للمرة الأولى على الإطلاق، وجهت طهران تهديداً مبطناً للأردن على لسان قائد القوات الجوية في "الحرس الثوري الإيراني" علي حاجي زادة، الذي قال الخميس 9 يناير (كانون الثاني)، إن "على الأردن ودول الخليج وأفغانستان إخراج القوات الأميركية من أراضيها طوعاً"، داعياً "دول المنطقة إلى السير على نهج البرلمان العراقي وإلا فإن القوات الإيرانية ستخرج الأميركيين بالقوة".
وعلى الرغم من تجاهل الأردن الرسمي لهذه التصريحات وعدم الرد عليها، فثمة من يرى فيها مقدمة لإدخال الأردن عنوة في صراع المنطقة، بفعل تحويل الأردن إلى مركز عمليات عسكرية بديل للقواعد الأميركية التقليدية في المنطقة.
تصريحات زادة لم تكن الأولى من نوعها ضد الأردن، ما يعكس حقيقة ما تكنه إيران من عداء مستتر، إذ قال في تصريحات صحافية عام 2017 إن وحدة "فصائل المقاومة" التي "شكلتها إيران في سوريا انتصرت في حلب" على ما أسماه "التحالف التركي الأردني الغربي".
الوجود الأميركي في الأردن
ويُعتبر الوجود الأميركي في الأردن الأقل عدداً مقارنة مع دول عربية أخرى، وقد توسع هذا الوجود مع انخراط عمان في محاربة الإرهاب ضد "داعش" وفي أعقاب الأزمة السورية، على الرغم من نفي كل من واشنطن وعمّان على حد سواء، هذا التواجد والتأكيد أنه لغايات التدريب فقط.
ولا توجد أرقام رسمية حول أعداد الجنود الأميركيين، لكن يجري الحديث عن بضع مئات يتواجد بعضهم في قاعدة الأزرق الجوية التي تقع على بعد 200 كيلومتر من الحدود الأردنية العراقية، وتضم القاعدة العديد من قوات التحالف من ألمانيا وبلجيكا وهولندا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويُعد التعاون العسكري بين الأردن والولايات المتحدة وثيقاً، إذ شاركت القوات الأميركية مراراً في مناورات "الأسد المتأهب" التي تجريها عمان منذ سنوات.
وخصصت أميركا عام 2018 حوالى 143 مليون دولار لدعم قاعدة الأزرق وتعزيزها، والتي أعلنت نشرة "ستارز آند سترايبس" العسكرية المتخصصة أنها لعبت دوراً رئيساً في العمليات العسكرية الأميركية والدولية ضد تنظيم "داعش".
وبحسب تقارير أميركية فإن الولايات المتحدة تفكر في تحويل القاعدة لتصبح بديلاً عن قاعدة أنجرليك في تركيا، حيث يمكن أن تعرقل الخلافات بين واشنطن وأنقرة، قدرة الولايات المتحدة على التدخل وقت الأزمات.
النفوذ الإيراني يهدد الأردن
وقبل سنوات، حذّر الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعكوب عميدرور، من أن يشكل النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط تهديداً جدّياً ومباشراً على الأردن مع تمدد طهران ميدانياً في سوريا.
وبحسب الجنرال الإسرائيلي، فإن عدم استقرار الأردن يعتبر مصلحة إستراتيجية لإيران مستغلة المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
داخلياً، تقول المعلومات التي حصلت عليها "اندبندنت عربية" إن السلطات الأردنية تأخذ التهديدات الإيرانية على محمل الجد، وإنها تتصرف على أساس توقع الأسوأ وهو الدخول في أتون التراشق الإيراني الأميركي.
ووفقاً لذلك، شددت الأجهزة الأمنية إجراءاتها كما اتخذ الجيش الأردني احتياطاته على الحدود مع سوريا، خشية تحريك طهران أذرعها في درعا المجاورة.
تهديدات جوفاء
واعتبر الخبير العسكري الأردني فايز الدويري ما جاء على لسان قائد القوات الجوية الإيرانية بمثابة "تهديدات جوفاء"، وقال لـ"اندبندنت عربية"، "لا توجد في الأردن أي قاعدة جماهيرية لإيران وإنما فقط عشرات الأشخاص من اليساريين والبعثيين الداعمين لرئيس النظام السوري بشار الأسد وزعيم حزب الله حسن نصر الله".
معتبراً أنه لا توجد قوى ممكن أن تعمل على إخراج الأميركيين أو غيرهم من قوات الدول الأخرى الموجودة في الأردن.
الأردن بين أميركا وإيران
وتقول الكاتبة ميساء المصري إن التصعيد المتتابع بين واشنطن وطهران بعد اغتيال قاسم سليماني، سيلقي بظلاله على عمّان.
وتضيف أن "الأردن استعد لأسوأ احتمالات مفترضة، من بينها نشوب مواجهات وفوضى عسكرية على الحدود مع العراق وسوريا وإسرائيل".
وبحسب المصري، فإن "وجود ميليشيات موالية لإيران قريبة من منطقة درعا جنوب سوريا المحاذية للأردن، يجعل عمّان متخوفة من اضطرار قوات أميركية لاستخدام الحدود الأردنية في نطاق عمليات غرب العراق أو جنوب سوريا، لملاحقة ميليشيات إيران وأدواتها في المنطقة".
حلف الناتو في الأردن
وتتحدث المصري عن توجه دولي لجعل الأردن مركزاً عسكرياً لحلف الناتو الذي يحتاج إلى مركز استراتيجي جديد، كاشفة عن خطوة ألمانيا في هذا السياق، حين نقلت جنودها من قاعدة أنجرليك التركية الى الأزرق الأردنية قبل أكثر من عامين.
وتقول توقعات المراقبين إن الأردن وبحكم موقعه الجيوسياسي، سيتحول إلى غرفة عمليات أميركية أوروبية في الإقليم، وهو ما يبرر التهديدات الإيرانية المبطنة له.
مخاوف الأردن ليست عسكرية وأمنية فقط، إذ يرى مراقبون أن جملة من الاتفاقيات التجارية مع بغداد باتت مهددة، من بينها عزم العراق على تزويد الأردن بعشرة آلاف برميل يومياً من نفط كركوك بأسعار تجارية، فضلاً عن اتفاق يجري بموجبه إنشاء أنبوب نفطي يمر عبر الأراضي الأردنية بطول 1700 كلم، يمتد من البصرة عبر صحراء الأنبار غرب العراق، وصولاً إلى خليج العقبة في الأردن.
ويخشى الأردن أيضاً من تداعيات ارتفاع أسعار النفط العالمية مع التوتر الحاصل في المنطقة، خصوصاً مع دخول اتفاقية الغاز المستورد من إسرائيل حيز التنفيذ، ما يعني تأزيماً داخلياً جديداً في الشارع الأردني عنوانه "رفع الأسعار" مجدداً.