تصاعدت المعارك الكلامية المتبادلة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والجمهوريين من جانب، والديمقراطيين من جانب آخر بعد يوم واحد من توجيه مجلس النواب تهمتي إساءة استخدام السلطة وعرقلة تحقيقات الكونغرس إلى الرئيس الأميركي، لكن المعركة الدائرة الآن لا تتعلق بالتهمتين، وإنما بتأجيل إحالتهما على مجلس الشيوخ كما كان متوقعاً، فقد أعلنت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب أنها تنتظر اتفاق زعيمي الغالبية والأقلية في مجلس الشيوخ على إجراءات محاكمة ترمب قبل أن تقرر إحالة فقرتي الاتهام إلى مجلس الشيوخ، وهو ما يعني تعطيل الإحالة لمدة أسبوعين وربما أكثر طالما أن الدستور لم يحدد أي شيء يتعلق بإجراءات الإحالة وسقفها الزمني، غير أن أسئلة أخرى تثور حول ما الذي سيحدث إذا لم يتم الاتفاق على أهم نقطة خلافية في المحاكمة وهي سماع الشهود والاطلاع على الوثائق.
وبدأت المعركة بتصريحات ميتش ماكونيل زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الذي هاجم نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب معتبراً أن ما قامت به "عمل رديء" وأن الديمقراطيين يتخوفون من إرسال التهمتين اللتين أقرهما مجلس النواب ضد ترمب إلى مجلس الشيوخ لبدء محاكمة الرئيس واستكمال الإجراءات، وسارعت بيلوسي إلى عقد مؤتمر صحافي قالت فيه "من صاغوا الدستور الأميركي وضعوا في حسبانهم إمكانية أن يكون هناك رئيس محتال، لكنهم ربما يضعون في اعتبارهم أن يكون زعيم مجلس الشيوخ محتالاً أيضاً في الوقت نفسه" في إشارة إلى ماكونيل.
ورقة ضغط
بالنسبة إلى الديمقراطيين، فإن كل ما يريدونه هو الضغط على الجمهوريين كي يوافقوا على أهم نقطة خلافية وهي السماح باستدعاء شهود جدد والاطلاع على وثائق منعها عنهم البيت الأبيض خلال التحقيقات التي جرت في مجلس النواب، واقترح نواب ديمقراطيون على بيلوسي تجميد التهمتين ضد ترمب إلى حين الحصول على تنازلات من الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس الشيوخ، لكن ماكونيل قال إنه غير متعجل لعقد المحاكمة إذا كانت بيلوسي تعتقد أنها في موقف ضعيف ولا تريد إحالة الاتهامين.
الرئيس الأميركي الغاضب من اتهامي العزل اللذين أدخلاه التاريخ من باب سيء السمعة، قال في تغريدة له على تويتر "بيلوسي تشعر أن خدعة العزل الزائفة أمر مثير للشفقة، لدرجة أنها تخشى أن تحيل الاتهامين على مجلس الشيوخ الذي يمكن أن يحدد موعداً ويجعل هذا الاحتيال متخلفاً عن الموعد".
ترقب وتوجس
غير أن بيلوسي غيرت من نبرتها السابقة بقولها إنها تنتظر اتفاق زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل مع زعيم الأقلية الديمقراطية تشاك شومر للتوصل أولاً إلى اتفاق حول القواعد التي ستحدد شكل المحاكمة في مجلس الشيوخ قبل إحالة التهمتين، لأن تركيبة المحاكمة سوف تحدد عدد وأسماء "مديري الاتهام" الذين سيقومون بدور المدعين خلال المحاكمة والذين ستحددهم نانسي بيلوسي، لكنها لم تشترط ضرورة الحصول على محاكمة عادلة كما فعلت من قبل.
لكن رئيسة مجلس النواب عبرت عن أملها في أن يتفق الجمهوريون والديمقراطيون في مجلس الشيوخ على اتفاق مماثل لما تم خلال محاكمة الرئيس السابق بيل كلينتون عام 1999 والذي تم بالإجماع ولم يعترض عليه أي سيناتور، بيد أنها لم تستبعد فشل ذلك مشيرة إلى استعداد الديمقراطيين في كل الأحوال.
مشكلة الشهود
ويقول مراقبون إن الخلاف يتعلق بقضية سماع الشهود في مجلس الشيوخ، حيث أوضح ماكونيل بشكل قاطع أن دور مجلسه ليس القيام بما كان يتعين على مجلس النواب القيام به مؤكداً ضرورة ألا يُسمح للديمقراطيين باستدعاء شهود.
