مع تصاعد التطورات على صعيد الأزمة الليبية، حيث بدأ البرلمان التركي مناقشة مذكرة تفويض لإرسال قوات عسكرية لدعم حكومة الوفاق في العاصمة طرابلس برئاسة فايز السراج، زار اليوم الاثنين المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي، القاهرة لـ"عدة ساعات"، وفق ما ذكر مصدر رفيع المستوى لـ"اندبندنت عربية"، ناقش خلالها مع المسؤولين المصريين تطورات المعارك في الساحة الليبية و"جهود مكافحة الإرهاب والميليشيات المسلحة في محيط العاصمة الليبية، فضلا عن بحث مزيد من الدعم المصري".
وذكر المصدر المطلع أن الجانب المصري "جدّد موقفه الثابت من دعم الجيش الليبي في حربه على الإرهاب"، مشيراً إلى أن المباحثات التي عقدت مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فضلا عن لقاءات متعددة مع قيادات عليا في الدولة، أطلع خلالها المشير الليبي المصريين على آخر التطورات على الأرض في محيط العاصمة الليبية طرابلس.
وتابع المصدر أن حفتر طالب القاهرة بمزيد من الدعم السياسي أمام المجتمع الدولي في مواجهة الموقف التركي الساعي لإرسال قوات عسكرية إلى طرابلس، مشيرا إلى أن حفتر سيزور دولا أخرى، على رأسها اليونان، خلال الساعات المقبلة، لـ"بحث تداعيات التصعيد التركي الأخير والتدخل السافر في الشأن الليبي وتداعياته الخطيرة على أمن واستقرار ليبيا والمنطقة".
ومنذ إطلاقه عملية "تحرير طرابلس"، على حد تسميته، في الرابع من أبريل (نيسان) الماضي، زار حفتر القاهرة 3 مرات بشكل علني، كان آخرها في الثالث من أغسطس (آب)، حيث التقى الرئيس المصري، وطالبه بمزيد من الدعم للجيش الوطني الليبي في المحافل الدولية، وبخاصة فيما يتعلق برفع الحظر على تسليحه.
وقبل أسبوع، قال السيسي، في تصريحات إعلامية، إن القاهرة "لن تسمح لأحد أن يعتقد أنه يستطيع السيطرة على ليبيا والسودان، ولن نسمح لأحد بالسيطرة عليهما"، وأضاف "لن نتخلى عن الجيش الوطني الليبي" الذي يقوده حفتر، معتبراً أنه "أمر في صميم الأمن القومي المصري"، مشيرا إلى أن السودان وليبيا "دول جوار" مباشر لمصر.
اجتماع عربي طارئ
وفي هذه الأثناء، وبالتزامن مع زيارة حفتر، أعلنت الجامعة العربية عقد اجتماع طارئ غداً الثلاثاء، بناء على طلب مصر، على مستوى المندوبين الدائمين لبحث تطورات الأوضاع في ليبيا.
وبحسب ما أعلنت الجامعة العربية، في بيان لها، فإن الاجتماع سيعقد في مقر الأمانة العامة للجامعة في القاهرة، "لبحث التطورات في ليبيا واحتمالات التصعيد هناك بما ينذر بتهديد استقرار ليبيا والمنطقة".
ويأتي ذلك الاجتماع بعدما وقّعت حكومة الوفاق الليبية، ومقرها طرابلس وتعترف بها الأمم المتحدة، اتفاقين في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مع أنقرة، الأول يتناول التعاون العسكري، والثاني محوره الترسيم البحري بين تركيا وليبيا. واتفاق التعاون العسكري بين أنقرة وحكومة الوفاق يفسح المجال لتركيا لزيادة تدخلها العسكري في ليبيا، دعما لحكومة الوفاق في معركتها ضد "الجيش الوطني الليبي" بقيادة المشير خليفة حفتر.
وتتهم القوات الموالية لحفتر تركيا بمدّ حكومة الوفاق بأسلحة ومستشارين عسكريين. وفي يونيو (حزيران)، هددت هذه القوات باستهداف مصالح تركيا في ليبيا. وترفض مصر باستمرار أي تدخل أجنبي في الشؤون الليبية وتحذّر من عواقبه.
تحركات مصرية مكثفة
في السياق ذاته، بحث الرئيس المصري، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصال هاتفي "أخطار تصعيد عسكري" في ليبيا، داعيين "مجمل الفاعلين الدوليين والليبيين إلى أكبر قدر من ضبط النفس"، وفق ما أعلن في بيانين للرئاسة المصرية والفرنسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب السفير بسام راضي، المتحدث باسم الرئاسة المصرية، فإن السيسي أكد خلال اتصاله بماكرون موقف القاهرة المطالب بضرورة وضع حد للتدخلات الخارجية غير المشروعة في الشأن الليبي، موضحاً أن الاتصال بين الطرفين شهد استعراض عدد من الملفات الإقليمية، بخاصة تطورات الأوضاع في ليبيا، حيث أكد السيسي ثوابت الموقف المصري الهادف إلى استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا، ودعم جهود مكافحة الإرهاب وتقويض نشاط الميليشيات المسلحة، وكذلك وضع حد للتدخلات الخارجية غير المشروعة التي من شأنها زيادة تفاقم الوضع.
