. ويقول أسيل الذي كان في السابق بائع آيس كريم في مدينة كارديف، إنه وشقيقه استقطبهما إلى سوريا عدد من عوامل الجذب.
ويشرح قائلاً "في حينه، كان عمري سبعة عشر عاما، وكنت متديّنا. ويمكن القول إنني واجهت أزمة هوية خلال نشأتي مسلماً في المملكة المتّحدة. لم أكن أعرف كيف أعيش كبريطاني وأكون مسلماً في الوقت نفسه. رأيتُ أن الحلّ هو في الذهاب إلى السعودية للدراسة وربما للاستكشاف. لكن بعد ذلك، ومع مرور الوقت، توجّهتُ إلى سوريا في العام 2012. رأيت البراميل المتفجّرة تحصد السوريّين ثمّ قضى القصف لاحقاً على شقيقي كذلك".
ويتابع كلامه "كان أخي الأكبر في الأساس قدوة لي. كان في ذلك الوقت في سنّ التاسعة عشرة. وعندما رأى ما يحدث تملّكه الغضب وأراد تغييره. قال إننا مسلمون وعلينا أن نساعد إخواننا وأخواتنا المسلمين".
ويروي معظم سجناء "داعش" بعد القبض عليهم قصصاً مماثلة. لكن قبل وصول أسيل مثنّى إلى السجن، وحتى قبل أن يقوم باختياره المشؤوم، بدا النذر القليل مما كشفه أسيل عن دوافعه للسفر إلى سوريا، أقلّ نبلاً في مجملها.
ففي مقطع فيديو مسجّل على هاتفٍ محمول عُرض في محاكمة بتهم الإرهاب في العام 2016 لكريستين بريك، وهي صديقة لمثنّى دانتها المحكمة بمساعدته على السفر إلى سوريا، ظهر أسيل وهو يلوّح ببندقية دمية على تلّة تُطلّ على مدينة كارديف، ويلعب دور مقاتل في تنطيم "داعش".
ويقول في الشريط "إذا كنتم تشاهدون هذا التسجيل، فأنا على الأرجح ميت أو أشبه بأسطورة أو شيء من هذا القبيل". وعند إحدى نقاط التسجيل، يشير مثنّى في كلامه إلى "الدولة الإسلامية في كارديف والعراق والشام".
وفي العام 2014، بعد وقت قصير من وصوله إلى سوريا، قال في مقابلةٍ مع شبكة "بي بي سي" البريطانية إنه لا يشعر بأيّ ندم على انضمامه إلى صفوف "داعش". وأكّد في حوار عبر الإنترنت مع صحافي في الشبكة أنه يستطيع أن يقول: "إنني على استعداد للموت لكن الله يعرف الحقيقة وراء هذه الكلمات". وتحدّث عن الجماعة التي كان قد انضمّ إليها للتو "إذا كانت الدولة (داعش) تستخدم أساليب الشريعة، فأنا أؤيّدها مئة في المئة".
وأشار اسحق مصطفاوي إلى إنه هو الآخر كان مدفوعاً بمعاناة الشعب السوري. وقال: "كانت بين أصدقاء والدي عائلة سورية، وكان أفرادها يروون لي طريقة تعرّض الشعب السوري للقمع في زمن الثورة وقبلها. وقد شاهدنا أناساً يبكون طلباً للمساعدة على وسائل التواصل الاجتماعي ولا سيما منها "تويتر" و"فيسبوك" وغيرهما".
لكن مصطفاوي على عكس الآخرين الذين عملوا على مساعدة السوريين من خلال الانضمام إلى جمعيات خيرية أو منظّمات غير حكومية أنشئت لتخفيف معاناتهم، فقد انتمى إلى أكثر التنظيمات تطرّفاً في البلاد، التي ارتكبت فعلاً في ذلك الوقت فظائع ضدّ المدنيّين.
وكانت أسرة مصطفاوي قد جاءت إلى المملكة المتّحدة من الجزائر عندما كان عمره خمس سنوات. وفي مقابلة مع شبكة "بي بي سي"، قال والده عبد الرحمن إن ابنه كان محبوباً ولم يبدِ اهتماماً بالتطرّف، لكن وجهات نظره تغيّرت في ما بعد عندما التحق بـ "جامعة ويستمنستر".
وكان تحقيق أجرته "بي بي سي" عن الطلاّب السبعة من الجامعة الذين ذهبوا إلى سوريا، قد توصّل إلى أن أحد هؤلاء، وهو شخصٌ يُدعى قاسم أبو بكر، كان معروفاً لدى أجهزة الأمن البريطانية، لعب دوراً رئيسيّاً في دفع مصطفاوي ورفيقه العقباني نحو التطرّف، وفي جعلهما يذهبان إلى سوريا. وأبلغ العقباني "بي بي سي" بعد القبض عليه، أن الإثنين جاءا إلى سوريا من أجل القتال.
