أبقت إسرائيل حالة التأهب، التي سادت المناطق الحدودية، شمالاً تجاه سوريا ولبنان، وجنوباً تجاه غزة وفي مختلف السفارات والممثليات في دول العالم على حالها.
وشهدت المناطق الحدودية حركة طيران نشطة، فيما أبقى الجيش على قراره في إغلاق جبل الشيخ، الذي يصله آلاف الإسرائيليين للتزلج، خشية تنفيذ عمليات فيها من قبل إيرانيين أو حلفاء لإيران من الأراضي السورية.
تحذيرات
وعلى الرغم من تحذير أمنيين وخبراء من إبعاد إبقاء الملف الإيراني على رأس أجندة المؤسستين السياسية والعسكرية، إلا أن رئيس الحكومة، المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو، يواصل التظاهر في استمرار التنسيق مع الأميركيين بكافة الخطوات المتعلقة بإيران، ليعلن أنه بحث مع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، ثلاث مرات خلال أقل من أسبوع، سبل التعاون في كيفية التعامل مع أي رد إيراني وأبعاد عملية الاغتيال.
وفيما تعامل الإسرائيليون بمنتهى الجدية مع التهديدات الإيرانية وما تضمنه الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وضع مسؤولون أمنيون ضمن السيناريوهات المتوقعة أن تستغل طهران والمنظمات التابعة لها، الغضب على تصفية قاسم سليماني من أجل الضغط المنسق، في محاولة لإبعاد القوات الأميركية عن المنطقة، وهي خطوة تثير القلق الإسرائيلي، كما وضع البعض سيناريوهات تنفيذ عمليات كبيرة ضد سفارات إسرائيلية أو ردود إيرانية محدودة.
ودعا نتنياهو إلى اجتماع طارئ للمجلس الوزاري المصغر (الكابينت) اليوم الاثنين، والتزم وزراء الحكومة بمطلب نتنياهو عدم التطرق إلى الملف الإيراني، فيما واصلت قيادة الأجهزة الأمنية بحث سبل التعامل مع مختلف السيناريوهات والتوقعات التي تخطط لها إيران للانتقام.
نصرالله يضع قواعد جديدة
اعتبر أمنيون خطاب نصرالله، رسالة واضحة لإسرائيل، ووصفه البعض بـ "الخطاب شديد اللهجة" الذي وضع من خلاله قواعد جديدة في المنطقة، ودعوا متخذي القرار الى التعامل بمنتهى الجدية مع خطاب نصرالله والتهديدات الإيرانية، في وقت رأى خبراء وسياسيون أن الإيرانيين سيركزون على القواعد العسكرية الأميركية وليس على إسرائيل.
توقعات
وبينما كانت توقعات شخصيات إسرائيلية رفيعة المستوى، قبل اغتيال سليماني تعاظم المواجهة العسكرية مع إيران في سوريا والعراق، يتوقع أمنيون، بعد الاغتيال، دخول اعتبارات أخرى إلى المعادلة، خصوصاً ما يتعلق بالعمليات التي ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا لمنع تهريب الأسلحة لحزب الله أو إحباط تمركز عسكري إيراني في سوريا.
في هذا الجانب اختلف الإسرائيليون في كيفية التعامل مع أي تطورات محتملة، وفيما حذر البعض من أن عمليات كهذه قد تشعل ناراً إقليمية، أعلن سياسيون، وفي مقدمهم نتنياهو أن الملف السوري سيبقى بيد إسرائيل وستواصل ما تسميه حقها في منع التمركز الإيراني أو لحلفاء إيران في سوريا، وألمح البعض إلى ضرورة مواصلة هذه العمليات وعدم التراجع عن الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل.
احتمالات المواجهة أقل
يرى الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي غيورا أيلاند، أن إيران لن تبادر إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل في المستقبل المنظور. وليس من شأنها أن تقرر خطوة هجومية، إلا إذا نجحت في تحقيق على الأقل واحد من ثلاثة أهداف: التزود بسلاح نووي، تثبيت وجود عسكري قوي في سوريا مثل حزب الله، وتزويد الحزب وميليشيات أخرى بعدد كبير جداً من الصواريخ الدقيقة.
ويقول أيلاند "إن النجاح الإيراني في تحقيق واحد على الأقل من هذه الأهداف الثلاثة، سيكون، على ما يبدو، شرطاً ضرورياً للمبادرة إلى مواجهة ضد إسرائيل، ولكنه ليس كافياً".
وخلافاً لآخرين يتوقع أيلاند احتمالات المواجهة بين إسرائيل وإيران عام 2020، أقل مما كانت عليه قبل اغتيال سليماني.
ويقول "لا يعني هذا، أنه لن يكون توتر، ولا يمكن استبعاد إمكانية محاولات شن عمليات ضد سفارات إسرائيلية أو ردود إيرانية محدودة – مثلاً، بعد نشاط إسرائيلي ضد مصلحتهم في سوريا وفي أماكن أخرى".
في المقابل، إذا كانت مواجهة، وإن مع حزب الله فقط، فعندها كما قال رئيس الأركان، أفيف كوخافي، ستكون قاسية للجبهة الإسرائيلية الداخلية.
من جهة ثانية، يقول الخبير العسكري عاموس هرئيل، إن تقديرات أمنيين في إسرائيل، تشير إلى أن الإيرانيين سيرون أنفسهم ملزمين بالرد، سواء بسبب مكانة سليماني الرفيعة، أو بسبب التزامهم العلني مرة تلو الأخرى مؤخراً.
لكن طهران ستضطر كما يبدو، بحسب هرئيل، إلى العثور على رد يبقي الأحداث في المنطقة تحت مستوى الحرب، على ضوء الفجوة الكبيرة بين القدرات العسكرية للدولتين، وبسبب الخوف الذي يثيره السلوك غير المتوقع للرئيس الأميركي ترمب.
وما بين هذه التوقعات لا يسقط الإسرائيليون من حساباتهم أن يؤدي اغتيال سليماني إلى إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات حول الملف النووي لتحصل على اتفاق أفضل من السابق يعود إلى مصلحتها في كافة الجوانب.
من جانب آخر، اتخذ الجيش الإسرائيلي احتياطاته لاحتمال أن يأتي الرد من التنظيمات الفلسطينية، وفي خطوة استباقية بعثت إسرائيل برسالة تحذير لهذه التنظيمات في الضفة وغزة عبر مصر، مهددة بأن أية عملية انتقامية من الطرف الفلسطيني ستأتي برد إسرائيلي غير مسبوق.