مع وصول الاشتباكات المسلحة إلى مشارف الأحياء السكنية داخل طرابلس، وتحديداً إلى "حي بوسليم" كما يعرف في المدينة، شهدت معركة العاصمة الليبية، الاثنين 30 ديسمبر (كانون الأول)، تطوراً بدا صغيراً في حجمه تناقلته وسائل إعلام بشكل عابر، وعدّه خبراء عسكريون، على رأسهم الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي أحمد المسماري، تغييراً جديداً في نوع المعارك وشكلها خلال الأيام والأسابيع المقبلة، بعد أن حاول انتحاريان اثنان تفجير نفسيهما خلال الاشتباكات الدائرة في الضواحي الجنوبية للعاصمة. وقالت مصادر عسكرية، قبل أن يؤكد المسماري ذلك، إنهما "من بين المقاتلين السوريين الذين نقلتهم تركيا إلى ليبيا خلال الأيام الماضية".
منعرج خطير
وهي المرة الأولى منذ بداية القتال التي تشهد معارك طرابلس عملاً انتحارياً، عادة ما ينفذه مقاتلون يعتنقون الأفكار المتطرفة لتنظيمي "داعش" و"القاعدة"، إلا أن القوات المسلحة تمكنت من منعهما قبل الوصول إلى الهدف المنشود.
وفي هذا الشأن، قال أستاذ العلوم السياسية، جمال الشطشاط، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إن "ظهور انتحاريين وعلى خصورهم أحزمة ناسفة في طرابلس منعرج خطير ذو دلالة واضحة على نوع وعقيدة المقاتلين الذين أدخلتهم تركيا إلى ليبيا، ورسالة للجميع مفادها أن المعركة لم تعد معركة ضد ميليشيات مسلحة عادية، بل حرب حقيقية على إرهاب دولي عابر للحدود خطره يمس الجميع في المنطقة".
وأضاف "بدخول هؤلاء المعركة سيأخذ سير المواجهات منحى جديداً تماماً وأكثر تعقيداً وصعوبة"، لافتاً إلى أن "معركة طرابلس الآن بالمعطيات الجديدة، ستأخذ شكلاً سيذكرنا بمعركتي بنغازي ودرنة، بما فيهما من تفاصيل مليئة بالمفخخات والعمليات الانتحارية والألغام، ومع ذلك أصبح الجيش خبيراً بمعركة مثل هذه بعد سنوات من القتال ضد داعش والقاعدة في شرق ليبيا".
تهديد تركي للسلم الإقليمي
من جهته، قال المسماري في مؤتمر صحافي عقده مساء أمس الاثنين، إن "منطقة الحظر الجوي التي أعلن عنها الجيش الشهر الماضي قائمة حتى الساعة"، لافتاً إلى تحقيق ما وصفه بـ"الإنجازات الكبرى للجيش في الأيام الماضية وخسائر جسيمة في صفوف المجموعات الإرهابية مع توجيه ضربات جوية مكثفة على مواقع محددة في مطار معيتيقة".
واتهم المسماري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتهديد أمن المنطقة بأسرها، لافتا إلى أن "الدعم التركي للمجموعات الإرهابية في ليبيا كان أمراً متوقعاً، قبل نقل أردوغان مئات الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا من جنسيات عدة، ومن بينهم انتحاريون ومتخصصون في التفجيرات، ولاؤهم لتنظيمي داعش والقاعدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر أن أنقرة "تخترق كل المواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن وتهدد الأمن والسلم الدوليين، بما تفعله في ليبيا من دعم علني للتنظيمات الإرهابية".
وذكر أن تركيا "تنقل الإرهابيين إلى ليبيا عبر مطاراتها وموانئها برحلات جوية غير مدرجة على الرحلات الاعتيادية بين إسطنبول- طرابلس وأنقرة- إسطنبول- مصراتة، وأنها باعتبارها ملاذاً آمناً للقيادات الإرهابية، تفكر في الاستفادة منهم عبر إرسالهم إلى دول أخرى"، متهماً أردوغان بالسعي إلى السيطرة على ثروات ليبيا، وخصوصاً حقول البترول والغاز.
ثناء على تونس
وأثنى المسماري على ما قام به الشعب التونسي من رفض لما وصفه بـ"المؤامرة التركية"، قائلاً إنه "ينمّ عن وعي بمخاطرها على المنطقة، وكذلك القيادة التونسية التي رفضت الانخراط في مخطط أردوغان للتوسع"، مرحباً "باجتماع الجامعة العربية لمناقشة الوضع الليبي وبحث سبل صون الأمن العربي".
وانتقد المسماري مرةً جديدة المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، قائلاً "كنا نتوقع منه أن يتحدث عن نقل تركيا متطرفين إلى ليبيا، والذي ثبت بالصوت والصورة، لكنها تحدث للأسف كالعادة في مسار آخر". وحاولت "اندبندنت عربية" التواصل مع غسان سلامة عبر مكتبه الإعلامي، للرد على هذه الانتقادات، ولم تلق أي رد.
استنفار أمني في طرابلس
ميدانياً، شهدت الأحياء الداخلية في طرابلس استنفاراً أمنياً ملحوظاً، عده مراقبون مؤشراً على مخاوف أمنية من تحرك خلايا نائمة داخل العاصمة، بعد تزايد ظهور ملثمين في مقاطع مصورة يهددون بعمليات تستهدف القوات الموالية لحكومة "الوفاق".
وقالت وزارة الداخلية التابعة للحكومة على صفحاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي إن "هذه الخطوة تأتي في إطار الجهود الأمنية التي تبذلها الأجهزة التابعة للوزارة في حفظ الأمن وحفظ الممتلكات العامة والخاصة".
وأضاف البيان "الدوريات الأمنية ووحدة التحري والقبض كثفت عمل الدوريات داخل بلدية تاجوراء ومدينة طرابلس، من خلال تفعيل البوابات الأمنية المتحركة والثابتة وتفتيش المركبات الآلية"، وضبط من وصفتهم بـ"المجرمين والخارجين عن القانون".
تونس تعلن الطوارئ
وفي سياق متصل، قرّر الرئيس التونسي، قيس سعيّد، الاثنين، تمديد حالة الطوارئ في البلاد شهراً إضافياً، بدءاً من 1 يناير (كانون الثاني) 2020 حتى 30 من الشهر ذاته.
ويتزامن هذا الإجراء، الذي جاء عشية الاحتفالات باستقبال السنة الجديدة، مع ازدياد حدة المعارك في طرابلس بين القوات المسلحة الليبية والجماعات المسلحة الموالية لحكومة "الوفاق"، وتخوف تونس من تبعاتها الأمنية داخل أراضيها، وهي التي تربطها حدود مع ليبيا يمتد طولها لنحو 500 كلم.
توجس موسكو
من جانبه، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن "روسيا ليست واثقة من أن الناتو سيلتزم الاتفاقيات إذا فرضت منطقة حظر طيران فوق ليبيا، وأن الفكرة تذكرنا ببدء غزو الناتو للبلاد".
يأتي ذلك بعد تزايد مطالبات أوروبية بفرض هذا الحظر لمنع نقل المقاتلين والأسلحة إلى ليبيا، ما يشكل خطراً أمنياً على "القارة العجوز".
وقال لافروف، خلال مؤتمر صحافي عقده الاثنين "فيما يتعلق بفكرة إعلان منطقة حظر طيران فوق ليبيا، فإنها تذكرنا بشيء سيئ. لقد بدأ الناتو في قصف ليبيا بعد اتخاذ مجلس الأمن الدولي قراراً بإعلان منطقة حظر طيران فوق ليبيا".