وغادر مصطفاوي إلى سوريا في إبريل (نيسان) العام 2014، بعدما أخبر عائلته بأنه ذاهب إلى أمستردام في رحلة قصيرة. ويقول إنه عندما وصل إلى سوريا تزوّج بسيدة سورية وخططا لتأسيس عائلة. وكما معظم أعضاء تنظيم "داعش" الذين تمّ أسرهم، نكر أنه قاتل مع التنظيم، لكنه اعترف بأنه كان يقوم بعملٍ إداري لمصلحة الجماعة. وفي أثناء سقوط بلدة الباغوز، قابلت صحيفة "اندبندنت" أكثر من عشرة أشخاص في سن القتال أثناء انسحابهم من آخر معاقل "داعش"، وقال جميعهم إنهم كانوا يشتغلون طهاةً أو عمّال خدمة لدى التنظيم.
وخرج مصطفاوي من باغوز فاقد الوعي بعد إصابته بجروح خطيرة في غارة جوية شنّتها قوّات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة. وقُتلت زوجته وابنه الصغير في الضربة. ويقول إن جمجمته كانت مكسورةً نتيجة الانفجار، وهو اليوم يضع ضمّادة حول رأسه.
وعند الإلحاح عليه بالسؤال حول ما إذا كان قد شارك في القتال مع "داعش" بأيّ شكلٍ من الأشكال، فإن إجاباته تأتي غامضة. ويقول في هذا الإطار "أخذوني كما تعلمون إلى الخطوط الأمامية للمواجهة، فقط لرؤية ما يحصل. لم يكن هناك اتّصال فعلي. والمنطقة كلّها تعجّ بالسلاح." وتابع: "إنهم يأخذونك فقط ويظهرون لك طريقة استخدام السلاح، ثم أعادوني بعد ذلك".
ويزعم مصطفاوي أنه أمضى معظم وقته في مساعدة شقيق زوجته العضو في تنظيم "داعش" في أعماله المالية. وأوضح أنه "كان يعمل في قطاع قاعدة البيانات لدى "داعش". وقال إنه سيدفع لي 40 دولاراً اعتادوا إعطاءها لي كلّ شهر. وكنتُ أساعده في الأمور المالية لأنه كانت لديّ خلفية اقتصادية.
وعلى الرغم من أنه كان عضواً في الجماعة أثناء ارتكابها أبشع الجرائم، بما فيها الإبادة الجماعية للإيزيديّين واسترقاق النساء من تلك الأقلية الدينية، إلا أنه ينفي أن يكون قد اعتنق إيديولوجية "داعش". وكما أسيل مثنّى، أبدى تردّداً في تحمّل المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبها تنظيم "داعش". وقال: لم أرَ أبداً أيّ شخص تمّ استعباده ولم أشارك في مثل تلك الأعمال. وقد سمعتُ الخبر مثل أي فرد آخر. لكن لا يمكنك إلقاء اللوم على الناس في ما تفعله القيادة".
ويشير إلى أنه عندما تم استجوابه على يد أحد الأميركيّين قال له "أًدين جميع أنواع القمع التي قام بها داعش. وأنا لم أوافق عليها قط. لكن لا يمكنك إلقاء اللوم عليّ بمقدار ما لا ألوم الشعب الأميركي على جريمة ناغازاكي وهيروشيما... ولا على القنابل التي أُلقيت على فيتنام. كما لا يمكن الاكتفاء بالنظر إلى التاريخ الحديث للأميركيّين عندما كانوا يستعبدون مواطنيهم السود".
لكن مشاركة أسيل مثنّى مع "داعش" كانت أكثر وضوحاً. فقد ظهر شقيقه ناصر فعلاً في دعاية ترويجية للجماعة عبر الإنترنت بعدما وصل إلى سوريا. وفي العام 2014، تحدّث ناصر في شريط فيديو ذاع انتشاره على الإنترنت، داعياً الآخرين إلى السفر إلى "الخلافة" والمشاركة في القتال. وفي وقتٍ لاحق استخدم عضوية شقيقه الأصغر في المجموعة مثلاً لتشجيع الآخرين على الحذو حذوه.
ويوضح أسيل "عندما جئتُ إلى سوريا لأول مرّة، خرج ناصر وقال لي "إذا كان بإمكان شاب يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً أن يأتي إلى هنا، فيمكن لأي شخص آخر أن يقوم بذلك. ولهذا السبب اختارني لأكون هذا الوجه. لقد استخدمني مثلاً لدعوة الناس. قلتُ نعم، لا مشكلة لديّ".
ويشير إلى أنه كان يشكّ بدايةً في ما إذا كان قد اتّخذ الخيار الصحيح بالمجيء إلى سوريا عندما بدأ "داعش" تنفيذ إعداماته للرهائن الغربيّين. وكان جيمس فولي الصحافي الأميركي المستقلّ، أول الذين قُتلوا على يد محمّد إموازي في أغسطس (آب) العام 2014.
