شبح الانهيار الاقتصادي الحاد يخيم فوق رؤوس اللبنانيين الذين انحسرت قدراتهم الشرائية مع فقدان العملة الوطنية ثلث قيمتها، واندثار الطبقة الوسطى نتيجة فقدان 160 ألف شخص وظائفهم في الأشهر الأخيرة، إضافة إلى ترنح معظم الشركات الصغرى والوسطى ما يهدد نحو 600 ألف وظيفة أخرى في القطاع الخاص، إضافة إلى تجاوز نسبة الفقر مع بداية العام 2020 إلى ما يزيد على 50 في المئة من الشعب اللبناني.
جنبلاط يحذر: "واصلين على مجاعة"
الاقتصاد اللبناني بات اقتصاداً منكوباً وفق توصيف الكثير من الخبراء الذين يعتبرون أن القطاعات الاقتصادية كافة باتت غير منتجة وشبه منهارة، ما دفع أكثر من مسؤول لبناني للتحذير من أزمة نقص حادة في المواد الاستهلاكية، والإشارة إلى أن خطر "المجاعة" يتهدد شرائح واسعة في المجتمع اللبناني، كان آخرهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، الذي قال إن الاقتصاد على باب الانهيار، إن لم يكن قد انهار، مضيفاً "واصلين على مجاعة"، كاشفاً عن خطة الحزب التقدمي الاشتراكي التي يقوم بها، وتتمثل في دعم الأسر المحتاجة، وتوزيع الحصص الغذائية، وتشجيع زراعة القمح والعدس والحبوب، وتأمين مخزون الأدوية، والاهتمام قدر الإمكان بالحالات المَرَضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقبل جنبلاط، حذر رئيس حركة الاستقلال، النائب ميشال معوض، من أزمة مجاعة شديدة جداً تشبه تلك التي حصلت خلال الحرب العالمية الأولى في لبنان. كذلك وزير المالية علي حسن خليل أشار إلى أن لبنان أمام أزمة مركّبة كانت في الفترة الماضية مرتبطة بعجز الموازنة وتحوّلت إلى أزمة على المستوى الاقتصادي والمالي، واليوم أصبح جزء من المشكلة نقديا، مضيفاً "نحن نتّجه إذا لم نبادر إلى الوصول بسرعة إلى حلول إلى مستوى من المجاعة والفقر المدقع والوقائع تعكس ذلك".
"النصف راتب" من علامات "الانهيار الكبير"
مؤشرات الانهيار الكلّي لنظام شبكة الأمان الاجتماعي المُهترئ باتت واضحة، فنحو 70 في المئة من المؤسسات الخاصة اقتطعت رواتب العاملين لديها لحدود النصف، وأخرى قد لا تستطيع دفع أية أجور في الأشهر المقبلة، إضافة إلى تقارير وزارة المال، التي أشارت إلى تراجع مداخيل الخزينة بنحو 40 في المئة، ما يطرح السؤال حول رواتب موظفي القطاع العام الذين يشكلون 38 في المئة من القوى العاملة في لبنان.
مصادر مالية تؤكد أن أموال رواتب موظفي القطاع العام مؤمنة لمدة ثلاثة أشهر، إلا أن استمرار تراجع مداخيل الخزينة بفعل تراجع عائدات رسوم الجمارك وعزوف المواطنين عن تسديد الرسوم والضرائب، يضع مصير هذه الرواتب في دائرة الخطر.
وتشير المصادر إلى أن العام 2020 سيكون عاماً انتقالياً للمواطن اللبناني من نمط حياة إلى آخر مختلف تماماً، مضيفة "مخطئ من يعتقد أنّ ما نعيشه اليوم هو الأسوأ"، متوقعة أن تبلغ الأزمة ذروتها اعتباراً من أواخر فبراير (شباط) المقبل، وتتمثّل بطي صفحة حياة الرخاء والانتقال إلى نمط حياة لم يعتده اللبناني في العصر الحديث.
تحصين "الأمن الغذائي"
وتفادياً لخطر المجاعة، بدأت تنتشر حملات تشجيعية في عدد من المناطق اللبنانية للعودة إلى زراعة الأرض واستثمارها من أجل تأمين الاكتفاء الذاتي، في ظل ضعف القطاع الزراعي في لبنان وارتفاع الواردات إلى نحو 80 في المئة من الحاجات الغذائيّة للبلد، وانخفاض الناتج المحلي منذ نهاية الحرب الأهليّة عام 1990 من 23 في المئة وباتت تشكّل 4 في المئة حالياً.
