كشفت دراسة جديدة واسعة النطاق عن تزايد سريع في ظهور "مناطق ميتة" في محيطات العالم، نتيجة فقدانها الأوكسجين بمعدّلٍ لم يسبق له مثيل. ويُعزى السبب في ذلك إلى تغيّر المناخ والتلوّث الذي تحدثه مياه الصرف الصحّي والممارسات الزراعية الخاطئة، ما قد يشكّل تهديداً وجودياً للحياة البحرية والنظم البيئية فيها، بحسب الدراسة.
وقد انخفض المستوى الكلّي للأوكسجين في المحيطات بنسبة قاربت 2 في المئة، في حين ارتفع عدد "المناطق الميتة"، وتُسمّى كذلك بسبب نقص هذه المادة الحيوية فيها بحيث تكون مستوياتها منخفضة بشكل خطير. وقد ارتفع بشكل خطير عدد تلك المناطق البحرية من 45 موقعاً معروفاً في ستينيّات القرن الماضي، إلى 700 منطقة على الأقل الآن، وباتت الآن خاليةً من المجمّعات الواهبة للحياة، ويشمل بعضها آلاف الأميال المربّعة.
ولا يمكن لأي كائناتٍ بحرية ولا سيما منها الأكبر حجماً والأكثر نشاطاً مثل أسماك القرش والمرلين والتونة، مواصلة العيش في تلك المناطق، ما قد يؤدّي إلى خطر حدوث انقراضٍ جماعي لتلك الكائنات على المدى الطويل ما لم يتم عكس الاتّجاهات الراهنة.
ويرى دان لافّولي، أحد المحرّرين الذين شاركوا في وضع التقرير أنه "ربما يكون هذا النداء هو الأخير إلى اليقظة، والخروج من التجربة غير المنضبطة التي تسبّبها البشرية في محيطات العالم مع استمرار الإمعان في توليد انبعاثات الكربون."
وتُعدّ دراسة "الاتّحاد العالمي لحفظ الطبيعة" IUCN أكبر تحليل على الإطلاق لأسباب زوال الأوكسجين من المحيطات وتأثيراته، هذه الظاهرة التي تصفها المنظّمة بأنها "إحدى الآثار الجانبية الأكثر خطورة التي ما زالت ما دون المستوى من حيث التنبيه إلى مخاطرها، والمتأتية من نشاط الإنسان الذي يؤثر في تغيّر المناخ."
وتمّ تقديم الدراسة إلى مؤتمر المناخ التابع للأمم المتحدة في دورته الخامسة والعشرين COP25 المنعقد في مدريد، الذي وُصف بأنه الفرصة الأخيرة للموقّعين للتأكد من أن هدف "اتفاقية باريس" القاضي بالحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري وإبقائه في حدود 1.5 درجة مئوية أعلى من مستويات ما قبل الفترة الصناعية، لا يزال قابلاً للتحقيق.
ويحاول زعماء العالم والمندوبون وضع قواعد دولية جديدة للانبعاثات الناتجة من الصناعات، وأنظمة تعويضٍ خاصّة بالدول الفقيرة التي تتحمّل العبء الأكبر من الانهيار المناخي، بحيث تحتاج دول عدة إلى تجزئة تفاصيل الأهداف المحدّدة للفترة الممتدة ما بين السنة 2030 والسنة 2050، قبل انتهاء فترة السماح المحدّدة بخمس سنوات والتي تستحقّ في السنة 2020.
وترى الدكتورة غريذل أغيلار المديرة العامّة بالإنابة لـ "الاتّحاد العالمي لحفظ الطبيعة" أنه "يجب على قادة العالم التزام التخفيضات الفورية والكبيرة للانبعاثات الحرارية من أجل الحدّ من فقدان الأوكسجين في المحيطات، وكذلك لتطويق الآثار الكارثية الأخرى لتغيّر المناخ." وتضيف أن "الآثار الرهيبة المحتملة على مناطق صيد الأسماك والمجتمعات الساحلية الضعيفة تعني أن القرارات المتّخذة في قمّة المناخ الخامسة والعشرين هي الأكثر أهمية."
وفيما قد يبدو الانخفاض الكلّي لكميات الأوكسجين البالغ 2 في المئة غير مهم، فإن بعض المناطق الأكثر إنتاجية للنباتات والحيوانات البحرية في العالم تتشكّل بتيارات المحيط الغنية بموادّ مغذّية لكن منخفضة الأوكسجين، ما يعني أن هذه المراكز الحيوية للحياة معرّضة بشكل خاص للتغيّرات الصغيرة في مستويات الأوكسجين في المحيطات.
