استنفرت تصرفات تصريحات تركيا إزاء الأزمة الليبية المجموعة الدولية، وزاد إعلان وزير داخلية حكومة السراج تشكيل حلف ليبي تركي جزائري تونسي لمواجهة قوات قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، المشهد العام توتراً، ما دفع الجزائر إلى الرد سريعاً باجتماع مجلسها الأعلى للأمن، واتخاذها إجراءات لحماية حدودها الطويلة مع الجارة ليبيا.
تدخل تركيا في ليبيا... تبون في أول تحد خارجي
وتضع الأزمة الليبية الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون في مواجهة تحد محفوف بالمخاطر على الأمن والاستقرار في المنطقة، خصوصاً في ظل التدخل التركي الفاضح، الذي حاول بطريقة أو أخرى، إقحام الجزائر في المشهد بشكل "غير بريء"، ما استدعى عقد اجتماع أمنى رفيع بالجزائر العاصمة، برئاسة الرئيس تبون، ضمن المجلس الأعلى للأمن الذي يجتمع عادة في الظروف الأمنية الاستثنائية أو لمواجهة خطر داهم على البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنظر إلى توقيت الاجتماع، وما صدر عنه من قرارات تتمثل في اتخاذ جملة من التدابير لحماية الحدود والإقليم الوطنيين، وكذلك، إعادة تفعيل دور الجزائر وتنشيطه على الصعيد الدولي، لا سيما في ما يتعلق بهذين الملفين، وبصفة عامة في منطقة الساحل والصحراء وفي أفريقيا، فإن التحرك التركي بـ "رقصات" الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استنفر الجزائر التي تعيش وضعاً داخلياً صعباً، على الرغم من بوادر الانفراج بنجاح الانتخابات الرئاسية التي أفرزت رئيساً جديداً للبلاد بعد ثمانية أشهر من الانسداد السياسي، إذ صرح الرئيس التركي من تونس أنه من الضروري إشراك الجزائر في مؤتمر برلين الذي انتقد الرئيس تبون عدم دعوة الجزائر لحضوره، وقال إن الجزائر لن تقبل بإبعادها عن الحلول المقترحة في الملف الليبي، ودعا كل أطراف النزاع إلى الحوار للخروج من الأزمة الحالية.
أردوغان يناور لإحراج الجزائر
ويعتبر أستاذ القانون الدولي إسماعيل خلف الله في حديث لـ "اندبندنت عربية"، أن الملف الليبي أصبح محل صراع دولي، ودخول تركيا على الخط يندرج في هذا الإطار، لكن "عندما نرى تصريحات أردوغان بخصوص مشاركة الجزائر في مؤتمر برلين، فإنه يصنف في خانة المناورة والإحراج للدول الفاعلة في الملف الليبي". وقال إن الجزائر غابت بشكل رهيب بعد سحب الملف من تحت أقدامها باتجاه الصخيرات المغربية، مضيفاً أن تصريحات الرئيس التركي قد تكون من أجل حشد تأييد لصالح تدخل تركيا في ليبيا لمواجهة الرافضين، وأوضح أن الجزائر تقف على مسافة واحدة من السراج وحفتر، لأنها المعني الأول بما يحدث في ليبيا لعدة اعتبارات وأهمها الحدود الطويلة.
وتتوجس الجزائر من التدخل الخارجي في ليبيا، وعلى الرغم من أنها تدعم حكومة فايز السراج في تناغم مع تركيا، غير أن عزم أنقرة إرسال قوات تركية إلى الجارة الشرقية "أغضب" الجزائر التي رأت أن الخطوة تفتح أبواب الصراع الدولي على أرض ليبيا التي تشترك مع الجزائر في حدود طولها حوالى 1000 كيلومتر.
