تشخص أنظار اللبنانيين هذه الأيام إلى قصر بعبدا، عله يخرج من هناك الدخان الأبيض ويعلَن عن ولادة الحكومة قبل الأعياد. إنها المرة الأولى التي يهتم فيها المواطن اللبناني إلى هذه الدرجة بتفاصيل وأسماء وبموعد إبصار الحكومة العتيدة النور. والتسريبات التي رشحت ليست كلها صحيحة، وإن كانت كذلك، فقد تكون غير مرضى عليها من الشارع. لكن هل موعد الإعلان عن هذه الحكومة بات قريباً؟ وإن كان قريباً، هل يمر قطوع الإعلان على خير.
يقول مصدر مقرب من الرئيس المكلف حسان دياب إن "الأسماء التي ستطرح تشبه البورصة، تتصاعد أسهم أحدها نهاراً لتعود وتهبط ليلاً ومن يقول إنه يعرف أسماء الوزراء وموعد التأليف، يكون ذلك نتيجة لتوقعاته ليس إلاّ.
يريدان سعد الحريري
يضيف المصدر "حزب الله وحركة أمل عبّرا عن موقفهما أكثر من مرة، بأنهما يريدان سعد الحريري حصراً في رئاسة الحكومة، وعلى مدى 57 يوماً بعد استقالته، حتى وصل الأمر برئيس مجلس النواب نبيه بري إلى القول "جبنالوا لبن العصفور وما كان ناقص بعد إلاّ نبوس إيدو". حتى رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي سُرّب عنه أنه ليس على وفاق مع الحريري وأنه لن يرضى به رئيساً مقبلاً للحكومة، صرّح من أمام بكركي "انتظرنا رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري 100 يوم ولم نحل أزمة التكليف، بدي وما بدي"، ما يعني أن جميع الأطراف حتى خصومه في السياسة، كانت متفقة على تسميته، ومن تمنّع عن تسميته هم حلفاؤه من "القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" الذي سمّى السفير نواف سلام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من بين ثلاثة أسماء
أما عن الرئيس المكلف حسان دياب، فكان ضمن الأسماء الثلاثة التي طُرحت من قبل الحريري، إلى جانب خالد قباني وسمير الخطيب. لكن اسم دياب كان غير معلن عنه بعد. وبالمناسبة، فإن صداقة تربط بين غطاس خوري مستشار الحريري وبينه. كما أن هناك من اعتبر أن عدم تسمية نواف سلام من قبل تيار المستقبل بمثابة نصف تسمية لحسان دياب.
وعن القبول بحكومة تكنوقراط مع الرئيس المكلف ورفضها مع الرئيس سعد الحريري، يقول المصدر "ليس بالإمكان وجود شخصية مستقلة تماماً أو غير ملونة سياسياً، وهذا ليس عيباً، وتصعيد الحريري وتمسّكه بشروطه كان لإرغام الفريق الآخر على تقديم التنازلات، لكن البلد ليس في وضع يمكّنه من الترف السياسي وتضييع الوقت والانتظار، ومع هذا حاول الثنائي الشيعي وعلى مدى 57 يوماً بعد الاستقالة، حثه على القبول. قد يكون الحريري تخوّف من العودة وإضاعة ما تبقّى له من رصيد سياسي، هو الذي استقال بناءً لرغبة الشارع، من ضمنه شارعه أيضاً".
ليس من لون واحد
اما بخصوص شكل ولون الحكومة، فيؤكد المصدر ذاته أن حسان دياب ليس من لون واحد. والحكومة ستتألف من 18 وزيراً، تسعة مسلمين وتسعة مسيحيين، كما أن دياب سيأخذ في حسبانه ستة أسماء من النساء.
وفي ما يتعلّق بحكومة اختصاصيين، يرى المصدر "أن ليست هناك شخصية لبنانية غير ملونة سياسياً وإن كانت غير حزبية، فما العيب في اللواء ابراهيم بصبوص، الذي طُرح اسمه لتولي وزارة الداخلية وهو معروف بقربه من تيار المستقبل، إضافة إلى الدكتور جميل جبق وهو معروف بقربه من "حزب الله"، لكنه ليس حزبياً". ويضيف أن "الكل يريد حصة من الحكومة، حتى لو كان ما يُشاع إعلامياً أن الأحزاب متعففة. الكل أرسل بطريقة مباشرة وغير مباشرة لائحة أسماء إلى الرئيس المكلف، كما أن الرئيس الحريري تمنّى على دياب أن يبقي على وزارتَيْ الاتصالات والداخلية من حصة تيار المستقبل".