وكان ماكونيل قد رفض طلباً مبدئياً أرسله شومر في وقت سابق باستدعاء أربعة من الشهود الأساسيين منهم مايك مولفاني رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض وجون بولتون مستشار الأمن القومي السابق للرئيس ترمب، وكلاهما استمعا إلى المكالمة الهاتفية بين ترمب والرئيس الأوكراني والتي تعد أساس اتهام الديمقراطيين في أن الرئيس أساء استخدام السلطة حين ربط المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا بأن يفتح الرئيس الأوكراني ملف تهم بالفساد تتعلق بهنتر بايدن نجل خصمه السياسي جو بايدن المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية.
في المقابل يعتبر الديمقراطيون أن أي محاكمة تتطلب سماع الشهود خصوصاً أولئك الذي منعهم الرئيس الأميركي والبيت الأبيض من الإدلاء بأصواتهم أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، كما انتقد الديمقراطيون تصريح ماكونيل بأنه ينسق إجراءات المحاكمة مع البيت الأبيض.
أزمة دستورية
وبينما يستبعد جيري نادلر رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب تعطيل إحالة تهمتي العزل على مجلس الشيوخ لفترة طويلة، تثور أسئلة في واشنطن عما يمكن أن يقرره قادة الديمقراطيين إذا لم يتفقوا مع الجمهوريين حول إجراءات المحاكمة في مجلس الشيوخ، وصرح النائب الديمقراطي جيمس كليبورن إلى شبكة (سي إن إن) الإخبارية أنه يمكن عدم تمرير الإحالة على مجلس الشيوخ مهما استغرق ذلك من وقت، إذ لم يحدد الدستور الأميركي إطاراً زمنياً لتمرير وإحالة اتهامات مجلس النواب إلى مجلس الشيوخ، وهو ما يعني أن يظل الحال على ما هو عليه، الأمر الذي يمكن أن يفجر أزمة دستورية ويشعل مزيداً من الزيت على نار الانقسام الذي تشهده الولايات المتحدة.
وحذر ستيني هوير زعيم الغالبية في مجلس النواب من إهمال مجلس الشيوخ القضية والتخلص منها بسرعة، مشيراً إلى مقال كتبه المحامي لورانس ترايب المتخصص في القضايا الدستورية نصح فيه بتأجيل إحالة قرارات الاتهام إلى حين موافقة ماكونيل على إدارة محاكمة عادلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح إيرل بلوميناوير النائب الديمقراطي عن ولاية أوريغون أن مجلس النواب يستطيع الاستمرار في جمع الأدلة وسماع شهود آخرين من أجل دعم الاتهامين المحددين بهدف تحقيق انتصارات قانونية، خصوصاً أن المحاكم الأميركية ستحكم خلال يناير (كانون الثاني) المقبل ما إذا كان يتعين على الشهود الذين منعهم ترمب الإدلاء بشهاداتهم أمام مجلس النواب.
في مواجهة ذلك، اعتبر إريك أولاند ممثل البيت الأبيض في لجنة الارتباط مع الكونجرس أن الديمقراطيين في مجلس النواب أجروا عملية معيبة وخاطئة بحقائق مزورة ويريدون الآن إعاقة دفاع الرئيس في محاكمة مجلس النواب عبر مناورات إجرائية.
ما بعد الاتفاق
ولكن في كل الأحوال، يبدو موقف الرئيس ترمب مطمئناً حال التوصل إلى اتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين وإحالة التهمتين على مجلس الشيوخ لتبدأ إجراءات المحاكمة التي سيديرها رئيس المحكمة العليا، ويتمتع ترمب بتوحد موقف الجمهوريين الرافض مبدئياً لعزل الرئيس باعتبار ذلك هدفاً للديمقراطيين حتى قبل أن يفوز بانتخابات 2016، لكن المشكلة التي يمكن أن تواجه الرئيس الأميركي هو رضوخ الجمهوريين لاستدعاء الشهود وتحول موقف عدد من الجمهوريين إذا فجر الشهود مفاجآت تضع ترمب في موقف حرج.
غير أن هذا السيناريو يبدو مستبعداً حتى الآن، وقد يفضل الجمهوريون عدم تقديم تنازلات للديمقراطيين تحت أي ظرف، حتى ولو أدى ذلك إلى امتناع نانسي بيلوسي عن إحالة التهمتين اللتين أقرهما مجلس النواب واستمرار الوضع على ما هو عليه لشهور أخرى مقبلة.