حكومة السراج "تضغط"
وبينما لم تأخذ تصريحات أردوغان من تونس أي منحى في حينه، غير أن خروج وزير الداخلية في حكومة السراج والقول إنه تم تشكيل حلف ليبي- تركي- جزائري- تونسي لمواجهة حفتر، ترك الانطباع أن أردوغان لم يكن بريئاً في حديثه عن مشاركة الجزائر في مؤتمر برلين.
إن تصريح وزير داخلية حكومة الوفاق لطفي باشاغا بخصوص تحالف مع تونس والجزائر لمواجهة زحف حفتر، وأن "سقوط العاصمة طرابلس يعني سقوط تونس والجزائر لأنّ شمال أفريقيا مستهدفة من العملية الأخيرة التي قام بها المشير خليفة حفتر، وأنّه مشروع كبير لخلق الفوضى في المنطقة الأفريقية"، كل ذلك، زاد من هواجس الجزائر التي اعتبرت التصريحات المتتابعة من أنقرة وطرابلس مؤشراً على اتجاه الوضع في ليبيا إلى التعفن والفوضى بما يهدد أمن المنطقة واستقرارها.
تخفيف إجراءات منح التأشيرة للجزائريين... أنقرة تغازل
ويشير الإعلامي المختص في الشأن الأمني عمار قردود لـ "اندبندنت عربية" إلى أن تركيا تريد جرّ الجزائر إلى المستنقع الليبي وتوريط جيشها، وكشف عن أن أردوغان طلب لقاء الرئيس الجزائري تبون، لكن الأخير اعتذر، ليزور الرئيس التركي تونس، موضحاً أن تركيا تحاول جاهدة استمالة الجزائر لمساعدتها في التدخل العسكري، ولذلك طالبت بضرورة حضور الجزائر مؤتمر برلين، ثم ألغت التأشيرة على الجزائريين أقل من 15 سنة وأكبر من 65 سنة، في تحول مفاجئ بعد تشديدها إجراءات منح التأشيرات للجزائريين السنة الماضية، وأبرز أن الرئيس تبون سيرسل مبعوثين إلى عدد من الدول المعنية بالملف الليبي لعرض مبادرة جديدة لحل الأزمة الليبية.
وأوضح قردود أنه تم الشروع في نشر 10 آلاف عسكري جزائري على كامل الشريط الحدودي البري مع ليبيا، مع تنصيب منصات صواريخ وتخصيص قمرين لمسح الحدود، مضيفاً أن قوات الجيش الجزائري في حالة تأهب قصوى تحسباً للتدخل العسكري التركي في ليبيا، واحتمال سيطرة قوات الجنرال خليفة حفتر على طرابلس.
الجزائر متمسكة بالحل السلمي... هل تنجح؟
وكان الرئيس الجديد تبون أكد في خطاب تنصيبه أن "الجزائر أولى وأكبر المعنيين باستقرار ليبيا، أحبّ من أحبّ وكره من كره، ولن تقبل أبداً بإبعادها عن الحلول المقترحة للملف الليبي"، موضحاً "سوف تبذل الجزائر مزيداً من الجهد، في سبيل تحقيق استقرار ليبيا الشقيقة والحفاظ على وحدتها الشعبية والترابية، وهذا من واجباتنا وأولوياتنا". ووجه دعوة إلى جميع الإخوة الليبيين إلى لمّ صفوفهم وتجاوز خلافاتهم ونبذ التدخلات الخارجية التي تباعد بينهم وتحول دون تحقيق غايتهم في بناء ليبيا الموحدة المستقرة المزدهرة، وقال إن الجزائر تفتح أبوابها واسعة لاستقبال الأشقاء الليبيين للتحاور متى أرادوا، ولن تقصر في توفير كل الوسائل والإمكانات في سبيل تحقيق هذا الهدف، مشدداً على أن الجزائر ستظل تنأى بنفسها عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما ترفض بقوة محاولات التدخل في شؤونها الداخلية، مهما كانت تلك المحاولات.