جدد رحيل المفكر السوري محمد شحرور نهاية العام الماضي، الجدل الذي لم يفارقه، منذ أن بدأ يتناول علوم التفسير والفقه والحديث بجرأة وتأويل، قسمت المتلقين العرب حوله ما بين مريدين يرونه مفكراً مستنيراً وناقمين ينظرون إليه "زنديقاً متعالماً" أو مهندساً في أحسن الأحوال، امتهن تحريف الكلم عن مواضعه.
إلا أن صبره واستمراره على الرغم من قوة الهجوم ضده، أكسبته شريحة وسطاً بين الفريقين، تختلف معه وتتفق، وتدرس مشروعه الفكري، بمعزل عن الأحكام المسبقة إن كانت بقبول رؤاه جملة بذريعة التجديد أو رفضها بمنطق الضفة الأخرى بحجة "تحريضها على الكفر والفسوق بعد الايمان، ونبذ دين الفقهاء"، وهو غير دين الله عند شحرور الذي جاء به التنزيل الحكيم، قبل أن يحرفه المفسرون.
وقبل التعرف على جوانب من سجال المؤيدين للراحل والرافضين، كان مواطنه القريب من مجال تخصصه في الدراسات الفكرية والتراثية الدكتور محمد العاني، أحال إلى شحرور نفسه لتفسير منهجه من غير تمجيد ولا شيطنة، فمشروعه ينتمي إلى حقل الدارسات القرآنية المعاصرة؛ وهو حقل يعنى بدراسة القرآن وتاريخه وعلومه... توسلا بمختلف مناهج وآليات المعرفة المعاصرة؛ سواء من لدن المختصين والمهتمين بهذا المجال في الغرب أو في العالم الإسلامي؛ فبالنظر إلى مجمل الأعمال والكتابات في هذا المجال يمكن ترتيبها ضمن ثلاثة أصناف كبرى: أولا: أعمال تسعى إلى تتبع تأثير الأفكار اليهودية والمسيحية في القرآن؛ ثانيا: أعمال تحاول إعادة الترتيب الكرونولوجي للقرآن؛ ثالثاً: أعمال تهدف إلى تقديم القرآن على النحو الذي قدّم به القرآن ذاته؛ أي أنها اشتغلت على بسط رؤية القرآن ونظرته الداخلية لمختلف المواضيع التي تناولها.
ويوضح أن مؤلفات شحرور تنتمي إلى هذا الصنف الأخير من الدراسات القرآنية؛ وبالأخص التي تنظر إلى القرآن من خلال القرآن ذاته؛ فالسؤال هنا ما هي أهم مقومات المنهج الذي اعتمده محمد شحرور والذي تميز به عن غيره؟
يسلم الراحل بأن القرآن الكريم (التنزيل الحكيم باصطلاح محمد شحرور لأن القرآن في نظره هو جزء من الكتاب المنزل) كتاب منزل من إله عالم كامل العلم والمعرفة، ذي علم مطلق. ويؤمن بأن كتاب الله لا يمكن أن يحتمل الخطأ أو التناقض. فالوحي في نظره لا يتناقض مع العقل وفي الوقت ذاته لا يناقض الواقع؛ فالأمر يحتاج إلى منهج فكري يساعد على التعمّق فيه؛ لرفع وهم التناقض فيه؛ ومن أجل هذه الغاية وهي غاية فهم التنزيل الحكيم بصورة لا تناقض فيها؛ اعتمد محمد شحرور منهج القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم؛ ويرى بأنه بذل جهدا كبيرا في الاستفادة في منهجه فيما توصّل إليه كل من علمي اللسانيات والإبستمولوجيا الحديثين.
