إذاً هما يتهيّآن للتوجه إلى كندا، أو على الأقل يبدو الأمر كذلك. لكن قصر باكنغهام رفض "التكهّنات" بأن دوق ودوقة "ساسّيكس" اللذين ما زالا يُعرفان أكثر بإسم ثنائي المسلسلات التلفزيونية "هاري" و"ميغ"، يحلمان بالانتقال إلى تورنتو. وقد استمتع الزوجان أخيراً بإجازة الأعياد التي استمرّت ستة أسابيع (لطيفة!). إنه مكان تعرفه ميغان جيّداً من أيام تصويرها المسلسل الشهير Suits. لكن كلمة "تكهّنات" عادةً ما تعني في شيفرة القصر الملكي أن هذه الأخبار "صحيحة لكنها غير جاهزة للإفراج عنها". لذلك أفترضُ أن حقائبهما باتت جاهزةً فعلا. ويؤمل في ألا تكون للسبب علاقة بفوز بوريس جونسون في الانتخابات أو بالأجواء المثيرة وإن كانت مرعبة في بريطانيا ما بعد الخروج من الاتّحاد الأوروبي.
وأمام التركيز الصحافي الدائم الذي يتناولهما، والتعرّض للملاحقة المزعجة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي أقسام التعليقات على مواقع صحافة التابلويد الشعبية، لا أستطيع القول إنني ألومهما. إن البعض من هذه المطاردة عنصري، أما الباقي فيلامس حدود العنصرية. لا يمكن للزوجين القيام بأي شيء بشكل صحيح وفق ما يقوله كثير من منتقديهما غير المطّلعين. حتى بطاقة عيد الميلاد الخاصة بهما كان من المفترض أن يتمّ تعديلها غرافياً (مَن يأبه إذا كان الأمر كذلك على أي حال؟). لقد تعرّضا للكراهية بفعلٍ من بعض الأشخاص الأكثر تشويشاً الذين لم يلتقوا ولن يلتقون أبداً بأيّ من أفراد العائلة المالكة. تمّ الاستهزاء بهما من جانب منافقين ولا بدّ من أن ذلك قد ألحق الأذى بهما. وكما قالت ميغان في المقابلة الصريحة التي أجراها معهما توم برادبي على شبكة ITV: "لا يكفي مجرّد تخطّي مشكلة ما، أليس كذلك؟ هذه ليست نقطة الحياة. بل عليك أن تزدهر، ويجب أن تشعر بالسعادة."
وأضافت ميغان: "حاولتُ حقّاً اعتماد ذلك الشعور البريطاني بالثبات والرزانة. حاولت، وقمتُ بجهد من أجل ذلك. لكنني أعتقد أن ما يحدثه هذا التصرّف في داخلي، هو على الأرجح ضررٌ حقيقي."
ولم تكن ميغان بحاجة إلى أن تضيف أنها هي وهاري لا يريدان أن يترعرع إبنهما آرتشي وسط الاضطهاد الإعلامي القاسي الذي يتعرّضان له، وهو نفسه الذي كانت والدة هاري، ديانا أميرة "ويلز"، قد عانت منه (وساهم في وفاتها المبكّرة).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يمكن المجادلة بأن أعداءهما قد فازوا ودفعوا بهما إلى المنفى (وإن كان منفى مريحا). قد يكون ذلك صحيحاً أيضا. وأشك في أنهما كانا ينويان الذهاب إلى أي مكان آخر (كانت جنوب إفريقيا خياراً آخر) لولا حملة الكراهية التي تشنّها عليهما بعض الصحف. لكنهما ما زالا يفكّران بشكل مفيد في ماذا يعني أن يكونا من العائلة المالكة بالحدّ الأدنى بالنسبة إلى هذه الأيام، وما هي الطريقة الفضلى للقيام بذلك وكيف يتم تحديد هذه "الوظيفة"، أينما كانا يعيشان؟
إن سيّدي "ساسّيكس" يقومان بتحديث بيت "وندسور". إنهما يعاودان اختراع الملكية بشكل فعّال أو على الأقل يعملان على إضافة نموذج بديل عنها للسنة 2020 وما بعدها. وستتغيّر قريباً الأمور لأسباب واضحة وتتركّز الأسئلة مرّةً أخرى على وظيفة هذه المؤسّسة الملكية. هذا هو العالم حيث التمييز فيه بين الملوك والمشاهير يشوبه عدم وضوحٍ بشكل يائس. إنه عالمٌ لا تتمتّع فيه العائلة الملكية البريطانية بأي سلطة سياسية أو دستورية (ولا ترغب في ذلك). عالم لم يختفِ منه الاحترام منذ فترة طويلة فحسب، بل تم استبداله بما هو أسوأ بكثير من الكراهية أو الاحتقار، إنه عدم الاكتراث. هو عالم، والعبارة مستعارة، فقدت فيه العائلة المالكة قوّتها ولم تجد فيه لنفسها دوراً بعد.