ويقول أسيل مثنّى "أتذكّر قولي لشقيقي أن هؤلاء لم يكونوا جنوداً وإنهم صحافيّون. ولم أفهم، لذلك كنتُ أسأله ودخلنا في نقاش. في النهاية هو أخي، لذلك لم أشأ أن أسأل الكثير. فالتزمت الصمت". وكان ناصر قُتل في وقتٍ لاحق في غارة جوية للتحالف بقيادة الولايات المتحدة العام 2015.
ولا يبدي الحرّاس في سجن الحسكة هنا اهتماماً يُذكر بقصص الندم لدى الأسرى. ويقول أحدهم لـ "اندبندنت" "جميعهم سيخبرونك بأنهم ليسوا مقاتلين. هذا غير صحيح. إن 95 في المئة من هؤلاء هم مصدر خطر أمني".
ويرغب الحرّاس أنفسهم في أن تستعيد المملكة المتّحدة كلاً من مصطفاوي ومثنّى وسجناء بريطانيّين آخرين كي تحاكمهم أمام المحاكم البريطانية. لكن الحكومة البريطانية تخشى أن يكون من الصعب القيام بذلك، نظراً إلى عدم وجود أدلّة على جرائم محدّدة. ويقول المسؤولون إن الخطر يكمن في إطلاق سراحهم قريباً نظراً إلى التهديد الأمني الذي يمكن أن ينشأ عن خطوةٍ كهذه.
وذكر متحدّث باسم وزارة الداخلية لصحيفة "اندبندنت" إن "أولوية الحكومة البريطانية هي سلامة وأمن المملكة المتّحدة والأشخاص الذين يعيشون فيها. يجب على أولئك الذين قاتلوا من أجل داعش أو دعم التنظيم، مواجهة العدالة حيثما أمكن على جرائمه بالسبل القضائية الأكثر ملاءمة، التي غالباً ما تكون في المنطقة حيث ارتكبوا جرائمهم".
وعُزل مصطفاوي ومثنّى عن العالم منذ القبض عليهما في مارس (آذار) الماضي. ولا يُسمح للسجينين بالاتّصال بالخارج. وقبل دخول السجن لإجراء المقابلتين، طُلب من "اندبندنت" عدم البوح بمقتل زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي في الداخل خشية اندلاع أعمال شغب.
لكن الثنائي كانت بلغته نتفَ معلومات من قلّةٍ من الصحافيّين الذين زاروا السجن مؤخراً. وبدا مصطفاوي الذي لا يدركُ بعد الجدل الدائر في المملكة المتّحدة في شأن مصير سجناء "داعش" من البريطانيّين، غاضباً تقريباً من أنه لم يتلقّ زيارةً من أيّ من ممثّلي الحكومة البريطانية.
وقال: "لا أستطيع أن أفهم، أننا هنا منذ نحو تسعة أشهر، ولا نعرف حتى بما يجري. إذا عدنا إلى البلاد، ومثلنا أمام محكمة ووُجدنا مذنبين بأي عملٍ يرون أنه جريمة، فسأرفع يديّ وأقضي عقوبتي وبعدها سأخرج من السجن. هذا ما تكون عليه الديموقراطية. ونتيجةً للموقف الراهن الذي أنا فيه، أشعر بالأسف على كلّ ما قمت به. وأريد أن أبدأ صفحة جديدة".
ويبدو أن أسيل مثنّى هو أكثر فهماً للطريقة التي يتمّ من خلالها النظر إلى التهديد الذي تشكّله عودة عضوٍ سابق في تنظيم "داعش" إلى المملكة المتّحدة. ويوضح في هذا المجال: "بصراحة، أنا أفهم. فمن منظارهم، وهم لا يرون ما كان يحدث داخل سوريا، يمكنني أن أفهم لماذا لا يريد أي منهم أن نعود إلى بريطانيا. أنا، على سبيل المثل، أمضيت 6 سنوات في سوريا، وحين عودتي لا يمكن معرفة ماذا أجلب معي، وما الذي تعلّمته، وما الذي يمكنني القيام به".
ويستدرك "لكن بعد ذلك، يجب أن يكونوا مدركين أيضاً أنه عندما يتعلّق الأمر بالمغتصبين أو القتلة أو الأشخاص الذين يرتكبون جرائم كبرى، فإن المملكة المتّحدة تكون شديدة السعادة بإصلاحهم ومساعدتهم على استعادة حياتهم وتأهيلها أو التصالح معها، وكذلك ترميم حياتهم واصلاحها ومنحهم فرصة ثانية".
لكن من غير المرجّح أن يحصل أيّ منهما على فرصة ثانية. والسيناريو المحتمل للسجناء البريطانيّين المتبقّين هنا، هو نقلهم إلى مراكز الاحتجاز التابعة للحكومتين العراقية أو السورية. وفي كلا الحالين، من المحتمل أن يواجها عقوبة الإعدام.
© The Independent