هدباء اليزيدي، إحدى الإعلاميات اليمنيات اللاتي سجلن مواقف وأدواراً إعلامية مشهودة في العمل الإعلامي، عملت مراسلة لقناة "السعيدة" الفضائية اليمنية المستقلة في محافظة حضرموت، جنوب شرقي اليمن، ولم يتقبلها المجتمع الحضرمي، حسبما قالت لـ"اندبندنت عربية"، وتعرضت لمضايقات من قبل زملائها الذكور، وشعرت بالألم، جراء ما تعرضت له كمراسلة تلفزيونية.
وفي هذا الصدد أوضحت اليزيدي "كانوا يتعاملون معي بحقارة وعدم احترام، وكان السبب في ذلك أنني أعمل لصالح قناة شمالية، ومرت أيام كثيرة وأنا في صراع مع قوى الحراك الجنوبي المطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله، ومُنعت من تغطية أحداث كثيرة مهمة دارت في حضرموت، ولدى سيطرة تنظيم القاعدة على مدينة المكلا عام 2015، مُنعت من العمل من قبل رجال التنظيم، بل قاموا بسلب كاميرا التصوير أثناء تغطيتي حدثاً مهماً في المكلا، وهو قيام تلك العناصر الإرهابية بنهب البنك العربي، وحتى بعد تحرير المدينة وخروج العناصر الإرهابية، منعتني السلطات من تغطية فعاليات كثيرة".
وترى اليزيدي أن المرأة اليمنية العاملة في المجال الإعلامي تواجه تحديات كثيرة، أبرزها عدم نيل حريتها في التعبير عن رأيها، وافتقار التأهيل الأكاديمي والعلمي، واحتكار مديري ومسؤولي المؤسسات الإعلامية عمل المرأة داخل مؤسساتهم، كما أن التخصص في العمل الإعلامي من أقل التخصصات التي تُقبل عليها المرأة بسبب منع بعض الأسر بناتها الظهور على الشاشة، والاختلاط بين الذكور والإناث بشكل مستمر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تمييز ضد المرأة
وتعتبر الإعلامية صفاء عبيد، أن الإعلام هو المنبر الحر الذي اتجهت إليه الكثير من النساء كملاذ للتعبير، وإظهار مهاراتهن وقدراتهن الإعلامية، غير أنه من المؤسف أن هذا المنبر أصبح يُمارس فيه التعسف والقمع والتهميش والإقصاء تجاه الإعلاميات في اليمن.
وتوضح عبيد، المذيعة في راديو "لنا" من عدن، أنه "في وسائل إعلامية عِدة مكتوبة ومقرؤوة ومسموعة نجد مشاركة المرأة ضعيفة كمتحدثات رئيسات في موضوعات وقضايا مهمة، بإعطائها مساحة ضيقة جداً، مقارنة بتلك الممنوحة لشريكها الرجل في وسائل الإعلام، كما أن نسبة وجود المرأة كمراسلة ميدانية مقارنة بالرجل متدنية للغاية بحسب الدراسات، وتقل مشاركتها في الأدوار الأخرى كالإنتاج والتصوير والهندسة والإخراج، وهناك تهميش وإقصاء في الجانب الإداري وعدم المساواة بين النساء والرجال".
وتستعرض مذيعة راديو "لنا" عدداً من المعوقات والصعوبات التي تواجهها الإعلامية اليمنية، ومنها" التمييز المعنِّف بحقهن، وتقسيم فرص العمل بين الزميلات في النشاط بطريقة غير عادلة، والحرمان من الترقيات إلى مراكز صنع القرار في المؤسسات الإعلامية، وتجاهلهن في الترشيح للدورات التأهيلية في مجال العمل، والإبعاد القسري عن المشاركة في الفعاليات المختلة، بخلاف التحرش بالإعلاميات سواء لفظياً أو جسدياً، والتمييز العنصري تجاههن".
وتطرح عبيد حزمة مقترحات للدفع بالإعلاميات وتعزيز وجودهن في وسائل الإعلام، من خلال تقسيم فرص العمل والترقية مناصفة بين زملاء الإعلام بحسب الأهلية، وتوكيل المهام والمسؤوليات القيادية للمرأة الإعلامية بحسب كفاءتها ومهاراتها وخبرتها المهنية من قبل وزارة الإعلام والمؤسسات الإعلامية، كما أن على الإعلامية بذل مجهود أكبر لإثبات الذات والوقوف بتحدٍ أمام الصعوبات التي تواجهها، وتمكين الإعلاميات من الحصول على دورات تأهيلية في مجال العمل الإعلامي أسوة بالرجال، وتعزيز ثقة الإعلامية بثقتها وكسر حاجز الخوف، وإفساح المجال للإعلامية في الحصول على المعلومات من مصادرها، وإشراك وتعزيز دورها في رسم السياسة الإعلامية والخطط البرامجية في المؤسسات الإعلامية، وتوفير الظروف الذاتية والموضوعية لإبراز دور المرأة في المؤسسات الإعلامية المختلفة.