ويحذّر "الاتّحاد العالمي لحفظ الطبيعة" في بيان له من أن الآثار المترتّبة عن هذه التيّارات "ستنتشر في النهاية وتؤثر على مئات الملايين من الناس". ويضيف أن فقدان الأوكسجين "بدأ يغيّر تدريجيّاً توازن الحياة" بحيث تموت الأنواع غير القادرة على البقاء على قيد الحياة في مثل هذه الظروف.
ويشير الدكتور لافّولي في حديث مع صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى أن المستوى المسجّل لفقدان الأوكسجين، هو كبير فعلاً بما فيه الكفاية للتأثير على تدوير الكوكب لعناصر مثل النيتروجين والفوسفور، اللذين يُعتبران "ضروريّين للحياة على سطح الأرض".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما تركّز الاهتمام السائد على التلوّث الذي يسبّبه استخدام البلاستيك وصيد السمك المفرط، يورد التقرير أنه "لا يوجد أيّ متغيّر بيئي له مثل هذه الأهمية على الأنظمة الإيكولوجية البحرية التي تبدّلت بشكل كبير في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن نتيجة لأنشطة البشر مثل الأوكسجين المذاب."
وعلى رغم تأثير دخول كثير من العناصر الغذائية إلى المحيط عبر الزراعة والتلوّث اللذين يساهمان في إزالة الأوكسجين من المحيطات، يظل الاحتباس الحراري العالمي العامل الأكثر أهمية. وكان الدكتور جون أبراهام، أستاذ العلوم الحرارية قد كتب في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن درجة حرارة المحيطات حطّمت أرقاماً قياسية تقريباً كلّ عام، خلال العقدين الماضيين، في حين أن معدّل ارتفاع درجة حرارة المحيطات يوازي حرارة 5 قنابل ذرّية بحجم قنبلة هيروشيما تنفجر كلّ ثانية.
ويشكّل ذلك آثاراً كبيرة على معدل الاحتباس الحراري في العالم ككل. وحتى الآن، كانت المحيطات بمثابة منطقة عازلة تمتصّ أكثر من 90 في المئة من الحرارة المرتبطة بانبعاثات غازات الدفيئة. وأوضح الدكتور لافّولي أنه إذا كانت الحرارة التي امتصّتها المحيطات منذ العام 1955 قد دخلت بدلاً من ذلك إلى الطبقات السفلى من الغلاف الجوّي، فلكانت درجات الحرارة على سطح الكوكب أعلى بمقدار 36 درجة مئوية.
ويساهم ارتفاع حرارة المحيطات في تمدّدها، ما يعني أن تحمية مياهها هي مسؤولة أكثر عن ارتفاع مستوى سطح البحار من ذوبان أغطية الجليد في القطبين. وإضافة إلى ذلك، تمتصّ المحيطات نحو ثلث انبعاثات غازات الدفيئة، لكن دراساتٍ أظهرت أن هذه العملية تتباطأ مع ارتفاع درجات الحرارة، محوّلةً المزيد من الانبعاثات المسبّبة للحرارة إلى الغلاف الجوّي.
وعلى الرغم من أن عملية الامتصاص تبدو مفيدةً للحياة على الأرض، فهي تساهم في تحمّض المحيطات التي يُعتقد أنها باتت الآن أكثر حمضيةً بنسبة 26 في المئة ممّا كانت عليه في مرحلة ما قبل الفترة الصناعية.
ويخلص التقرير إلى توقّع أن تفقد المحيطات الآن ما بين 3 و4 في المئة من الأوكسجين لديها بحلول السنة 2100. لكن الكيلومتر الأقرب إلى سطح مياهها، حيث يتركّز العدد الأكبر من الأصناف والكائنات البحرية، سيكون الأكثر تأثّراً من الناحية السلبية، من المناطق الأعمق التي تُوجد فيها مظاهر أقلّ من الحياة.
وتدعو مينّا إبس مديرة فريق البرنامج العالمي للبحوث البحرية والقطبية التابع لـ "الاتّحاد العالمي لحفظ الطبيعة" إلى "ضرورة اتّخاذ إجراء عالمي عاجل من أجل التغلّب على آثار إزالة الأوكسجين من المحيطات وعكس اتّجاهها". وتعتبر أن "القرارات المتّخذة في المؤتمر الجاري المتعلّق بالمناخ، ستحدّد ما إذا كانت محيطاتنا ستواصل الحفاظ على مجموعة متنوّعة وغنية من الحياة، أو ما إذا كانت المناطق البحرية الصالحة للعيش والغنية بالأوكسجين ستتلاشى بصورةٍ متزايدة وتدريجية ولا رجعة فيها."
© The Independent