على الرغم من مرور تسعة أشهر على نهاية حكم الحركة الإسلامية في السودان، وعزل الرئيس عمر البشير بثورة شعبية في 11 أبريل (نيسان) 2019، إلا أن الشعب السوداني ما زال يعاني من صدمته من حكم "الإخوان"، ويعبر عن غضبه تجاهه. وقد بات النفور من فكر الإسلاميين بارزاً ومنتشراً. ما يطرح التساؤلات بشأن مستقبل الحركة الإسلامية في السودان.
يعتبر المحلل السياسي عبدالمنعم الحاج "ما يحدث الآن من كراهية تجاه تنظيمات الحركة الإسلامية، استفتاءً واضحاً يؤكد انتهاء مسيرة الإسلاميين، ولن يكون لهم أي وجود خلال المستقبل القريب".
ويلاحظ أن الشعب السوداني يكتشف يومياً سوء حكم الإسلاميين، الذي امتد لثلاثين عاماً أوصل خلالها البلاد إلى دمار حقيقي في شتى جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وعزا نبذ غالبية الشعب السوداني جماعة الإخوان المسلمين في السودان إلى مستوى الظلم الذي لحق به من قبل هذه الجماعة، إذ أدارت البلاد بالبطش والجبروت والترويع، لافتاً إلى أن كل سوداني تأذى من حكمها بصورة مباشرة. الأمر الذي خلف الاحتجاجات.
يضيف "التابعون للحركة الإسلامية وصلوا إلى مرحلة التعالي والافتراء على الشعب، فضلاً عن الفساد والنهب اللذين مارسوهما خلال حكمهم، وما خلف ذلك من تدهور في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. ما جعل من شعارات الثورة التي تبغض الكراهية تجاه الإخوان وحكمهم واقعاً لتنهي معه النهاية المذلة للإخوان".
صورة سالبة
في السياق ذاته، يبرر أستاذ العلوم السياسية النور عبدالله صد الشعب السوداني الإسلاميين، بأنه نتيجة سياسة الإقصاء والإفقار التي مارسها تنظيم الحركة الإسلامية خلال فترة حكمه السودان، مذكراً بأن هذا التنظيم حكم البلاد بقبضة من حديد طوال ثلاثة عقود وكانت النتيجة الحتمية هذا الانفجار.
ويستبعد عبدالله أن يكون للإسلاميين أي وجود في المسرح السياسي السوداني لسنين طويلة نسبة للصورة السالبة التي ارتسمت لدى الشعب تجاههم، فضلاً عن التجربة السيئة التي قدموها وأوصلت البلاد إلى هذا الوضع المتردي في كل أوجه الحياة، لا سيما الاقتصادية، مؤكداً أن التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية الحالية هي نتاج ما ورثته من تركة ثقيلة تحتاج إلى سنين طويلة لمعالجتها وإصلاحها.
معضلة الإسلاميين
فيما يعتقد الأكاديمي عبدالوهاب الأفندي أن من يسمّون أنفسهم إسلاميين يواجهون معضلة وفرصة في الوقت نفسه، فالمعضلة أن الوضع يسير في غير مصلحتهم على المدى القصير، إذ إن الحركة الثورية الماثلة مجتهدة في إضعاف مواقعهم.
في المقابل، تواجه الحكومة الجديدة مصاعب كبيرة، خصوصاً في ظل خلافات أنصارها المتفاقمة، وعدم وجود أفق قريب لحل اقتصادي معقول. ولعل هذا ما حفز أنصار النظام السابق لبدء الحشد، من خلال مسيرات الزحف الأخضر ومحاولة استعادة جزء من الشارع.
لكنه يرى أن مشكلة الإسلاميين أنهم لم يتعلّموا شيئاً من تجربتهم، في إشارة إلى من خرج منهم بقصد أو مصادفة، للدفاع عن البشير وهو يُحاكم بنهب المال العام، مضيفاً "إذا كنتم عجزتم عن الدفاع عن نظامكم ومعكم الجيوش والبنادق، والمال يتدفق بين يدي رئيسكم حتى فاضت به حجرات قصره، فكيف ستقارعون غالبية الشعب وأنتم عزّل؟".