ومن جانبه، أكد ماكرون سعي فرنسا لإيجاد حل سياسي في ليبيا، وذكر راضي أن الرئيسين توافقا على تكثيف الجهود الثنائية، وكذلك مع الشركاء الدوليين، للعمل على حلحلة الوضع الحالي المتأزم في الملف الليبي، على نحو يتضمن جميع جوانب القضية.
إلى ذلك، وفي ثالث اتصال بينهما في غضون أيام، أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري، صباح اليوم الاثنين، اتصالا هاتفياً بنظيره الإيطالي لويجي دي مايو.
وقال أحمد حافظ، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، إن الاتصال تناول مستجدات الأوضاع في ليبيا، حيث أكد الوزيران على ضرورة العمل على تكثيف الجهود في سبيل استعادة الأمن والاستقرار، مع رفض التدخلات العسكرية الأجنبية في الساحة الليبية، والتي من شأنها عرقلة مسار التوصل لتسوية سياسية شاملة تتناول معالجة كافة جوانب الأزمة، وفي إطار مسار برلين السياسي.
يذكر أن الاتصال بين شكري و لويجي هو الثالث في الأيام الأخيرة، حيث سبقه اتصالان في الـ22 و19 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
التصعيد "خطير"
وفي هذه الأثناء، رأى موفد الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة أن الاتفاقين اللذين وقعتهما حكومة الوفاق الليبية مع أنقرة أخيرا يشكلان "تصعيدا في النزاع" ويسهمان في "تسريع تدويله وتوسعه لا سيما إلى المجال البحري".
وقال سلامة، خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة "لوموند" الفرنسية، ونشرت الاثنين، إن الاتفاقات التي وقعتها حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج مع تركيا "تشكل تصعيدا للنزاع عبر توسيعه إلى مناطق بعيدة عن ليبيا، لا سيما ما يتعلق بالخلاف بين اليونانيين والأتراك حول ترسيم الحدود البحرية، والذي يطرح مشاكل حادة". وأضاف أن هذا الأمر "أسهم في تسريع تدويل النزاع، وتوسعه لا سيما إلى المجال البحري، وأيضا في التصعيد العسكري بكل معنى الكلمة".
وتوقف سلامة عند تزايد "التدخل الخارجي" خلال الأسابيع الأخيرة في ليبيا، قائلا "لقد خاب أملي، وأنا محبط جدا، كون أي قرار لم يصدر عن مجلس الأمن يدعو إلى وقف لإطلاق النار، وذلك بعد تسعة أشهر من المعارك في طرابلس". ورأى أن هذا يؤدي إلى "تضاعف التدخلات الخارجية وازديادها خطورة".
وقال سلامة "إننا نرى أيضا مرتزقة من جنسيات عدة، بينهم روس، يصلون لدعم قوات حفتر في طرابلس. وهناك حديث عن قوات عربية، على الأرجح قادمة من سوريا، قد تكون انتشرت في جهة حكومة الوفاق، بالإضافة إلى وصول عدد من الطائرات من سوريا إلى مطار بنغازي في الشرق".
وردا على سؤال عن عجز مجلس الأمن الدولي عن فرض قرار حظر السلاح إلى ليبيا، قال سلامة "ليس اللاعبون الإقليميون فقط هم الذين يخرقون هذا الحظر، بل أعضاء في مجلس الأمن. نحن إذاً في مواجهة وضع خطير جدا، حيث مصداقية الأمم المتحدة على المحك".
"قوات سورية" إلى طرابلس
ميدانياً، وفيما تتواصل المعارك على مشارف العاصمة طرابلس، أعلن اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الليبي، أن نحو 300 "إرهابي" من سوريا وصلوا إلى طرابلس، أرسلتهم أنقرة، للدفاع عن حكومة الوفاق. وبحسب المسماري، فإن القوات الليبية باتت على مشارف حي الهضبة في طرابلس.
وتشهد ليبيا نزاعا وحالة من الفوضى منذ سقوط معمر القذافي في عام 2011. وتعترف الأمم المتحدة بحكومة الوفاق التي تتخذ من طرابلس مقرا، لكن البرلمان الليبي المنتخب، الذي يتخذ من شرق البلاد مقرا، لا يعترف بشرعية حكومة الوفاق، بل يدعم حكومة موازية في الشرق و"الجيش الوطني الليبي" بقيادة حفتر.