مكتف ذاتياً ليُفهم
وتبعاً لذلك يقول الباحث العاني، وهو أيضاً مدير مركز مؤمنون بلا حدود للدراسات في المغرب، منهج شحرور من خلال كتبه ومؤلفاته ينبني على النقط والمبادئ التالية:
يعد الوجود المادّي وقوانينه "كلمات الله"، فهو مكتفٍ ذاتياً ولا يحتاج إلى شيء من خارجه لفهمه؛ وأبجدية كلمات الله هي علوم الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا والبيولوجيا والفضاء… قال تعالى: " وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً" (الانعام/ 115). و"كلام الله" أي التنزيل الحكيم يقابل الوجود المادّي "كلمات الله" قال تعالى: "وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ" (التوبة 6). وبما أنه يقابل الوجود المادي فهو مكتف بذاته ولا يحتاج إلى أيّ شيء من خارجه لفهمه لإيماننا واعتقادنا بأنّ خالق الكون بكلماته هو نفسه موحي التنزيل الحكيم بكلامه، وهو الله سبحانه وتعالى.
دقته كالرياضيات
بما أن الوجود المادّي أي "كلمات الله" يتصف بالدقة؛ فكذلك هو الأمر مع "كلام الله" فالتنزيل الحكيم كتاب دقيق في تراكيبه ومعانيه ولا ترادف فيه على الإطلاق، فالدقة فيه لا تقلّ عن مثيلتها في الكيمياء والفيزياء والطبّ والرياضيات.
إسقاط النحو وسيبويه
بما أن التنزيل الحكيم دقيق في استعمال مفرداته وهو مكتف بذاته في الفهم والقراءة كما هو الوجود المادي؛ تسقط كل الأحاديث والروايات التي اعتمدها المفسرون غيرهم في فهمه وتفسيره... لأنها خارجة عن بنيته الداخلية وهي نصوص ظهرت فيما بعد إلى جابه تبعا لسياقات ثقافية واجتماعية متعددة؛ كما أن قواعد النحو العربي قد تم وضعها واعتمادها بعد التنزيل الحكيم فمثلا: إذا قال سيبويه إنّ الفعل يجب أن يماثل الفاعل في الإفراد والتثنية والجمع، ثمّ نقرأ قوله تعالى: "هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا "(الحج/ 19)، فهذا لا يعني أنّ الله أخطأ في القواعد التي أرساها سيبويه، بل يعني أنّ سيبويه حين أسّس لقواعده لم يُحْكِم ما أسّسه على ما ينبغي، وهذا يفسّر لنا خلافات مدارس النحو وأهله في المئات من المسائل. فنحن نؤكد أنّ السلطة للنصّ على القاعدة وليس العكس، وخاصّة في التنزيل الحكيم. ونضيف هنا بأنه لا يمكن فهم التنزيل الحكيم، من خلال أسلوب فهم الشعر الجاهلي ومفرداته، فالمجتمع الجاهلي له أرضيته المعرفية وعلاقاته الاجتماعية والجمالية والأخلاقية الخاصّة به، بحيث جاءت مفردات شعره عاكسة لذلك كله ومعبّرة عنه ومُقيَّدة به.
دين أم فقه إسلامي جديد؟
تعد هذه أهم النقط الأساسية التي بنى عليها محمد شحرور مشروعه الفكري؛ وهو يهدف من خلاله إلى إعادة تأسيس فكر ديني معاصر، لا يتناطح مع ما توصّلت إليه المعارف الإنسانية، باستعمال أرضية معرفية متطوّرة لفهم نصوص التنزيل الحكيم، وإعادة تأسيس فقه إسلامي معاصر؛ مؤكدا بأن الحرّية هي أساس الحياة الإنسانية وهي القيمة العليا المقدّسة وفيها تكمن عبادية الناس لله. وهي الكلمة التي سبقت لأهل الأرض.