عزل وتفكيك
وسعياً من السلطة الانتقالية في السودان لمحاصرة الإسلاميين سياسياً وقانونياً اعتمدت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 ثلاثة قوانين، تستهدف تفكيك بنية نظام الإنقاذ الوطني وإزالة التمكين، وإتاحة الحريات العامة، وتحقيق العدل، الأمر الذي آثار جدلاً واسعاً بين مؤيد يعتبرها ضرورة لتأمين عملية الانتقال السياسي وبناء الدولة الجديدة، ومعارض يرى عدم أولويتها مقارنة بالاستحقاقات والتحديات الأخرى، ويخشى من تداعياتها على استقرار البلاد ومستقبلها في ظل الصدام المحتمل بين السلطة الانتقالية وقوى الثورة المضادة، بما يستوجب التريث والحذر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونصَّت القوانين السالفة الذكر على تشكيل لجنة باسم "تفكيك نظام الإنقاذ"، تتولى الإشراف على حلِّ حزب المؤتمر الوطني، الذي حكم نظام الإنقاذ البلاد من خلاله، ومصادرة أصوله لصالح الحكومة، وحل الواجهات الحزبية والمنظمات كافة التابعة له أو لأي شخص أو كيان يُعتبَر من نتائج التمكين. كما تضمَّن القانون مادة للعزل السياسي لا يجوز بموجبها لرموز الإنقاذ ممارسة العمل السياسي لمدة لا تقل عن 10 سنوات تَسري من تاريخ إجازة القانون.
ودافعت السلطات عن قوانين التفكيك، فأكدت مشروعيتها واتساقها مع مواد الوثيقة الدستورية الانتقالية، وصدورها عن الجهة المختصة بالتشريع في الوقت الراهن، وهي المجلس السيادي ومجلس الوزراء. وشددت على مسوغاتها السياسية، وأهمها أنه لا يمكن الوفاء باستحقاقات المرحلة الانتقالية بالاعتماد على كوادر الإخوان المسلمين، وأن ما ارتكبه هؤلاء من أخطاء بحق الشعب السوداني يستوجب المحاسبة، وعدم الإفلات من العقاب.
تاريخ الإخوان
يمتد تاريخ التنظيمات الإسلامية في السودان منذ العام 1954، وكانت بدايتها من حركة طالبية أسسها سودانيون أوفدوا إلى مصر للدراسة.
ومنذاك، أصبح للحركة الإسلامية السودانية أسماء عدة، لعل أشهرها جبهة الميثاق الإسلامي وتزعمها حسن الترابي منذ عام 1964. وكان السودان وقتها يعيش مرحلة ديموقراطية، وقد شاركت في السلطة مع الرئيس الأسبق جعفر النميري عام 1978.
وعقب الإطاحة بالنميري عام 1985، تحول اسم جبهة الميثاق الإسلامي إلى الجبهة الإسلامية القومية، وشاركت في الانتخابات البرلمانية في العام التالي، وفازت بالكتلة الثالثة في البرلمان بعد حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، والحزب الاتحادي الديموقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني.
وفي الثلاثين من يونيو (حزيران) عام 1989 وبدعم من الإسلاميين جرى انقلاب عسكري على الحكم الديمقراطي برئاسة الصادق المهدي الذي كان يشغل منصب رئاسة الحكومة.
وفي عام 1991 تحول اسم الجبهة الإسلامية إلى حزب المؤتمر الوطني الذي يترأسه عمر البشير منذ ذلك الحين، ولكن في عام 1999 وقع انشقاق بين البشير والترابي، كلاهما يحمل الفكر الإسلامي فظل البشير رئيساً لحزب المؤتمر الوطني، فيما أسس الترابي حزباً باسم المؤتمر الشعبي. ومنذ العام 2012 تم تأسيس ما يعرف بالحركة الإسلامية السودانية لتعبر عن القوى الإسلامية المتحالفة مع البشير.