اعتراف ذكوري
ويأسف رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن، مصطفى نصر، من التهميش الكبير للمرأة اليمنية العاملة في وسائل الإعلام، الذي يعكس التهميش الحاصل في الواقع اليمني، موضحاً أن هذا التهميش يكمن في عدة نواحٍ أهمها غياب قضايا المرأة ومشكلاتها وغيابها كنصف للمجتمع، بل أحيانا تكون التغطية سلبية تجاه المرأة، ويعكس هذا التهميش أو الغياب حالة من الخلل في الأدوار التي يفترض أن تحتلها المرأة في المجتمع، ويفترض أن تنعكس على الإعلام.
ويلفت نصر إلى أنه من خلال دراسة حديثة لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، تبين أن المساحة الممنوحة للنساء في المضمون الإعلامي لا تتجاوز 10% مقارنة بـ90% للرجال، وهذا خلل واضح في العلاقة غير المتوازنة، مشيراً إلى أن الأسباب التي خلقت هذا الواقع السلبي الذي تعيشه المرأة، هي أسباب سياسية وثقافية واجتماعية أنتجت حالة من الممانعة وتأطير المرأة في نطاق ضيق من التفكير والمشاركة، ولذلك كان ولا يزال عمل المرأة في الإعلام يواجه تحدياً كبيراً، حيث تعرّض الإعلام خلال مراحل تاريخية مختلفة للتشويه بأنه مكان غير مناسب للمرأة، ولذلك فإن رائدات العمل الإعلامي في اليمن واجهن تحديات كبيرة للاستمرار، وبالتالي لا بد من تغيير الصورة السلبية لعمل المرأة في الإعلام وعلى الإعلام ذاته أن يلعب دوراً في ترسيخ هذا المفهوم وتشجيعه.
ويلقي رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي باللائمة على سيطرة الذكور على الإعلام الذي لا يزال هو الطاغي، مطالباً العمل من أجل تجاوز هذا الواقع لكي يحظى الجنسان بذات الفرص، باعتبار أن غياب المرأة عن الإعلام يتسبب في غياب قضاياها عن المضمون الإعلامي وهنا تكمن خطورة هذا الواقع.
أسباب تدني حضور المرأة
وعلى الرغم من حضور المرأة في كافة وسائل الإعلام في الوقت الراهن، فإن هذا الحضور لا يزال ضعيفاً جداً مقارنة بالإعلاميين الذكوز، وبحسب دراسة لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، يُقدر عدد العاملات في الإعلام 712 إعلامية بنسبة 24%، بينما يبلغ عدد العاملين 4211 رجلاً، وبنسبة 86%.
وتوجز الدراسة أسباب تدني حضور المرأة في وسائل الإعلام إلى عدد من الأسباب، أهمها ممانعة كثير من الأسر انخراط الفتيات في التعليم في مجال الإعلام بسبب ظهور الإعلاميات على الشاشة، بالإضافة إلى النظرة التقليدية السلبية تجاه بيئة العمل المشتركة بين الرجال والنساء وأوقات العمل غير المنتظمة لوسائل الإعلام، وكل هذه العوامل جعل الأسرة اليمنية تتخوف من انخراط الفتيات في الإعلام، لا سيما القنوات التلفزيونية، حتى وإن وافقت الأسرة فتكون الموافقة على العمل خلف الكواليس، مثل التصوير والمونتاج والتقارير الصوتية، فلا تظهر المرأة أمام الشاشة في الأخبار والبرامج الحوارية إلا بنسبة قليلة جداً.
وخلصت الدراسة إلى اقتراح عدة توصيات، أهمها ضرورة المساهمة بالنهوض بصورة المرأة اليمنية في الإعلام بشكل متوازن وموضوعي، انطلاقاً من حقوقها القانونية والإنسانية في أن تُقدم في الإعلام كإنسانة تمتلك كل مقومات الإبداع والتميز وقادرة على تحقيق الإنجازات في كافة مجالات الحياة جنباً إلى جنب مع الرجل، كما أوصت الدراسة بضرورة تحديث اللوائح والأحكام الداخلية في المؤسسات الإعلامية لتتناسب مع تقديم صورة موضوعية ومتوازنة للمرأة، والعمل على استحداث تشريعات تتضمن تأكيداً واضحاً لحقوق المرأة في مختلف القطاعات بما فيها القطاع الإعلامي.
وتضمنت التوصيات ضرورة الوقوف على الوضع الحقيقي لاتجاهات تقديم المرأة اليمنية في وسائل الإعلام للتمكن من وضع السياسات وصياغة البرامج المناسبة لتصويب صورة المرأة وتقديمها بالشكل المناسب، والعمل على تعزيز المحتوى الإعلامي الذي يساند حقوق المرأة، ويدعم مفاهيم المساواة مع الرجل، بالإضافة إلى رفع منسوب المحتوى الإعلامي المتعلق بالمرأة في برامج الإذاعة والتلفزة وصفحات الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية الإخبارية، بحيث يتحقق لديها نوع من التوازن بين ما يُقدم حول المرأة والرجل.