فروق بين "محمد النبي والرسول والرجل"
ومن بين المعالم الرئيسة لنهج شحرور نظرته للسنة النبوية، ونقده لتصديق مدوناتها وتحكيم أحاديثها مهما كانت عصية على التجانس مع العصر في اعتقاده. وخصص الباحث الأردني معاذ بني عامر لموقف الراحل من السنة بحثاً منفرداً، رصد فيه تقسيم المفكر لأقوال الرسول وأفعاله، انطلاقاً من شخص الرسول نفسه عليه الصلاة والسلام، فهناك "محمد الرجل"، وهذه الحالة ليس مطلوباً فيها الاقتداء أو الاتباع والتأسي، مثل لعق الأصابع بعد الانتهاء من الطعام، وخصف النعل، وحب الطيب والنساء، والاحتجام في المسجد، حسب قوله. ثم "محمد الرسول"، ويؤخذ من هذه الأحاديث ما لا يتعارض مع التنزيل الحكيم، مثل: من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فهي خداج، وإن الله يكره العبث في الصلاة والرفث في الصيام. إن إن تعارضت هذه الأحاديث مع التنزيل أو الواقع رفضت مباشرة. وهذا مُنسجم بحسب شحرور مع مقتضى الآيات القرآنية التي تتحدث دائماً بصيغة "وأطيعوا الرسول"، على عكس مقام النبوة، إذ لم يرد في القرآن أية صيغة تدل على "وأطيعوا النبي".
أما "محمد النبي"، فإن الأحاديث الواردة في مقامه لا يمكن أخذها كمصدر للتشريع واتباعها رغم أنها متوافقة مع التنزيل الحكيم في نظر شحرور، لأنها "جاءت وفق شروط موضوعية مخصوصة وموجهة لمن عاصره من أفراد مجتمعه فقط. مثال ذلك، الأحاديث المتعلقة بموضوع النكاح والطلاق في تنظيم العلاقات الاجتماعية، مثل: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء، والتمسوا ولو خاتماً من حديد، ونهى رسول الله عن زواج الشغار...الخ".
ويقر المفكر الراحل نفسه، بأن هدفه الأساس من قراءة القرآن بأدوات جديدة غير التي سنها المفسرون والفقهاء الأقدمون ثم تبعهم فيها المتأخرون؛ هو توعية "المسلمين المؤمنين بالرسالة المحمدية بشكل رئيسي، أولئك الذين ترسّخت في عقولهم عقدة الذنب لتحرمهم من التمتع بالحياة، ويتصورون الله كرجل أمن يعدّ عليهم عثراتهم ويتربّص بهم، إله يهوى تعذيب المؤمنين به، ويهوى الدماء فإذا أردت التقرب إليه عليك الموت وأنت تقتل كل من خالفك، لذلك ترى جيل الشباب يخرجون من هذا الدين أفواجا، كذلك يهمّني أن أتوجّه للآخر المختلف لأبيّن له حقيقة الإسلام، فإذا بقينا على ما نحن عليه سنصبح خارج التاريخ."
"دين الفقهاء" هل هو الإسلام المنزل؟
ويوثق موقع الراحل حواراً له، أكد فيه أنه بدأ مشروعه الفكري، متواضعاً في توقعاته لردود الفعل الإيجابية، إلا أنه بعد مضي وقت وجد أن بعض كتبه التي ما كانت تحظى باهتمام القراء، أصبحت متداولة بين الناس، حاضرة في نقاشاتهم. قائلاً إنه لا ينتظر الكثير "لكن رمي حجر في المستنقع يحرك ركوده، وأعتبر مسؤوليتي أمام الله أن أرمي هذا الحجر، وما أهدف إليه هو تحفيز التفكير، ويكفي أن يعلم «المسلمون» أن دين الله يختلف تماماً عن دين الفقهاء، وأن كتاب الله لم ينزل ليقرأ في مجالس العزاء ويزيّن رفوف المكتبات، بل ليقرأه الناس كلهم، دون وسيط، وما عليهم ليعرفوا دينهم سوى العودة إليه وقراءته بأعينهم اليوم، لا بأعين السيوطي وابن كثير، بعيداً عن الترهات والخزعبلات".
