يستسيغ أبناء كل جيل أن يروا أنهم أمام منعطف تاريخي، ويحبون أن يشعروا أن ما يُقدمون عليه سيخلف أثراً عميقاً في مستقبل أولادهم، وأولاد أولادهم وكل ذريتهم. وأمام إلحاح الحاضر، من اليسير المبالغة في تقدير أثر خياراتنا في رسم وجه المستقبل. ولكن في بريطانيا 2019، وبعيداً من المبالغة، لا شك في أننا فعلياً أمام لحظة نادرة مهمة في التاريخ.
فأزمة بريكسيت، عملية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، بلغت مبلغاً يفوق أبرز الحوادث الدولية الأخيرة المحرجة التي شهدتها بريطانيا، وهي أزمة السويس في 1956. فالانسحاب من الاتحاد الأوروبي على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي والديبلوماسي وعلى المستوى الأمني، هو كارثة غير مسبوقة ستودي بالمملكة المتحدة إلى مسار انحداري لا فكاك منه.
وفي الإمكان تجنب هذه الأزمة، ولكن السياسيين يتخاذلون عن الإقدام على ما يقتضيه الأمر. ولا يخفي أغلبية من زملائي في البرلمان أن بريكسيت سيلحق الضرر بناخبيهم، ولكنهم لا يزالون يعتقدون أن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي يخدم مصالحهم الضيقة، لذا، يسمحون به. والنواب يُقدمون مصالحهم السياسية على المصلحة الوطنية. وهم يخشون إبلاغ ناخبيهم بواقع الأمور. وفي وقت لا يقيم هؤلاء السياسيون وزناً للحجج المنطقية وجلّ ما يهمهم هو المخاطر الانتخابية، آن أوان أن يُظهر لهم الناس أنهم لن يغفروا لهم هذا الإخفاق.
وعلى نحو ما قال نيلسون مانديلا ذات يوم "صانعو التاريخ الفعليون هم رجال ونساء بلدنا العاديون". ولكن اليوم، يقتضي التغيير أن ترصّ الجموع صفوفها وأن تتظاهر وأن تقول كلمتها. ومسيرة الثالث والعشرين من مارس (آذار)، قبيل 6 أيام من موعد هذا الخطأ التاريخي، هي فرصة الإقدام على ذلك، أي على رصّ الصفوف واتخاذ موقف واضح. فإذ يتجمع مئات الآلاف منا في عزّ الظهيرة في بارك لاين، سنمشي إلى البرلمان في وستمنستر للمطالبة بحل الأزمة التي تهدّد مستوى عيشنا ووظائفنا وحتى حقوقنا.
في هذه المسيرة، سنكون بصحبة كل الجموع التي لطالما وقفت تاريخياً للمطالبة بمطالب محقة في احتجاج سلمي. وأعني بالجموع هذه 500 ألف رجل وامرأة تجمعوا بهايد بارك في 1908 للمطالبة بحق المرأة في الاقتراع، و400 ألف شخص ساروا في مسيرات في أكتوبر (تشرين الأول) 1983 للمطالبة بوضع حد للأسلحة النووية، ومئات الآلاف الذين طالبوا بوقف الاقتطاعات العامة وسياسة التقشف في 2011.
وشأن أولئك الرجال والنساء، علينا أن ندرك أن مساعينا قد تخفق، ولكن عزاءنا هو أننا دافعنا عما هو محق.
وبعضهم يخشى أن التحرك قبل أسبوع من بريكسيت هو تحرّك متأخر بعد فوات الأوان، ولكن نجاحنا يحدده المدى الذي ستبلغه أصواتنا وقوة أفعالنا. ومهما قرّر البرلمان في الأسابيع المقبلة، ومهما صادق على تعديلات، تلك الأيام المصيرية هي فرصتنا لإقناع النواب بالاحتكام في هذا القرار من جديد إلى الناس.
وستطالب حركة "العودة إلى الشعب" في مسيرة 23 مارس بمزيد من الديمقراطية، وهو مطلب يتعذر تجاهله. سنرفض أن نُخيَّر بين الانسحاب من دون اتفاق ناظم يحدد الشروط وبين الاتفاق الذي تقترحه رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، على النواب. فمثل هذا الخيار هو مثل الاختيار بين السيء والأسوأ. ولن نقبل الاختيار بين صيغ من بريكسيت، وهي صيغ رأت تقديرات الحكومة نفسها أنها ستجعل البريطانيين، إلى حد كبير، أكثر فقراً. ولن نقبل بالكذبة القائلة إن الديمقراطية حسمت الأمر في 23 يونيو (حزيران) 2016، يوم الاستفتاء على بريكسيت، وأن لا عودة عن القرار ويتعذر تغييره أو تعديله.
وحان وقت أن ننزل إلى الشارع وأن نرصّ الصفوف لحماية فرص عملنا ولإبقاء أبواب أعمالنا مشرعة، وتأمين التمويل للمدارس والمستشفيات ورفض مزيد من الحجج التي تسوغ عقداً آخر من التقشف القاسي. وسنقف لنطالب بالتزام رؤية دولية إلى دور المملكة المتحدة، وندعو إلى مستقبل يكون فيه قادتنا في صدارة طاولة القرار الأوروبي، وأن يؤدوا دوراً وزاناً في مد الجسور بين القارة الأوروبية والولايات المتحدة. ندعو إلى مستقبل تتعاون فيه أجهزة الأمن البريطانية من كثب مع حلفائنا في أوروبا لحماية بريطانيا من المخاطر المعولمة. وندعو إلى بلد يتمتع فيه أولادنا بفرصة الدراسة والعيش والعمل في أصقاع أوروبا من دون قيود، ولا ندعو إلى مستقبل تضيق فيه آفاقهم وتُقص فيه أجنحتهم.
وكل من يهتم بهذا البلد، وكل من يشعر بأنه خُدع بوعود كاذبة في الاستفتاء الأخير، وكل من يرغب في ختم النقاش الذي يستنفد قوانا، عليه أن يُعدّ للمسيرة، وأن يرفع صوته.
نحن على مشارف انهيار وطني تاريخي. لذا، انضموا إلينا في 23 مارس للمساهمة في إبعاد بلادنا عن حافة الهاوية.
*نائب عمالي عن توتنهام البريطانية
© The Independent