حقق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر القمة الخماسية لدول الساحل الأفريقي، التي انعقدت بدعوة منه، نجاحاً في رهانه على تعزيز التعاون في مواجهة المجموعات الإرهابية الناشطة، خصوصا في القطاع الصحراوي الساحلي ومنطقة بحيرة تشاد.
ولم يستلزم الأمر أكثر من بضع ساعات استغرقتها القمة، التي عقدت في مدينة بو (جنوب غربي فرنسا)، للتوصل إلى اتفاق بين فرنسا والدول المشاركة، وهي: مالي وموريتانيا والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو، على توثيق التعاون العسكري في وجه تصاعد العمليات الإرهابية في المنطقة.
هذا التوافق عكسه البيان الختامي للقمة، الذي عبّر أيضاً عن رغبة المشاركين فيها "استمرار الدور العسكري الفرنسي" في الساحل الأفريقي، الذي يعود إلى عام 2014 في إطار العملية العسكرية المعروفة باسم "باركان".
وشدّد البيان الختامي للقمة على ضرورة "تركيز الجهد العسكري فورا على المناطق الحدودية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو"، بإمرة "القيادة المشتركة" لقوة "باركان" والقوات المشتركة لدول الساحل الأفريقي الخمس.
من جانبه، أعلن ماكرون في ختام القمة أن بلاده سترسل 220 جندياً إضافياً إلى المنطقة، لينضموا إلى القوات العاملة في إطار "باركان" وقوامها 4500 عنصر.
خسارة 41 عنصراً
وكان ماكرون قرر الدعوة إلى انعقاد هذه القمة بعد تصاعد العمليات الإرهابية بشكل ملحوظ في المنطقة ضد القوات الفرنسية، التي فقدت حتى الآن 41 عنصراً من عناصرها، من بينهم 13 سقطوا في مالي، في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وأيضاً ضد قوات الدول الأفريقية وسكان المنطقة.
وبدا انعقاد القمة بمثابة ضرورة ملحة لفرنسا للحصول من رؤساء الدول الخمس على تأييد والتزام واضح بدعم الدور العسكري الفرنسي، على ضوء التململ الذي أصبح علنياً حيال نتائجه.
وفي هذا الإطار، أوردت التلفزيونات الفرنسية صوراً يظهر فيها متظاهرون في دول المنطقة يطالبون برحيل القوة الفرنسية، بوصفها قوة احتلال وعديمة الجدوى في مواجهة العمليات الإرهابية المستمرة.
في المقابل، نقلت التلفزيونات صوراً أخرى من الأرشيف يبدو فيها الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند موضع حفاوة ومودة واضحة بصفته "المنقذ"، خلال جولة على دول المنطقة بعيد إنشاء قوة "باركان".
قوة "باركان" والتنمية
وبالعودة إلى ما قيل لدى تشكيل هذه القوة، يمكن إيجاد ما يبرر خيبة أمل واستياء سكان دول المنطقة. إذ إن انتشارها ومواجهتها الإرهاب كان ينبغي أن يقترنا بخطط تنموية اقتصادية واجتماعية.
لكن الواقع لا يعكس أي تحسن على صعيد اقتلاع الإرهاب، بل العكس. وعلى حدّ قول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش فإن حصيلة ضحايا الإرهاب في مالي والنيجر وبوركينا فاسو "مثيرة للصدمة"، فيما لم تشهد أي من الدول الخمس التطور الموعود، لا اقتصادياً ولا اجتماعياً.
بالتالي، فإن النجاح الذي حققه ماكرون في قمة "بو" محدود ونسبي، كونه كفل له تأييد قادة الدول الخمس في غياب تأييد شعوبها، الذي تآكل على مدى نحو خمس سنوات من الوجود العسكري الفرنسي.
والرهان الفعلي يكمن على صعيد إقناع حكومات المنطقة باعتماد ما ينبغي من خطط على صعيد التطوير والتنمية، باعتبارها خطوات ضرورية ومرادفة للعمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب.
هذه المهمة هي الأكثر صعوبة، خصوصاً أن هناك من يغذي المشاعر المناهضة لفرنسا في الساحل الأفريقي. وهو ما تطرق إليه ماكرون خلال مؤتمر صحافي عقده في ختام القمة، بالقول إنه سمع في الأسابيع الماضية "مواقف غير لائقة"، وأن هذه المواقف "تخدم مصالح المجموعات الإرهابية أو مصالح قوى أجنبية"، تريد إبعاد الأوروبيين عن المنطقة ولديها "أجندة خاصة بها وهي أجندة مرتزقة".
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن المقصود بكلام ماكرون هذا بعض المجموعات شبه العسكرية الروسية الموجودة في المنطقة، خصوصاً في ظل التقارب المستجد بين روسيا ومالي وتوقيع اتفاق دفاعي بين البلدين، إضافة إلى التقارب مع النيجر وتشاد وغيرهما في المنطقة.
ولا تقتصر متاعب ماكرون في الساحل الأفريقي على الروس وحدهم، بل يواجه عقبة مع حلفائه الأميركيين بعد تلميح وزارة الدفاع الأميركية إلى احتمال تخفيض وجودها العسكري في الساحل الأفريقي والشرق الأوسط. وهو ما تناوله أيضاً الرئيس الفرنسي بتحذيره من أن الفشل في القضاء على الإرهاب في الساحل ينطوي على تهديد بانتشار الأعمال الإرهابية.