بل هو "تحريف القرآن وتشويه الإسلام"
لكن بالنسبة إلى الفريق المناوئ لأطروحات المفكر السوري فهم يعتبرونه مهندساً، شط عن تخصصه وغدا يتخبط في أحسن الأحوال ولا يدري بالصناعة الفقهية والحديثية والعربية التي تؤهله للنظر في دلالات النصوص التي يفسر ويؤوّل. وتتبعت رابطة العلماء السوريين المدعومة من رابطة العالم الإسلامي، مواطن الخلل التي اعتبروها لافتة في مشروع شحرور، وخلصوا إلى فساد فكرته من حيث المنهج والمسائل التي تناولها.
واتهمت الراحل بأنه "يعمل على تحريف القرآن وتشويه الإسلام وتحليل المحرمات، ونشر الفساد الاجتماعي والاقتصادي والتربوي، لأجل تقديم الإسلام بصورة تتناسب مع الغرب". ولا ترى في مشروعه، سوى "امتداداً للمشروع الليبرالي الذي بدأه محمد أركون وزيد أبو النصر كما صرح هو بذلك، وهو إخراج القرآن وتفسيره وفق الفكر الليبرالي وعلمنة الدين .يخدع الناس أنه يفسر القرآن الكريم بلغة عربية معاصرة، وعلماء اللغة العربية المختصين في عصرنا الحاضر أوضحوا أن المهندس محمد شحرور جاهل في اللغة العربية وأساليبها، فكيف نأخذ منه ونعتمد عليه في أمر يخالف فيه القرآن نفسه والأحاديث النبوية الصحيحة وعلماء اللغة الأقحاح ."
ولفتت إلى أن اختصاصياً في اللغة يدعى يوسف الصيداوي اللغوي، توسع في الرد على شحرور من الجانب في كتاب سماه "بيضة الديك" الذي ألفه رداً على كتابه "الكتاب والقرآن" الذي يقول محمد شحرور إنه قرأ فيه القرآن قراءة معاصرة، يعتمد فيها على نظريات لسانية حديثة، "فيحرف النص ويلوي عنق اللغة كما يحلو لـه، فتصدى له الصيداوي مفنداً مزاعمه في اللغة، ومبيناً أنه لا يفقه فيها شيئاً، دون أن يتدخل في أي رأي ديني عرض له المؤلف، وإنما اكتفى في مقدمته بترديد مقولة عبد المطلب بن هاشم لأبرهة الحبشي عندما جاء يغزو الكعبة: إن للبيت رباً يحميه".
وتناولت الرابطة التي تتهم بميولها الإخوانية بوصفها تتخذ من تركيا مقراً رئيساً لها، مسائل مثل علاقة المرأة بالرجل والحجاب والخمر، زعمت أن الراحل ذهب فيها إلى تحليل الحرام، وخرج فيها عن المذاهب الإسلامية.
لكن ما اعتبرته الرابطة سلباً في حق شحرور، يراه هو لب ما يستهدف، وهو نسج أفكاره على منوال مغاير لمن قبله وبعده من فقهاء المدارس الدينية واللغوية، كما أشير إليه سابقاً. بيد أن ابنه طارقاً الذي تعهد بالمشي على خطى والده وتنفيذ وصيته، رفض أن يكون والده، يؤسس لارتكاب المحرمات والدعوة إلى دين مغاير للإسلام.
والدنا شحرور لا يُحل ما حرم الله
وقال "يدعي البعض أن الدكتور محمد شحرور قد أحلّ ما حرّم الله، وحرّم حلاله، لكنه رحمه الله أكد مراراً وتكراراَ أنه ليس مفتياً، وأنه متدبر للتنزيل الحكيم، وهو نص يحوي على مفاتيح فهمه داخله، ويمكن للقارىء مراجعته ليرى أن الله تعالى قد اختص لنفسه بحق التحريم، ولا أحد غير الله يمكنه إضافة محرم أو حذفه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (المائدة 87)، فالحرام شمولي أبدي مغلق، والمحرمات في التنزيل واضحة ومعدودة، والأصل في الأمور الإباحة إلا ما حرّم، لكن الثقافة الفقهية الموروثة جعلت من أعراف المجتمع في شبه جزيرة العرب في القرن السابع الميلادي دين، وهي ليست كذلك، بحيث أصبح عدد المحرمات لا نهائي، ويزيد وينقص تبعاً لأمور عدة".
