بكلمات مقتضبة وإنما معبرة، أعلن الرئيس الأسبق لشركة رينو- نيسان، اللبناني الأصل كارلوس غصن، وصوله إلى لبنان، منهياً إقامة جبرية فرضها القضاء الياباني عليه، بعد توجيه سلسلة اتهامات إليه بعدم الإفصاح عن كامل دخله في شركة نيسان واختلاسه أموال الشركة واستخدامها لمنافع شخصية.
"أنا الآن حر في لبنان، لم أعد رهينة نظام قضائي ياباني منحاز، حيث جرى افتراض الذنب، لم أهرب من العدالة، لقد حررت نفسي من الظلم والاضطهاد السياسي. يمكنني أخيراً التواصل بحرية مع الإعلام اعتباراً من الأسبوع المقبل". بهذه الكلمات القليلة، عبر غصن عن الواقع الذي عاشه منذ اعتقاله قبل 13 شهراً، وتحديداً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، عندما حطت طائرته في مطار طوكيو، والذي تعرض فيه لقيود شديدة على حريته الشخصية، إذ أمضى نحو 108 أيام في الاعتقال قبل إطلاقه بكفالة، ليعاد ويتم توقيفه مع توجيه الادعاء الياباني تهماً جديدة إليه، عاد بعدها إلى إطلاق حريته بعد إمضاء 21 يوماً إضافياً في السجن. ولكن الإفراج كان مشروطاً بقيود تمنع عنه السفر بعدما تم احتجاز جواز سفره، أو لقاء زوجته فضلاً عن كفالة قدرها 4.5 مليون دولار.
وإذ كشف الوزير المستقيل القاضي سليم جريصاتي فور شيوع خبر وصول غصن، أن الدخول شرعي وتم بجواز سفر فرنسي وهوية لبنانية، كما هي حال اللبنانيين الذين يدخلون لبنان بجواز سفر أجنبي، أكدت مصادر رسمية أن لبنان يتعاطى وفق الأصول والاتفاقات الدولية والدخول كان شرعياً ولم يكن لدى السلطات اللبنانية أي سبب أو مانع قانوني يحول دون دخوله.
الخارجية: لا استرداد
وفي الرد اللبناني الرسمي الأول على دخول غصن الأراضي اللبنانية، أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين بياناً أكدت فيه أن غصن "دخل لبنان فجر أمس بصورة شرعية بحسب ما أكد الأمن العام اللبناني أن ظروف خروجه من اليابان والوصول إلى بيروت غير معروفة منا وكل كلام عنها هو شأن خاص به".
وأكد بيان الوزارة أن "لبنان وجه إلى الحكومة اليابانية منذ سنة مراسلات رسمية بخصوص غصن بقيت من دون أي جواب، وقد تم تسليم ملفٍ كاملٍ عنها إلى مساعد وزير الخارجية اليابانية أثناء زيارته إلى بيروت قبل أيام".
ولفت إلى أنه "لا توجد مع اليابان أي اتفاقية للتعاون القضائي أو الاسترداد، لكن الدولتين وقعتا على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهي المرتكز الذي تم اعتماده في المراسلات التي وجهها لبنان إلى السلطات اليابانية. ويهم الخارجية اللبنانية أن تؤكد حرص لبنان على أفضل العلاقات مع الدولة اليابانية".
بدورها، أصدرت المديرية العامة للأمن العام بياناً قالت فيه إن "المواطن المذكور دخل لبنان بصورة شرعية ولا توجد أي تدابير تستدعي أخذ إجراءات بحقه أو تعرّضه للملاحقة القانونية".
عازوري: شروط الادعاء
وقد أثارت عودة غصن إلى بيروت شهية الإعلام على رصد حركته، وإذا ما كان توجه إلى منزله الذي يخضع أساساً للمراقبة الدائمة منذ اعتقاله، فيما وُضع هذا الموضوع على مشرحة القانون لفهم ما سيرتبه من ارتدادات، لا سيما أن بعض المراقبين ذهب بعيداً في السؤال عن الانعكاسات على العلاقات بين بيروت وطوكيو، خصوصاً إذا ما طلبت الأخيرة استرداد الرجل.
عن هذه التساؤلات التي حملتها "اندبندنت عربية" إلى المحامي أكرم عازوري الذي تابع عن كثب ملف غصن، وكان له دراسات ومقالات قانونية في شأنه، يجيب بالقول إن القانون اللبناني يحاكم في لبنان كما يحاكم القانون الفرنسي في فرنسا. فمن الناحية القانونية الصرف، لا ملف قضائياً بغصن في لبنان، وليس لديه ملف في فرنسا. وتبعاً لذلك، له حرية الخروج والدخول والانتقال في كل من فرنسا ولبنان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال "يمكن للسلطات اليابانية أن تطلب من المدعي العام اللبناني استرداد غصن إلى اليابان، كما يمكنها أن تعد طلباً مماثلاً عند الاقتضاء للسلطات الفرنسية. لكن، بغياب معاهدة مع اليابان، فإن القانون الداخلي الفرنسي أو اللبناني يمنعان على أي من الدولتين أن تسلم أياً من رعاياها. وهذا يعني أنه في حال تقديم مثل هذا الطلب من الجانب الياباني، إلى أي من الدولتين، تطلب عندئذ الدولة المعنية من المدعي العام الياباني أن يرسل إليها الملف القضائي كاملاً لدرسه، لكي يصبح في إمكان المدعي العام في البلد المعني أن يقرر في ضوء أحكام القانون الداخلي في بلده".
القانون والجنسيتبن
والسؤال هل إن القانون اللبناني أو الفرنسي، ونتحدث عن هذين البلدين لأن غصن يحمل الجنسيتين اللبنانية والفرنسية، صالح للادعاء على غصن بخصوص أفعال ارتكبها خارج فرنسا أو لبنان؟
على القضاءين اللبناني أو الفرنسي لكي يحسما الأمر، أن يتحققا من توافر ثلاثة شروط مجتمعة:
- أن يكون الفعل المنسوب معاقباً عليه في اليابان.
- وأن يكون معاقباً عليه في لبنان أو في فرنسا.
- وأن تفوق العقوبة السنوات الثلاث.
وعندما يتحقق المدعي العام من توافر هذه الشروط، يقرر الادعاء عليه في بلده (فرنسا أو لبنان) وفي الحالة هذه وكون غصن جاء إلى لبنان، فإن هذا المسار القضائي يجب أن يتم مع السلطات القضائية اللبنانية. أما إذا تبين للمدعي العام عدم توافر الشروط المشار إليها فله الحق في حفظ الملف.