لا شكّ في تعرّض صوت السود للتهميش في الحملات الإنتخابية للعام الجاري.
منذ بعض الوقت، يقلقني هذا التهميش. وقد أبرزت الحملات الانتخابية هذا الموضوع إلى العيان. لا شكّ أيضاً في أنّ مأساة [احتراق برج] "غرينفيل" ما تزال تشكّل جرحاً عميقاً ودامياً في المجتمع بسبب إقصاء ذوي البشرة السوداء إلى آخر المراتب.
لا بأس في سماع تلك الأصوات في مجالات الرياضة والترفيه، وكذلك من الضروري إيجاد مُكوّن سياسي يستند قوامه الأساسي على أحفاد العبيد، بهدف إحلال التوازن والإصلاح. إذ يساعد غياب هذه الأصوات وقمعها المباشر كما الخفي، على صعود مذهب القومويَّة، بمعنى والإعتقاد بوجود شيء ما بريطاني متأصل في المجتمع البريطاني، بل أنه يسري حتى في الدم.
يمكننا أن نعتبر أنّنا نحن أحفاد أكبر حركة إتجار بالبشر في التاريخ، تجارة البشر عبر الأطلسي، نميل إلى اعتبار المجتمع الغربي عالماً كبيراً وصغيراً في الآن ذاته، بمعنى أنه العالم الواسع الذي احتضن واقعة مجيئنا التاريخية والضخمة، وكذلك فإنه العالم الصغير الذي نقيم ونعيش فيه. ويفسّر هذا الميل مثلاً كون الأميركيين من أصول أفريقية معتدلين بشكل عام. فقد اختبرنا جانبي السوط.
في المملكة المتحدة، لا يتوفر سوى معلومات قليلة حول تصويت السود بشكل عام (مع أنّ أغلبية الناخبين من الأقليات الإثنية دعموا حزب العمّال في 2017). لكن، اتّضح لي عِبْرَ متابعتي الخاصة أنه بسبب وجهة نظرنا التي تميل نحو العمليّة، غالباً ما يحولوننا إلى فئة غير مرئية. ويُفَسّر ذلك بأن الموقف الوسطي غير مبهر ولا خلافي ولا يصلح للتغطية الإخبارية.
لا يشكّل الغضب أو إلقاء اللوم الهدف من وراء هذه [الكلمات]. بالأحرى، إن الأمور معقّدة وفيها الكثير من المستويات ويجب التعامل معها بعناية ولطف. في المقابل، يعمل تحجيم صوت السود خارج مجالات الذائقة الشعبية والترفيه، على تحويل المجتمع بأسره إلى مجتمع أبكم ويضعه في موقع خطير.
واستطراداً، يستطيع بوريس جونسون أن يجعل عبارة مثل "ابتسامات البطيخ" [كناية احتقارية عن الأفارقة] تخرج من ماضيه وتعود إلى دائرة الضوء مجدداً ثم تختفي كأنها لا تعدو كونها كلاماً طفولياً. ويعطي مجرّد حدوث هذا الأمر نموذجاً عن غياب الصوت الأسود. صوت البريطانيين السود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يستطيع الناس أن يحتجوا. ولقد فعلوا ذلك. وأعلنوا إنّ الرجل [جونسون] مرشّح قد لا يكون ملائماً للمنصب الرفيع الذي سعى إليه. وتماماً مثلما احتجّ البعض على "فضيحة ويندرش" [= الترحيل العشوائي للأصحاب البشرة السمراء في 2018] التي تعدّ وصمة على الديمقراطية الحديثة، يتوجّب أن تكون الأصوات حاضرة للاحتجاج وجاهزة له وقادرة عليه. في المقابل، يُزاح وزنها وقدرتها على التأثير إلى الخلف، نحو الهامش، نحو الأثير.
يتمثّل أكثر شعر اقتسبه الناس، وربما سرقوه، عن الشاعر [الإيرلندي ويليام] ييتس في قصيدة "المجيء الثاني" التي كتبها بعين وقلب الشاعر الذي أحسّ باقترابه إلى "دوران لا ينفكّ يتّسع ويكبر... إذ يدور الصقر ولا يسمع سيّده".
وتعبّر تلك الحركة الدائرية أو المُدَوّمَة عن مجتمعنا المدني، مجتمعنا المتعدد الثقافات الذي يدور حول حواف المصرف الدائري الإجتماعي والروحاني الذي تحوّلت إليه المملكة المتحدة، بالنسبة إلى كثيرين.
وتعبّر صورة الصقَّار عن حركتنا نحن البشر باتّجاه بعض العقلانية وربما السلام. وكذلك يشير "الصقر" إلى إنسانيتنا... تلك الميزة، ذاك الشيء الذي يميّزنا عن غيرنا من الحيوانات. وبحسب علمنا، لا تحتاج إنسانيتنا إلى عامل توازن مُضاد لها. لا حاجة لها إلى هذا النوع من الترابط.
ويحمل المركز التوازن، وبموجبه يعرّف الجانب المقابل له. ويضبط الطرفين المتناقضين. من دون مركز وسط، لا يوجد يمين أو يسار حقيقييين. إذ يصبحان مجرد مواقف متعارضة.
إذ يستطيع اليسار واليمين أن يناقشا ملكية الدولة، لكن وحده الوسط يستطيع أن يفسّر معنى هذا الموضوع بحسب النسبة والترابط. ليس لأنّ الوسط "يرى" الجانبين بل لأن الوسط يعرف بوجود جانبين. واستطرادا، ليس من وجود للجانبين باستقلال عن بعضهما بعضاً، بل يكونان موجودين بواسطة معارضة أحدهما الآخر. إذ يعني أحدهما دولة من دون علاقات فيما يزخر الثاني بالعلاقات.
وبحسب اعتقادي، يعني أن تكون أسود البشرة أن تفهم التوازن. ويحتاج الشعب إلى صوت بريطاني أسود أكثر من أي وقت مضى. يحتاج إلى تاريخ هذا الصوت وتجربته. ويحتاج إلى توضيحه.
* بوني غرير كاتبة مسرحية وروائية وناقدة ورئيسة جامعة كنغستون. وتتولى مسؤولية معرض "الحقبة التصحيحية" في "المتحف البريطاني"، ويستمر من يناير (كانون الثاني) إلى فبراير (شباط). وتدور إحدى الفعاليات حول الصوت البريطاني الأفريقي الكاريبي.
© The Independent