أصبحت الصورة جزءاً من الذاكرة البصرية لنا جميعاً، وعاملاً في تشكيل وعينا. غير أن هذه الصورة قد تزيف الحقيقة أحياناً أو تختلق واقعاً أو ربما تؤسس لرؤية جديدة، أو قد تتنبأ أيضا، حسب رؤية البعض، بمؤامرة تحاك في الخفاء. يدرك الفنان المصري أحمد صبري مدى ما تتمتع به الصورة من قوة وتأثير كبير في عالمنا المعاصر، خاصة حين يتم صوغ هذه الصور ضمن أطر معينة بهدف التأثير والتوجيه، كهذه الصور التي تُبث بلا توقف عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، حاملة معها الكثير من الأفكار والرؤى، مثلما تحمل في طياتها أيضاً الزيف والتناقض.
منذ العام 2008 اعتمد صبري على توظيف هذه الصور المتداولة عبر وسائل الإعلام المختلفة ومن بينها مواقع التواصل الاجتماعي، وحاول توظيفها في أطر تعتمد المفارقة التي يرسخها التناقض أو التنافر بين العناصر. جمعت أعماله تلك بين مزيج من الصور والكتابات والرسوم، وفي إطارمن التأويل للأشكال البصرية والنثرية، أو إعادة صوغها من جديد. وهو ما اتبعه مثلاً فى تجربتيه السابقتين "تلفزيون البرنس" و"الدخان الأبيض" إذ إعتمد فى عمله الأول على إعادة تأويل وصوغ الصور والمشاهد التليفزيونية، مع التأكيد على ما تضمنته من تناقضات، وارتكز فى الآخر على فكرة المؤامرة التي يروج لها البعض باستخدام الصور أو الأخبار المتداولة، في بناء نسق متماسك يدعم وجهة نظر معينة ويجمع بين وسائط متنافرة.
يعود صبري من جديد إلى هذه المساحة التي تعتمد على التناقض والتنافر بين العناصر، ولكن على نحو مختلف هذه المرة، ففي معرضه الذي تستضيفه قاعة مشربية في القاهرة حتى التاسع من يناير(كانون الثاني) تحت عنوان "حكايات الزجاج المكسور" يختلق الفنان أشكالاً وصيغ جديدة للكائنات، اعتماداً على الرسم والتلوين، وبعيداً عن الصور الجاهزة التي استند إليها في تجاربه السابقة. في هذا المعرض ينشىء صبري عالماً مختلفاً يمزج فيه بين الأشكال البشرية والحيوانية والخطوط والرسومات المجردة. أعمال ملونة وأخرى مرسومة بالأبيض والأسود يجمع بينها روح الخيال والاكتشاف، والإمعان في التوليف بين عناصر متنافرة في أغلب الأحيان. الأعمال المعروضة تُعد امتداداً لهذا النسق البصري الذي تبناه الفنان خلال السنوات العشر الأخيرة، مع اختلاف الأسلوب والطرح، هي صور ومشاهد متخيلة ومتنافرة العناصر، لكنها ربما تعكس على نحو ما تناقضات الواقع وعبثيته.
ينطلق الفنان أحمد صبري في أعماله هذه من تجربته التي خاضها قبل عام- كما يقول- وعمل خلالها كرسام في مجال الفن الكنسي، والذي تُستوحى أعماله عادة من اللوحات والموضوعات الدينية القديمة، والمعتمدة بطبيعة الحال على السرد والقصص الأسطورية وقصص المعجزات والمزج بين العالم الحقيقي والعوالم المتخيلة. هذه الرسوم الكنسية المشار إليها نفذها صبري بواسطة الزجاج المُعشق والذي يعتمد في صوغه على قطع الزجاج الملون. ومن هنا جاء عنوان المعرض (حكايات الزجاج المكسور) يرى صبري أن هذه الرسوم الحديثة هي امتداد لرسوم أخرى نفذها من قبل في بداية الألفية، ما يحمل رابطاً عاطفياً وغامضاً مع هذه الأعمال الأخيرة. وعن مراوحته بين التلوين والاستخدام المكثف للأبيض والأسود هذه المرة يرى صبري أن الرسم بالأبيض والأسود يتمتع بخصوصية، كونه يساعد في قراءة ما يدور في العقل في اللحظة التي يخرج فيها العمل الفني على السطح، ما يجعل إمكانية التعديل والحذف والإضافة صعبة وضيقة.
تخرج الفنان أحمد صبري في العام 2004 في كلية التربية الفنية، وتُراوح أعماله بين الرسم والتصوير والفيديو والرسوم المتحركة. شارك الفنان منذ تخرجه في العديد من المعارض الدولية، وله عدة معارض منفردة، منها قصة الكركدن وحقيقة مقتل مهند وتلفزيون البرنس والماسورة الأم والدخان الأبيض. إعتمد صبري في أعماله المبكرة على الميديا والصورة الرقمية مصدراً بصرياً ومفاهيمياً لمشروعه الفني، وقد استفاد على نحو خاص من البناء البصري للصورة التلفزيونية والرقمية، وما تقدمه من تكوينات شكلية معاصرة تفرضها طبيعتها الوظيفية، كمشاهد الأفلام والأخبار والإعلانات وغيرها، ومن العلاقة الناتجة عن الصورة والنص من محتوى معرفي وثقافي يعكس فلسفة الإعلام المحترف كالتليفزيون أو ما يقدمه الأشخاص على الانترنت ووسائل التواصل الإجتماعي من مشاركات تحمل محتوى ثقافي وبصري متغير ومتنوع ومثير للاهتمام.