تعتبر الألوان عنصراً رئيساً في البيئة المحيطة لدورها المهم في إضفاء سمات خاصة على الأشياء، ولتأثيرها العميق في النفس البشرية من خلال الموجة الضوئية الخاصة بكل لون. فاختيار اللون المناسب من شأنه تعزيز مشاعر الصحة والرفاهية، وتعديل درجة الحرارة، وحتى تعديل المساحة لتبدو أكبر أو أكثر حميمية، إضافة إلى قدرته في تركيز الضوء على أماكن مظلمة وخلق غموض ورومانسية في المناطق المملة وتنشيط الأماكن الساكنة.
لقد أصبح انتقاء مصممي الديكور الألوان من المهمات الرئيسة التي تدخل في كل مراحل التصميم بدءاً من صوغ الفكرة الأساسية وانتهاءً بأعمال التشطيب، وتمثل هذه المهمة الجزء المهم والأكثر صعوبة بالنسبة إلى كثيرين، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتأثيث المنزل، إذ يتطلب كل جانب من جوانب الديكور الداخلي فهماً شاملاً للون.
والطريقة الوحيدة لتصبح ماهراً بتنسيق الألوان هي الممارسة، إضافة إلى بعض النصائح التي من شأنها إرشادك إلى اختيار المنظومة اللونية التي تناسب أسلوبك وشخصيتك ونمط حياتك.
مفاهيم أساسية
قبل عرض بعض القواعد في اختيار الألوان نمر سريعاً على "نظرية الألوان" التي تعد مزيجاً عملياً من العلم والفن، وتستند بشكل أساسي إلى "عجلة الألوان" المؤلفة من ألوان الطيف المنظمة على شكل دائرة والمرتبطة ببعضها بطريقة طبيعية ومدروسة في الوقت ذاته.
تضم عجلة الألوان 12 لوناً منظماً في ثلاث فئات. الأساسية منها هي الأحمر والأصفر والأزرق، ثم الثانوية، وهي الأخضر والبنفسجي والبرتقالي، والثلاثية وهي الأحمر البرتقالي، والأصفر البرتقالي، والأصفر المخضر، الأزرق المخضر، والأزرق البنفسجي والأحمر البنفسجي.
يمكنك استخدام هذه العجلة عن طريق اتباع قواعد دمج الألوان المنسقة تبعاً لأنظمة لونية محددة مسبقاً، أهمها "النظام اللوني الأحادي"، وفيه نختار لوناً واحداً مع درجاته الفاتحة والداكنة، و"النظام اللوني المماثل" ويطبق باختيار ثلاثة ألوان متجاورة على عجلة الألوان مثل الأحمر والبرتقالي والأصفر، و"النظام على أساس الألوان التكميلية" التي تقابل بعضها بعضاً على عجلة الألوان مثل الأحمر والأخضر.
إن تحديد واحد من الأنظمة اللونية السابقة يعد أبسط وأسرع طريقة لاختيار الألوان بدقة وبشكل متناسق.
النظام أحادي اللون
يعد تطبيق هذا المخطط اللوني من أبسط الطرق المتبعة لخلق مظهر متناغم في المنزل. وعلى الرغم من أن كلمة "أُحادي" تشير حرفياً لاستخدام لون واحد. إلا أنها تعني في عالم الديكور الداخلي أن هذا اللون سيتكرر عبر اختيار درجات فاتحة وغامقة منه، وهذا من شأنه التنويع وتجنب الوقوع في الرتابة، وخلق حالة انسجام وجو من الاسترخاء في المساحة المطبق فيها.
ومن أحد الأسرار الجميلة التي يمكن استخدامها عند تطبيق هذا النظام، هو اختيار أنماط مختلفة الملمس للخامات، مثل الأقمشة من النوع المتدرج اللون أو الأقمشة ذات الطبعات النافرة التي يتغير لونها بتغير كيفية سقوط الضوء على سطحها غير المستوي، فتظهر المادة ذات اللون الواحد فاتحة في مناطق معينة وغامقة في أخرى.
ويعد تطبيق هذا النظام اللوني خياراً جيداً في المساحات الصغيرة لأن وجود درجات مختلفة من اللون نفسه، يمكن أن يجعل المساحة تبدو أكبر، كما يعد اللون الأبيض عادةً لوناً مرغوباً في جميع المخططات أحادية اللون، فنجد من الشائع جداً، على سبيل المثال، استخدام أكسسوارات بيضاء في غرفة ذات مخطط أحادي اللون.
استخدام قاعدة النسب
تنص القاعدة الكلاسيكية في الديكور على أنه للحصول على مظهر أكثر توازناً وجاذبيةً لغرف منزلك، عليك اختيار لوحة ثلاثية الألوان (أساسي، ثانوي ومساند) بمبدأ "60-30-10" إذ تُشير الأرقام إلى نسب مئوية محددة لاستخدام الألوان في مساحات تصميمك، وتتم عملية الاختيار هذه بثلاث خطوات:
نختار أولاً لوناً "أساسياً" ليكون المسيطر الذي سيحتل نحو 60 في المئة من المساحة، عادة ما يكون لوناً محايداً أو نوعاً من الدرجات الخافتة التي بإمكانها أن تشغل مساحة كبيرة من دون الشعور بالإرهاق كدرجات الأبيض أو الرمادي أو البني الفاتح، ويمكن تطبيقه على الجدران والأرضية وأكبر قطعة أثاث وعلى السجاد الكبير الحجم. ثم نختار اللون "الثانوي" الذي عادة ما يكون أكثر جرأة من سابقه ويحتل نحو 30 في المئة من المساحة، يجب أن يكون مختلفاً عن اللون المهيمن ليضيف تبايناً إلى الغرفة. وعادة ما يستخدم مع قطع الأثاث المساندة والستائر والسجاد المتوسط والمفارش، ويمكن استخدامه على حائط واحد فقط.