السرعة مطلوبة
وعن موعد إعلان التوليفة الحكومية، يقول المصدر "السرعة مطلوبة والرئيس يريد أن تتشكل الحكومة قبل نهاية العام، لكن ذلك مرتبط بقدرة الأطراف على التفاهم وعلى التسميات وعلى المواقع، ذلك أنّ من سمّاه ومن لم يسمّه، يريد حصة في الحكومة العتيدة، الكل متدخل والكل ينكر والكل يريد ويظهر بمظهر المتعفف".
وللاطلاع على رأي تيار المستقبل في تأليف الحكومة وعن التسريبات التي ظهرت أخيراً والتي تقول إن تأخير التشكيل ليس الاً سبباً لعودة سعد الحريري، تحدثت "اندبندنت عربية" إلى مصطفى علوش، عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل الذي ردّ على فرضية أن عدم تسمية تيار المستقبل السفير نواف سلام هي تزكية أو دعم للرئيس المكلف "أن هذا الخبر غير وارد وغير صحيح ومدسوس دساً، قرارنا كان واضحاً لا تسمية، ولا ثقة لحسان دياب". وينفي علوش صحة أن يكون الحريري قد تمنّى على الرئيس المكلف بقاء وزارتَيْ الداخلية والاتصالات من حصة المستقبل.
ويقول "كان هدف الحريري منذ البداية أن تكون الحكومة حكومة تكنوقراط اختصاصيين، وعدم السماح للأحزاب بالتدخل عبر طرح أسماء ولوائح، فكيف يقوم هو بطرح أسماء وهو رافض لهذا المبدأ".
بانتظار تأليف الحكومة
وحول مدى قبول تيار المستقبل بأسماء متخصّصين، لكن قريبة من الأحزاب كما في حالة الدكتور جميل جبق واللواء ابراهيم بصبوص، يقول علوش "اللواء بصبوص عسكري ومستقل وغير منتم لأي من الأحزاب، وإن كانت تسميته كمدير عام لقوى الأمن الداخلي تمت عبر تيار المستقبل، هذا لا يعني أننا طرحنا اسمه لتولي وزارة الداخلية، كما لأي وزارة أخرى. أما في حالة الدكتور جبق، فهو أتى عبر تسميته من حزب الله".
وهل من الممكن أن يعطي تيار المستقبل الثقة للحكومة؟ يوضح علوش "إننا بانتظار التوليفة النهائية لها. وستمر بجلسات ثقة في مجلس النواب. ثقتنا تأتي بعد معرفة الأسماء والبرنامج الذي ستطرحه".
لا مانع من العودة
وعن إمكانية عودة الرئيس الحريري، يقول علوش إنه "لا مانع من العودة لكن بشروطه التي وضعها منذ البداية حكومة اختصاصيين مستقلين".
وسط هذه الأجواء، يذكر مصدر مطلع على التداولات الحاصلة بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية أن الحكومة ليست ناضجة بعد في ضوء إصرار "حزب الله" على عدم تأليف حكومة مواجهة، خصوصاً بعد موقف الحريري من دياب، ما يعني رفع الغطاء السني عن الأخير.
كما أن دياب يُصر على حكومة من اختصاصيين مستقلين، وهذا ما لا يريده "حزب الله" وموقفه جاء واضحاً من بكركي وعلى لسان الشيخ محمد عمرو الذي قال "إننا كحزب الله مع حكومة مؤلفة من أشخاص ذوي كفاءة واختصاصيين ونظيفي الكف، على الرغم من كل انتماءاتهم السياسية، فلا يعني الانتماء السياسي شيئاً مقابل نظافة الكف والاختصاص"، مضيفاً "في لبنان، لا نتصور أن هناك مستقلاً بالمعنى الاستقلالي للكلمة، ولهذا لا بدّ من أن تكون هذه الحكومة ذات اختصاص، كما قال رئيس الجمهورية ميشال عون، لكن أن يؤيدها المجلس النيابي، وأن تستطيع أن تقوم بعملها ضمن هذه الشبكة الموجودة من التعقيدات الإقليمية والدولية".
بما تيسّر
ويتابع المصدر المطلع أن "الحزب يريد من هذه الحكومة أن تراعي الشارع السني وهو بغنى عن حكومة مواجهة حالياً، في ضوء العقوبات المتتالية عليه وعلى حلفائه. لكن رئيس الجمهورية لا يعنيه توجه وهواجس الحزب، هو يريد إخراج الحريري نهائياً من السراي أو ربما من الحياة السياسية، لذا نراه متعجلاً مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة بما تيسّر".
ويضيف "من الواضح التباعد في وجهات النظر بين "حزب الله" من جهة والرئيس عون والرئيس المكلف من جهة أخرى، حول شكل وعدد الوزراء والتوازنات السياسية، ما يضع مسألة التشكيل كلها في مهب الريح، وقد يكون هذا تمهيداً لعودة الحريري".