أثارت ردود أفعال الطبقة السياسية في الجزائر إزاء دعوة الرئيس الجديد عبد المجيد تبون إلى الحوار، الاستغراب. ففي وقت قاطعت الانتخابات وشككت في شرعية الرئيس، سارعت إلى الترحيب بالحوار، في تناقض جعل الحراك الشعبي أكثر مصداقية من الطبقة السياسية.
دعوة تبون إلى الحوار
حرّكت تصريحات تبون أن أبواب الحوار مفتوحة أمام الجميع، "ركود" أحزاب المعارضة التي سارعت إلى الرد بقبول الدعوة تحت شعار المشاركة في بناء جزائر جديدة، ووضعت شروطاً لتجنب انتقادات الشارع الذي طرد الطبقة السياسية من المشاركة في الحراك وعزلها بعيداً من المشهد الذي صنعه الشعب منذ 22 فبراير (شباط) الماضي، ما يوحي بأن المعارضة تسابق الزمن من أجل التموضع في محاولة لاستدراك ما ضاع منها على المستويين الشعبي والسياسي.
وأعلنت كل من جبهة العدالة والتنمية وجبهة القوى الاشتراكية والجبهة الوطنية الجزائرية، التي قاطعت الانتخابات الرئاسية، أنها "مستعدة لحوار جاد بشروط، من أجل إقامة دولة لا يُظلم فيها أحد".
ووضع أقدم حزب معارض في البلاد، جبهة القوى الاشتراكية، شروطاً وقواعد للحوار، منها التبني المشترك لجدول الأعمال واختيار المشاركين والطبيعة السيادية والشفافة للحوار، والاعتماد بالاجماع على برنامج الخروج من الأزمة، إضافةً إلى التزام الأطراف بتنفيذه في المواعيد المحددة، محذراً من حوار مزيف.
ودعت حركة مجتمع السلم إلى جعل الحوار شفافاً وجاداً ومسؤولاً لتصحيح الأخطاء وتحقيق التوافق الشامل حول آليات وممارسات تجمع شمل الجزائريين وتجسّد الإرادة الشعبية وتحقق التنمية الاقتصادية وتصون السيادة وتضمن مستقبلاً زاهراً، محذّرةً من استنساخ النظام البوتفليقي البائد وشبكات الدولة العميقة.
عين على المناصب
من جانبه، أشار حزب جبهة العدالة والتنمية، في بيان متناقض، إلى ضرورة تنظيم حوار شامل، واعتماد خريطة مستعجلة ومتدرجة تستجيب لمطالب الشعب وتعيد الأمل والثقة بين السلطة والشعب، وتؤسس لمسار جديد يكون بداية صحيحة لبناء جمهورية جديدة، مشترطاً قبل بدء الحوار إطلاق سراح المعتقلين وفتح وسائل الإعلام وعدم التضييق على الحراك والابتعاد عن سياسة الاعتقالات والمتابعات، ليعود بشكل غريب إلى انتقاد النظام والانتخابات. وقال إن النظام مضى في تنظيم الانتخابات من دون الاستجابة لمطالب الشعب، وفي ظل مقاطعة متفاوتة.
كما رحبت الجبهة الوطنية الجزائرية بالدعوة إلى الحوار، معلنةً أنها ستشارك فيه لبناء جزائر جديدة ودولة متحضرة.
لا مفر من الحوار
أعربت المحللة السياسية والأكاديمية فريدة روطان، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، عن اعتقادها بأن المعارضة رفضت الانتخابات لأنها لم تستوفِ الشروط القانونية ولا السياسية ولا حتى طبيعة الظرف الذي لا تزال تعيشه الجزائر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت إنه أخيراً خرجت بعض الأصوات التي كانت بالأمس معارضة، لتعلن قبولها دعوة الرئيس إلى الحوار، لأنها وجدت نفسها أمام الأمر الواقع، خصوصاً أن السلطة انتصرت بنجاحها في تنظيم الاستحقاق الانتخابي.
وأشارت إلى أن بعض المعارضة أدرك أنه لا مفر من الحوار بعد فشلها في مقاطعته من قبل، بخاصة مع تقديم ضمانات بعدم التعرض للحراكيين ومنحهم الحرية التامة في التظاهر والاستجابة لمطالبهم بتحسين ظروف المعيشية. وأوضحت أن الرئيس تبون سيقبل مبدئياً بالشروط المعقولة، كونه في بداية حكمه، إذ سيظهر تودّده للحراك وأنه جاء ليجمع شمل أبناء الجزائر، خصوصاً أنه أعلن أن أبواب قصر "المرادية" مفتوحة لكل الجزائريين، على الرغم من إدراكه أن هناك فئات واسعة ترفضه.
استعطاف الحراك
لم تعرف الأحزاب السياسية الجزائرية موالاة ومعارضة انتكاسة كالتي تعيشها منذ 22 فبراير، وقد لاقت انتقادات لاذعة و"طرد" من المشهد العام، أجبرها على اتخاذ مكان على الهامش. غير أن دعوة تبون إلى الحوار أحيتها من جديد وأعطتها جرعة لتخرج من جحورها باحتشام، بإضافة كلمة شروط طلباً لرحمة الحراك.
ورأى الإعلامي إسلام رخيلة في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن الأحزاب السياسية التي رفضت الانتخابات سواء معارضة أو موالية، هي أحزاب محسوبة على النظام السابق. بمعنى آخر، تُعتبر من أدواته وإحدى تركيباته.
وقال إنه يمكن تسميتها بالأدوات المضادة التي استعملها النظام القديم من أجل إعادة إنتاج نفسه. وعليه، فإن ترحيبها بالحوار مجرد بحث عن تموضع جديد، مرجّحاً أن الرئيس تبون لن يتحاور مع أي تركيبة محسوبة على النظام السابق، بل سيتحاور مع ممثلين عن المجتمع المدني والشخصيات.
وأشار رخيلة إلى أن الحوار سيبحث رؤية توافقية لحل الأزمة السياسية، التي تعيشها البلاد، خصوصاً بعد سقوط النظام السابق، موضحاً أن الشروط لا تكون من أجل الحوار، إنما خلال عمليات التفاوض.