وأمام تزايد عدد المنتمين إلى سلالة "وندسور"، فإن أفراد عائلات "ساسّيكس" و"ويسّيكس" و"يورك" و"كينت" و"غلوستر" وكل ما تبقى من العشيرة الممتدة لمملكة "روريتانيا" الخيالية، ينمون أكثر فأكثر بعيداً عن الخلافة وعن أي دورٍ عام مفيد. فهل يمكن تمييز أحدهم على أنه من "كينت"؟ لا أعتقد. وفي مثل هذا العالم، هم في أحسن الأحوال من المشاهير الجانبيّين. وكمشاهير صغار، يمكنهم أن يقوموا بأمرٍ جيّد على طريقة المشاهير الثانويّين.
يمكن أن يمضي هؤلاء وقتهم في أن يكونوا سفراء للنيّات الحسنة، وفي القيام بأعمالٍ خيرية، وفي الترويج للقضايا الجديرة بالاهتمام (ويشمل ذلك للمناسبة البيئة وتغيّر المناخ). وقد استمر هذا الدور بالفعل أعواماً عدّة، لكن إذا اتّخذ هاري وميغان من كندا مقرّاً لهما لبعض الوقت (وهي دولة عضو في الكومنولث حيث تُعدّ الملكة رأس الدولة)، فقد تكون لديهما حرية أكبر في تشكيل الأشياء على طريقتهما.
وقد يكون التخلّي عن لقب صاحب أو صاحبة السمو الملكي جريئا، لكنهما لن يكونا أقلّ شهرة أو بريقاً نتيجة لذلك (تماماً كما لم تتوقّف ديانا عن أن تكون إحدى أكثر الوجوه شهرةً على كوكب الأرض، عندما فقدت لقبها). أما التحفّظ الوحيد في كلّ ما تقدّم، فهو أنه لن يكون من الصواب أن يواصل هاري وميغان هذا الحضور على مستوى كبار ممثّلي العلاقات العامّة على حساب دافعي الضرائب البريطانيّين أو حتى الأموال الملكية "الخاصّة" (لا يوجد شيء من هذا القبيل). ويمكن أن يجدا صعوباتٍ أقلّ في العثور على تمويلٍ من خلال الرعايات أو التبرّعات الخاصّة، في حين أن ميغان الممثلة الناجحة في حدّ ذاتها، هي الأخرى ثرية. ولن يتقدّم الثنائي بطلب للحصول على "رصيد عالمي" على أي حال. فحظّاً سعيداً لهما، في "ألعاب إنفيكتوس" الرياضية لمعوّقي الحروب التي يشرف عليها هاري، وفي جميع مشاريعهما الأخرى.
تتمتّع العائلة المالكة بامتيازاتها ودورها ومزاياها من خلال موافقة الشعب الذي يدعمها مالياً واجتماعياً وسياسيا. لكن هذه المميّزات قد تضيع بسرعة وبشكل دائم كما هي حال الأمير أندرو التي تقشعر لها الأبدان. قد لا يفهم أعداء العائلة ذلك، لكن هاري وميغان يحاولان في الواقع إبقاء المؤسّسة الملكية مفيدةً وحيوية. وإذا كان هذا يعني إيقاظها قليلا، فلا حرج في ذلك أبدا.
© The Independent