بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، استنفرت إسرائيل كل قياداتها وأجهزتها الأمنية والعسكرية على جميع الجبهات القتالية (الشمالية، والجنوبية)، واعتبرت نفسها جزءاً من دائرة الاستهداف للرد على عملية الاغتيال التي نفذتها أميركا بالعراق بتعليمات من رئيسها ترمب.
ولزيادة التحصين الأمني، قطع رئيس الوزراء الإسرائيلي زيارته إلى اليونان وعاد مباشرة إلى تل أبيب ليشرف على اجتماعٍ أمني يضم أكبر الرتب العسكرية، لدراسة جميع احتمالات المخاطر على إسرائيل.
لم تنتظر إسرائيل كثيراً لتأمن جبهتها الجنوبية (مع قطاع غزّة)، وأرسلت تحذيراً خطيراً إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي، عبر الوسطاء المصريين، من الرد على عملية اغتيال سليماني، وضرورة النأي بقطاع غزة عن المواجهة العسكرية.
تحذير لحماس والجهاد الإسلامي
وفي متابعة ذلك، علمت "اندبندنت عربية" أنّ جهاز المخابرات المصرية، سلّم رسالة إلى الفصائل على ساحة غزّة، وعلى رأسها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، لتحذيرها من التفكير بالرد على عملية "البرق الأزرق" من ميدان القطاع.
وجاء في الرسالة، أنّه في حال فكرت الفصائل في غزّة، بالانتقام لدم سليماني، فإن إسرائيل ستقوم بالرد على ذلك في عملية عسكرية مفتوحة ضد قطاع غزّة، تشمل اجتياحاً برياً كبيراً يدمر الكثير من مقرات حركتي حماس والجهاد الإسلامي ومواقعهما، لذلك على الفصائل النأي بقطاع غزة وضبط النفس وعدم التعامل على أنّ القطاع طرف في الرد على العملية الأميركية.
وبحسب المعلومات الواردة، فإنّ إسرائيل طلبت عبر مصر، من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ضرورة حماية الحدود الشرقية (تربط القطاع بإسرائيل)، خوفاً من قيام مجموعة من الفصائل بإطلاق صواريخ صوب مستوطنات غلاف غزّة، وفي حال حدث ذلك فإن الفصيلين يتحملان المسؤولية، وسترد تل أبيب بالشكل المناسب على ذلك.
وجاءت هذه الرسالة التحذيرية، بناء على تقديرات أمنية إسرائيلية بأنّ إيران تنوي الرد على مقتل سليماني من سوريا وغزّة، وأنّ تل أبيب ستكون جزءاً من الرد الإيراني، بخاصة مع وجود توقعات بأن تكون أميركا أطلعت نتنياهو على خطة عملية الاغتيال وقرارها، وفقاً للإعلام العبري.
ردان للفصائل
لكن ثمّة ردين كانا للفصائل في قطاع غزّة على التحذير الإسرائيلي، الأوّل خارج قطاع غزة ويتمثّل بمشاركة كلّ من الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في مراسم تشييع سليماني، بعدما وصلا إلى طهران لتقديم العزاء للمرشد الإيراني علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني.
بينما تمثل الرد الثاني داخل قطاع غزّة، إذ أقامت الفصائل (حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية ولجان المقاومة الشعبية) مجلس عزاء لسليماني، رفعت فيه أعلام فلسطينية وإيرانية، وصور لسليماني، وحضره عدد من قيادات الفصائل من بينها حماس، وسط غياب واضح لحركة فتح.
وعلى هامش مجلس العزاء، قال إسماعيل رضوان القيادي في حركة حماس "نحمّل الإدارة الأميركية وإسرائيل تداعيات اغتيال قاسم سليماني، وسنبقى في قطاع غزة، أوفياء لمَن دعم فلسطين وطوّر إمكانات الفصائل (في إشارة إلى سليماني).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رد ناعم
يرى المحلل السياسي حسام الدجني أنّ خطاب حركة حماس تجاه مقتل سليماني ناعم لتحافظ على تطور علاقاتها مع دول العالم، كونها تقع على سدة الحكم، موضحاً أنّ حديث هنية في طهران جاء كلاسيكياً ليتناسب وتطور حماس الأخير في انفتاحها على أميركا وأوروبا وعدد من الدول العربية.
وفي ما يتعلق بخطاب هنية في طهران بعد مراسم تشييع سليماني، فإنه قال "عمليات الاغتيال لن تكسر مشروع المقاومة، الذي سيعمل على دحر إسرائيل من المنطقة، ويوقف البلطجة الأميركية، التي ظهرت واضحة في عملية اغتيال سليماني، والتي تعطي ضوءاً أخضر لإسرائيل لارتكاب جرائم في المنطقة".
وفي استعراض رد حركة الجهاد الإسلامي، فإنّ الملاحظ أنّها اكتفت ببيان النعي والعزاء وذكر محاسن ومواقف سليماني في دعمهم وتطويرهم داخل قطاع غزة وخارجه، وبالمشاركة في بيت العزاء الذي أقيم في غزة.
وعلى الرغم من القرب الكبير بين إيران والجهاد الإسلامي، إلا أنّ الأمين العام زياد النخالة لم يلقِ كلمة في مجلس عزاء سليماني، يعلل ذلك الدجني بأنّ شخصية فلسطينية واحدة (خطاب هنية) تكفي لتمثل وجهة نظر الفلسطينيين، بخاصة أن كلا الفصيلين له العلاقة ذاتها مع الجمهورية الإيرانية، ولا فائدة من تكرار الخطابات مع اختلاف الشخصيات.
غزة ليست جزءاً من الرد
وبحسب مصدر فصائلي، قال لـ "اندبندنت عربية" لن تشارك غزة في عملية الرد على مقتل سليماني، وستبقى طرفا محايداً، للحفاظ على التقدم الكبير الحاصل في إمكان الوصول إلى هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل والقطاع.
وبيّن المصدر أنّ إيران لن تطلب من غزة أن تكون هي مصدر الانتقام لدم سليماني، وفصائل غزة لن توافق على ذلك حال حدوثه، مشيراً إلى أنّ قرار الذهاب إلى التصعيد أو الانتقام ليس بيد حماس وحدها أو الجهاد الإسلامي، بل بيد غرفة العمليات المشتركة، التي تتخذ قراراتها بناءً على المصالح الكبيرة، بما لا يضمن أيّ خسائر للمواطنين.
ويؤكد ذلك المحلل السياسي حسام الدجني بأنّ غزة لن تكون مصدر الرد الأوّل على مقتل سليماني، بل قد لا تشارك من الأساس في الرد على مقتله، كون أن عملية الاغتيال موجهة لإيران ذاتها، والرد سيكون لها، ولا علاقة للحلفاء في ذلك للحفاظ على عدم إشعال المنطقة.
ويعتقد الدجني بأن تبقى الردود من غزة ناعمة، وتقتصر على الجانب السياسي فقط، والتصريحات إلى وسائل الإعلام، مع بعض وقفات التضامن لا أكثر.