إثر اقتراح الحزب الدستوري الحر تمرير عريضة برلمانية لسحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي أعلن عن عريضة أخرى شعبية ضمّت آلاف الإمضاءات لعزله من منصبه.
واعتبرت رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر في مجلس نواب الشعب، عبير موسى أن "الغنوشي ارتكب خطأ جسيماً يرتقي إلى اختراق نظام الدولة التونسية عندما التقى الرئيس التركي خلال جلسة مغلقة، مستنتجة أنه "ورط البرلمان والدولة في مواقف لا تلزم إلا حركة النهضة الإخوانية".
وتعتقد موسى أن الطريقة الوحيدة لمعاقبة الغنوشي لا يمكن أن تكون في المساءلة أو في لفت النظر داخل المجلس وإنما في سحب الثقة منه".
وتلفت موسى إلى أن "زيارة الغنوشي دولة تعتزم التدخل عسكرياً في ليبيا، بمثابة تخابر مع دولة أجنبية"، مؤكدة أن "صفته الشخصية والحزبية لا تسقط عنه صفته البرلمانية". وتذهب موسى إلى أبعد من ذلك، مؤمنة بأن رئيس البرلمان ورط مجلس الشعب التونسي في الاصطفاف وراء محاور أجنبية.
وتخلص إلى أنه خرق واجب احترام السيادة الوطنية وتجاوز خطير لقوانين الدولة وللنظام الداخلي لمجلس النواب وهو خطر على أمن الدولة وسلامة ترابها.
وأثارت زيارة الغنوشي تركيا، السبت، بعد فشل تمرير حكومة الحبيب الجملي الذي رشحته حركة النهضة، جدلاً واسعاً في تونس، لا سيما في توقيتها.
واستقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الغنوشي، في مدينة إسطنبول التركية، وفق وكالة "الأناضول" التركية بصفته رئيساً للبرلمان التونسي، إلا أن بياناً جاء متأخراً من حركة النهضة يقول إنه ذهب بصفته الحزبية.
تصحيح المسارات
واختير الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية، لرئاسة البرلمان التونسي في 13 نوفمبر (كانون الأول) 2019، بعد فوز حزبه بالانتخابات التشريعية، وحصل على 123 صوتاً من مجموع 217 ليشغل للمرة الأولى منذ عودته من منفاه في بريطانيا 2011 منصباً رسمياً.
تجدر الإشارة إلى أنه إثر تصويت البرلمان في الجمعة 10 يناير (كانون الثاني) 2020 وعدم منح حكومة الجملي الثقة، أصدرت كتلة الدستوري الحر بياناً جاء فيه أنه من الضروري مواصلة تصحيح المسارات الخاطئة والذهاب بتونس نحو القطع نهائياً مع الإسلام السياسي الذي أثبت خطورة خياراته السياسية والاقتصادية والمجتمعية على تونس.
ودعا الدستوري الحر مختلف النواب والكتل البرلمانية الذين أسهموا في إسقاط حكومة الجملي إلى توقيع عريضة لسحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب وتصحيح الخطأ الفادح الذي تم ارتكابه في حق هذه المؤسسة الدستورية التي أسسها زعماء الحركة الوطنية وسالت من أجلها دماء.
عريضة شعبية
وفق الفصل 20 من النظام الداخلي لمجلس النواب التونسي، يمكن النواب سحب الثقة من رئيسه أو أحد نائبيه بموافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس بناء على طلب كتابي معلل يقدم إلى مكتب المجلس من ثلث الأعضاء على الأقل، ويعرض الطلب في الجلسة العامة للتصويت على سحب الثقة من عدمه في موعد لا يتجاوز ثلاثة أسابيع من تقديمه إلى مكتب الضبط. من جانب آخر أطلقت مجموعة من الحقوقيين لائحة شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل جمع تواقيع من المواطنين لإعفاء الغنوشي من رئاسة برلمان تونس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا الخصوص، يرى مطلق المبادرة الصحافي نزار الجليدي في تصريح خاص إن "الغنوشي تلاعب بمصالح تونس بعد الزيارة". ويضيف "أنا على يقين أن الغنوشي بصدد خدمة مصالح حزبه ومصالح تركيا على حساب مصالح تونس"، سائلاً "كيف لرئيس البرلمان الذي هو عضو في مجلس الأمن القومي أن يذهب مباشرة بعد اجتماع المجلس إلى تركيا للقاء أردوغان في جلسة مغلقة للتباحث في الشأن الليبي الذي يهم تونس وأمنها".
ويوضح الجليدي أن الهدف من العريضة الإلكترونية التي تجاوز عدد موقعيها في اليوم الأول، الـ 20 ألفاً. "ما حث النواب المترددين في سحب الثقة من الغنوشي أن يتقدموا وبسرعة لأن الأمر خطير ويهم أمن تونس".
ويدعو النواب إلى "فهم الشعب الذي انتخبهم"، كاشفاً عن أنهم سيخرجون في ذكرى عيد الثورة التونسية إلى الشارع لطرد الغنوشي من البرلمان".
اجتماع مغلق
يعتقد الصحافي أحمد نظيف أن "الغنوشي يواجه تحديين، الأول بصفته رئيساً لمجلس النواب، والصعوبات التي يواجهها منذ وصوله إلى الرئاسة.
والتحدي الثاني الذي يواجهه الغنوشي، هو تحد داخلي متمثل في أن التيار المعارض للغنوشي داخل حركة النهض، والذي بات أكثر قوة، حتى أن أحد رموز هذا التيار، عبد اللطيف المكي، طالب الغنوشي بالتنحي عن رئاسة الحركة باعتباره أصبح رئيساً للبرلمان. وطالبه بعدم الجمع بين المهمتين احتراماً للقانون الداخلي للحركة.
يضيف "رصدنا تصاعد حدة معارضة الغنوشي خلال السنة الماضية، خصوصاً بعد استقالات شهدتها الحركة".
ويعتقد نظيف أن "هذه التحديات، ستجعل الغنوشي يحسم أمره خلال الأيام المقبلة، ويختار بين زعامة حركته الإسلامية أو رئاسة البرلمان، وهو اختيار صعب، خصوصاً أن حركته مقبلة على مؤتمر عام في مايو (أيار) 2020 سيكون حاسماً وعاصفاً ومفصلياً في تاريخ الحركة الإسلامية التونسية".