ففي مناطق جبل لبنان، بدأت بعض البلديات في دعوة أصحاب الأراضي غير المستثمرة إلى التعاون مع المجالس البلدية وتأجيرها لمزارعين من البلدة تحت إشراف البلدية لاستثمارها، وتنفيذ الحراثة والزراعة بهدف مساعدة الطبقة الفقيرة التي تواجه الغلاء في أسعار الحبوب والأطعمة الرئيسة. ووفق المصادر، قدّم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، لعدد من القرى بذور القمح لزراعتها، وسيعمل على تأمين بذور الفول والبازلاء وغيرها من الحبوب الرئيسة التي يستهلكها السكان بشكل مجاني.
وفي البقاع، طلبت المصلحة الوطنيّة لنهر الليطاني، وهي مؤسسة عامة مهمتها الأساسية تنفيذ مشروع الليطاني للري والتجفيف ومياه الشفة والكهرباء، من مصلحة الأبحاث الزراعية تزويدها بكميّة 4000 كيلوغرام من بذور القمح الطري من أجل زراعة مساحات تبلغ 15 هكتاراً في الاستملاكات التابعة للمصلحة الوطنيّة لنهر الليطاني. ثمّ باشرت بزراعة 32 دونماً من القمح في بر الياس (البقاع)، وبدأت بتحضير الأراضي في محيط سدّ القرعون في البقاع الغربي لزراعتها بالقمح، وذلك ضمن خطوات بدأت المصلحة بتنفيذها للاستفادة من الأراضي والمحافظة على الأمن الغذائي.
عام "الكارثة"
وفي سياق الأزمة، توقعت مصادر مالية أن يكون العام 2020 كارثياً على الشعب اللبناني، موضحة أنه مطلوب من البنك المركزي تأمين 18 مليار دولار نقداً لتغطية الاستيراد من الخارج واستحقاقات "اليوروبوند" للعام 2020، مع توقع ارتفاع العجز إلى سبعة مليارات دولار، وتقدر مؤسسة "فيتش" لتقييم الملاءة الائتمانية أن تبلغ ديون لبنان السيادية 154 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مع بداية العام 2020، وهو أحد أكبر أعباء الدين في العالم.
وأشارت إلى أن المدفوعات الرئيسة التي تبدأ في مارس (آذار) 2020 مع استحقاق سندات دولية تبلغ قيمتها 2.5 مليار دولار، قد تكون كبيرة للغاية بالنسبة إلى لبنان مع استمرار الضغط على سحب الودائع، الأمر الذي سيزيد من خطر عدم قدرة لبنان على السداد، موضحة أنه بالنسبة إلى المرحلة المقبلة، سيواجه لبنان استحقاقات كبيرة بالعملة الأجنبية، منها بقيمة 1.21 مليار دولار في التاسع من مارس 2020، و700 مليون دولار في 14 أبريل (نيسان) 2020، وما قيمته مليارا دولار تقريباً في 12 أبريل 2020، لتصل الاستحقاقات بالعملة الأجنبية إلى أكثر من 4.8 مليارات دولار في الربع الأول من العام المقبل.
نمط جديد... لا رفاهية
وفي إشارة مقلقة حول عدم القدرة على الاستيراد من الخارج، كشفت المصادر عن إلغاء شركات السيارات نحو 90 في المئة من العقود مع الشركات الكبرى، إضافة إلى كل ما يتعلق بحياة الرفاهية مثل المفروشات المستوردة، وعدد من الأجهزة والإلكترونيات، وندرة في الماركات العالمية والعطور المعروفة ومستحضرات التجميل والمشروبات الروحية والألعاب، كذلك بعض الأساسيات، مثل قطع غيار التي سيضطر المواطن إلى طلبها من الخارج ودفع ثمنها بالدولار ونقداً، بما يعني أن بعض السلع لن تكون متوفرة عندما يطلبها المستهلك.
ولفتت المصادر إلى أنه في حال تم وضع خطة إصلاحية صارمة مع مساعدة خارجية بضخ نحو 10 مليارات دولار في الأسواق اللبنانية كودائع أو استثمارات متوسطة الأجل، فإن الاقتصاد قادر على النهوض تدريجاً خلال ثلاث سنوات مع تسجيل أن العام 2020 سيكون الأصعب في مطلق الأحوال.