وفي صفحة الراحل على "فيس بوك" يُذكر أبناؤه بالنهج الذي أراد والدهم أن يبني عليه كتبه وتعليقاته، بعد أن ضجت الساحة العربية برفض أفكاره في مناسبة وفاته، حتى وصل الأمر إلى النهي عن الدعاء له بالرحمة والغفران، بوصفه في نظر أولئك لم يعد ينتمي إلى فئة المؤمنين.
الهدف قراءة بعيون العصر
وقالوا في معرض الرد والتوضيح "يتلخص مشروع الدكتور الراحل محمد شحرور بإعادة قراءة التنزيل الحكيم وفق الأرضية المعرفية لعصرنا، على اعتبار أن كتاب الله من حي لأحياء، وهو ما تركه لنا الرسول الكريم محمد (ص) عند وفاته، وأن كل ما كان بين أيدينا هو تفاسير واجتهادات توقفت قبل ألف سنة بأفضل الأحوال، ومهمتنا كمسلمين مؤمنين هي قراءة كتاب الله بعيون العصر، ومهمة الأجيال القادمة قراءته بعيون عصرها لا بعيوننا أيضاً"..
واعتبروا أنه وفقاً لذلك المفهوم، فإن "أي قراءة قابلة للمراجعة والنقد، وهذا ما فعله الراحل مراراً وتكراراً بحيث أصدر مرات عدة تنقيحاً لكتبه عدل من خلاله رؤيته لبعض المواضيع، وهو رحمه الله دعا لاتباع منهجه في إعادة القراءة، وليس اتباع ما توصل إليه هو حرفياً دونما تمحيص أو تدقيق، وهو القائل: "أهم ما أريد إيصاله للقارىء أن هذه الرؤية هي إنسانية قابلة للنقد والمراجعة، وليست منزلة ولا مقدسة، وسأصل لهدفي إذا تمكنت من تحريك المياه الراكدة في المستنقع الفكري الذي نعيشه، لا أن يتم اتباعي اتباعاً أعمى دونما تفكير أو نقد".
الجولة في المناطق المحرمة
وقد يفهم هذا الاجمال الذي دافع به أبناء الراحل عن والدهم، على أنه محاولة من أبناء بررة تحسين صورة أبيهم لتطيب ذكراه بين شرائح أكثر من الناس، إلا أن هذا المنحى هو الذي اعتبره بعض المستقلين "المكسب الرئيس" من نهج شحرور، وهو الدعوة إلى إعمال الفكر في النص الديني المقدس (القرآن تحديداً)، من دون الخضوع للأدوات السابقة التي يراها أثقلت النص بحمولات لا تنتمي إليه، وتجعله في تضاد مع العصر والعلوم، على اتجاهه.
والفرق بين هذه الرؤية التصالحية التي يدافع عنها أمثال السعوديين توفيق السيف ومحمد حسن علوان، وبين التي اعتنقت أفكار شحرور، هو أن الأولى لا ترى بالضرورة أهمية ما يشبه الفتاوى الشرعية الجديدة التي بناها شحرور على قراءاته، وإنما في طريقة شحذه للفكر وجرأته على إعمال العقل في مناطق كانت محرمة.
ولذلك يشبه السيف الجدل حول آراء شحرور بالعاصفة التي لا تكاد تهدأ، فهو شخص "لم يكن بالخصم السهل، فقد واصل مجادلته لقائمة طويلة من المفاهيم والقواعد الرئيسية في التفكير الديني التقليدي؛ تبدأ من فهم النص والمصطلح، ولا تتوقف عند إنكار العشرات من الأحكام الفقهية، اعتمادًا على إنكاره صحة الأساس العلمي الذي قام عليه الحكم أو سلامة استنباط المجتهد من النص".
