مقتل قائد فيلق القدس الجناح الدولي للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بغارة أميركية بدا يكشف شكل المواجهة لعمليات ظلت إيران تتباهى بإدارتها في عدد من البلدان المجاورة، وبين معارضيها الذين تتعدد انتماءاتهم بينهم شعوب أطلقت شعارات ضد تدخلات سليماني في سوريا والعراق واليمن ولاعبين إقليمين ودوليين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية.
لم يكن قاسم سليماني "جنرال الظل" و"الجنرال الشبح" أو "حفيد قوروش" كما يصفه الإعلام الإيراني، مسؤولاً عادياً في إيران، إذ تعددت صلاحياته بين دعم عسكري لميليشيات تنوعت أسماؤها في العراق وسوريا واليمن ولبنان وأفغانستان وباكستان، وتدخلات سياسية وصلت حد تعيين سفراء لإيران في الدول التي تستعر فيها الصراعات الإقليمية.
أزمة داخلية
ووصلت هذه الصلاحيات حداً، إذ دعا سليماني في فبراير (شباط) العام الماضي رئيس النظام السوري بشار الأسد واستقبله في طهران من دون أن تعلم حكومة حسن روحاني، ما أثار أزمة داخلية أدت إلى استقالة وزير الخارجية محمد جواد ظريف قبل أن يتراجع الأخير عن قراره بوساطة مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي.
منحه خامنئي وسام "ذو الفقار" وهو أعلى وسام عسكري في البلاد ليقدمه كورقة في الصراعات التي تضطلع بها إيران في دول الجوار لتوسيع نفوذها، والضغط على الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً بعدما قررت حكومة الرئيس ترمب تبني سياسة أقصى الضغوط على إيران.
بقاء الأسد في الحكم
وتجلت الإجراءات التي اتخذتها إيران في صراعاتها الخارجية خلال السنوات الماضية في عدد من دول الجوار منها سوريا، إذ أسهمت بشكل رئيس في بقاء الأسد في الحكم من خلال عمليات عسكرية أدت إلى مقتل مئات الآلاف وتهجير ملايين السوريين داخل البلاد وخارجها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحشد الشعبي
وفي العراق، أسهمت إيران في تأسيس الحشد الشعبي على غرار قوات التعبئة الشعبية في إيران (الباسيج) واستغلت محاربة "داعش" كذريعة لتعزيز نفوذها، إذ ظهر قاسم سليماني مراراً في عدد من هذه المعارك إلى جانب ميليشيات تحصل على دعم سخي من إيران.
وبعد هزيمة "داعش"، عادت تلك الميليشيات من جبهات القتال إلى أروقة الحكم والمؤسسات المالية، وبدأت طهران تحصد نتائج استثمارها لهذه الميليشيات قبل أن تهب الجماهير الغاضبة في أرجاء العراق ضد الفساد وسوء الخدمات وتدخّلاتها. وكشف اقتحام مباني عدد من القنصليات الإيرانية في المدن العراقية والشعارات ضد خامنئي وسليماني حجم الغضب الشعبي في البلد الذي لم ينهض بعد على الرغم من مرور سنوات على سقوط النظام السابق.
قوات "قدس"
وفي اليمن، دعم الجناح الخارجي لقوات "قدس" الذي كان يرأسه سليماني ميليشيا الحوثي في زحفها على مفاصل الحكم بقوة السلاح، وقدّم لها دعماً لوجستياً بتزويدها بصواريخ استهدفت عدداً من المرافق المدنية في السعودية، واتُّهم الحرس الثوري بتنفيذ هجمات بقيق التي استهدفت منشآت أرامكو السعودية، ما أدى إلى تعطيل جزء من إمدادات الطاقة العالمية لفترة.
ومع مقتل قاسم سليماني، البيدق الرئيس لتدخلات إيران الإقليمية، تبدو الميليشيات المنتمية إلى البلد في أسوأ حالاتها، إذ كان القائد الميداني الأساسي لمخططات تعوّل عليها طهران كثيراً لتوسيع نفوذها، والضغط على أعدائها الإقليميين والدوليين، على الرغم من أن مرشد الجمهورية الإيرانية قد أكد بعد مقتله أنه "لن تتوقف مسيرته على الرغم من رحيله".
وكان يصفه خامنئي بـ "الشهيد الحي" ووصف سليماني نفسه أنه "الجندي المخلص لولي الفقيه".
وبينما اعتبره أنصاره، ومن بينهم مسؤولون إصلاحيون ومحافظون بطلاً قومياً يدير عمليات الحفاظ على سيادة البلاد في الخارج، رأى معارضوه فيه عاملاً أساسياً في انعدام الأمن في المنطقة.
وعمد نظام الجمهورية الإيرانية خلال سنوات الحرب إلى الدعم الخفي للميليشيات المنتمية إليه، واتسمت عمليات الحرس الثوري بالسرية، ولم تنشر تفاصيل كثيرة عن طبيعتها، لكن خلال العقد الأخير لم تدّخر الماكينات الإعلامية في البلاد وخارجها جهداً لتقديم قاسم سليماني كبطل قومي، يؤدي خدمات جليلة لنظام الجمهورية الإسلامية.
وتباهى كثيرون من المسؤولين الإيرانيين بسرد ذكريات لهم مع سليماني في ظل تنامي شعبيته بينهم، كما لقي ترحيباً بين معارضين للنظام الإيراني يوصَفون بالعنصريين، ذلك أن العمليات التي قادها سليماني جلبت نفوذاً لإيران في البلدان العربية.
"لقد طفح الكيل"
وتولى قاسم سليماني قيادة قوات "قدس" في سن الـ 40 بعد منحه رتبة لواء وكان قبلها قائداً لإحدى الفرق التابعة للحرس في مدينة كرمان. ولم تظهر له مواقف سياسية معلنة خلال السنوات الأولى لانتمائه لهذا الجهاز الأمني العسكري. وعام 1999، طُرح اسمه في وسائل الإعلام بعدما نشر مع مجموعة من قادة الحرس، تهديداً ضد الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي بسبب السياسات التي انتهجها بعد الفوز في الانتخابات.
وكان الموقعون على رسالة التهديد قد خاطبوا خاتمي بقولهم "لقد طفح الكيل ولم يعد الصمت جائزاً" إذا لم يلتزم خاتمي بقيم الثورة.
ذلك الموقف، اعتبره كثيرون بدايةً لتدخل الحرس الثوري في الشؤون السياسية، خلافاً للقوانين التي تمنع العسكر من هذه التدخلات.
وبعد سنوات، تحوّل حضور أعضاء الحرس في المناصب الحكومية إلى أمر طبيعي إذ تنتمي غالبية أعضاء البرلمان وحكام الأقاليم وأعضاء الحكومة إلى هذا الجهاز.
أدوار دبلوماسية
في مثل هذه الأحوال، اضطلع قاسم سليماني بأدوار لم تقتصر على ساحات المعارك العسكرية، بل بأدوار سياسية لم تواجه رفضاً من حكومة حسن روحاني، إذ عيّن دبلوماسيين من أعضاء فيلق "قدس" في مناصب مختلفة، منهم السفير الحالي لدى العراق إيرج مسجد جامعي الذي كان لسنوات، كبير مستشاري سليماني.
وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في رده على سؤال حول طبيعة العلاقة بينه وسليماني "أكنّ له الاحترام الخاص، تربطنا علاقات وطيدة منذ 20 عاماً ونعمل معاً عن كثب لتحقيق أهداف الجمهورية الإسلامية".