أخيراً، نختار لوناً "مسانداً"، وهو الأجرأ، ويحتل مساحة 10 في المئة من التصميم. وتسمى هذه النسبة "نسبة المرح" التي تمنح الغرفة شخصية حيادية وتضيف ما يمكن تشبيهه بالتوابل للغرفة. لذا، يجب أن يكون اللون مشرقاً وجريئاً وواضحاً، ويطبق عادةً على المصابيح والأعمال الفنية والشموع والنباتات والأكسسوارات المختلفة.
مراعاة خصوصية كل غرفة
قبل أن تبدأ التخطيط اللوني لمساحاتك، ضع باعتبارك النقاط الخمس التالية: موقع الغرفة، عدد النوافذ الموجودة وفي أي اتجاه تقع، هل هناك مناظر طبيعية في الخارج ستؤثر في ألوان الغرفة؟ هل هي مساحة خاصة أم مشتركة؟ هل سيخصص المكان لجلسات اجتماعية ونشطة أم لجلسات هادئة.
ألوان غرفة المعيشة يجب أن تكون هادئة ومريحة. لذا، يمكنك أن تختار درجات مناسبة من الألوان الدافئة مع لمسات من الألوان المحايدة معها. ومن جهة أخرى، يجب أن تبعث غرفة النوم على الراحة. لذا، تناسبها درجات الألوان الباردة أكثر. أما بالنسبة إلى منطقة تناول الطعام إذا ما أردت أن تكون مؤنسة واجتماعية، عليك إضافة ألوان أكثر دفئاً وإشراقاً. أما إضافة اللون الأخضر مثلاً فستُضفي أجواء أكثر رسمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غالباً ما يَعتمد اختيار الألوان المناسبة لأحد الفراغات على دلالات اللون وتأثيراته النفسية، وذلك تبعاً لوظيفة كل ركن ومساحته ونوعية الأثاث المستخدم فيه، إذ يشكل علم نفس الألوان اتجاهاً كبيراً في التصميم. وهنالك ما يعرف في علم نفس الألوان بصدى اللون، وهو يدل على تأثيرات اللون الخفية والمهمة على الناحية الجسدية والنفسية. لكن يجب أن نعلم أن بعض التعميمات، ومنها أن الأخضر يساعد على الاسترخاء، والأزرق مهدئ، والأحمر منشط، قد لا تنطبق إلا عند استخدام درجات محددة من اللون المقصود.
عند اختيار لون الغرفة فكر في المزاج الذي تريد أن تعكسه. فإذا أردت توليد إحساس بالراحة والهدوء اتجه للألوان الناعمة واللطيفة. أما الدراما والنشاط فعادة ما يختصان بالألوان القوية.
أزرق الغسق الملكي
دأبت شركة الألوان والحلول الرقمية "بانتون" منذ عام 2000، أي على مدى أكثر من 20 عاماً، على اتباع فكرة نشر اتجاه لوني محدد لكل سنة، فيقوم خبراء الألوان في معهد بانتون بالبحث كل عام عن تأثيرات ألوان جديدة، إذ تتطلب عملية الاختيار هذه دراسة طويلة، إضافة إلى دراسات نفسية يشرف عليها اختصاصيون في الألوان وعلم النفس، لكي يشمل اللون المختار كل الصناعات البصرية من ترفيه وأفلام وأعمال فنية وأزياء وديكور، وليؤثر في توجهات المصممين ويُعتمد من قبلهم كلون رائج في تصاميمهم البصرية على اختلاف مجالاتها، ففي عام 1999 وعلى أبواب الألفية الجديدة، اختارت "بانتون" عند انطلاقتها "أزرق Cerulean" كلون لعام 2000، لتعود وتعلن في بداية ديسمبر (كانون الأول) اللون الأزرق الغامق ـ أو ما اسمته بحسب نظامها اللوني بـ"classic blue" لوناً رسمياً لعام 2020.
كان الاختيار هذه السنة منطلقاً من مشاعر عدم الاستقرار التي تجتاح العالم اليوم، فكان من الضروري اختيار لون يسلط الضوء على رغبتنا في بناء أساس مستقر يمكن الاعتماد عليه ونحن نعبر إلى عتبة عصر جديد، لون يولد الطمأنينة في الروح الإنسانية، فضلاً عن قدرته في عكس مشاعر السلام والهدوء وتعزيزها في عالم ملتبس مليء بالغموض.
لنترك هذه السنة اللون المرجاني المليء بالطاقة والحياة "لون 2019"، ونختبر بأنفسنا الأزرق الغامق الملكي الذي وصفته "بانتون" بأنه أنيق في بساطته، يساعد على التركيز ويعزز الطموح، مريح ويوحي بالثقة.