القابلية للانحراف هل تفسر تصديق شحرور؟
ما أثار العواصف أكثر حول الآراء الشحرورية بالنسبة إلى السيف، هو أن صاحبها أقامها على "بحث مختلف تمامًا عن المنهج المتعارف في المدرسة الفقهية التقليدية، لكنه في الوقت ذاته قوي من الناحية العلمية ومقنع لعامة القراء... فبدأ كثير من الناس يطرحون هذه الآراء الجديدة على رجال الدين الذين اعتادوا متابعتهم، ويسائلونهم: لماذا لا تقولون بقول كهذا؟ هذا يعني بصيغة أخرى: لماذا استطاع شحرور أن يستخرج ما نبحث عنه ولم تستطيعوا"؟
لكن السؤال الذي طرحه السيف في مدونته تعليقاً على رحيل شحرور، تناوله الباحثون في المرجعية العلمية المغايرة من زاوية أخرى، فتساءل مواطنه الدكتور فهد العجلان عما يدفع بعض الناس للتأثر بمحمد شحرور وهل هو الاستعدادُ النفسيُّ للانحرافِ؟ ليجيب إنه لوسئل لأجاب بنعم "إنه القابلية للانحرافِ لدى بعض النَّاسِ؛ فعندهم استعدادٌ نفسيٌّ، ومقتضٍ ذاتيٌّ، فلو لم يتأثَّرْ بشحرور فسيتأثَّرُ بشخصٍ آخرَ؛ فالقضيةُ ليست متعلِّقةً بقوةٍ علميةٍ عند شحرور، ولا بنجاحِه في التأثيرِ على متابعيه، بل إنَّ هذه النفوس متهيِّئةٌ أصلًا للانحراف، مستعِدَّةٌ لقَبولِ أيِّ فكرةٍ منحرفةٍ"!
بينما الكاتب السعودي الآخر الدكتور جاسر الحربش، حاول أن يقف وسطاً بين المحبين والناقمين، وخلص إلى أن الموقف الحاد من شحرور وأفكاره، إنما جاء بسبب غياب الانصاف، الذي "جعل بعض كارهيه يحمله مالم يحتمل، بيد أنه مثل غيره اجتهد فأصاب أحياناً وأخطأ أخرى. الرجل حاول في بيئة تكره التجديد".
الإنتاج العلمي
أبرز مؤلفات الراحل التي شرح فيها نظرياته المثيرة للجدل، كما جمعها تلامذته والناشطون، وفق تراتبها الزمني:
1- الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة (دمشق: الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، 1990). 819 صفحة.
2- دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتمع (دمشق: الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، 1994). 375 صفحة.
3- الإسلام والإيمان – منظومة القيم(دمشق: الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، 1996). 400 صفحة.
4- نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي – فقه المرأة (الوصية – الإرث – القوامة – التعددية – اللباس) (دمشق: الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، 2000). 383 صفحة.
5- تجفيف منابع الإرهاب (دمشق: الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، 2008). 304 صفحة.
6- القصص القرآني – قراءة معاصرة -المجلد الأول: مدخل إلى القصص وقصة آدم (بيروت: دار الساقي، 2010). 359 صفحة.
7- القصص القرآني – قراءة معاصرة الجزء الثاني – من نوح إلى يوسف (بيروت: دار الساقي، 2012). 286 صفحة.
8- السنة الرسولية والسنة النبوية:رؤية جديدة (بيروت: دار الساقي، 2012). 229 صفحة.
9- الدين والسلطة – قراءة معاصرة للحاكمية (بيروت: دار الساقي، 2014). 480 صفحة.
10- أمُّ الكتاب وتفصيلها – قراءة معاصرة في الحاكمية الإنسانية (بيروت: دار الساقي، 2015). 463 صفحة.