أظهرت أحداث التمرد العسكري، الذي نفذته عناصر من جهاز الأمن والاستخبارات السوداني الثلاثاء 14 يناير (كانون الثاني) في العاصمة الخرطوم، أن التنظيمات المسلحة والأمنية التي ارتبطت بنظام الرئيس السابق عمر البشير لا تزال تشكل تهديداً كبيراً للحكومة الانتقالية في البلاد، التي تدار بشراكة مدنية وعسكرية بموجب وثيقة دستورية وقعت في 17 أغسطس (آب) 2019. ما اعتبره البعض دليلاً على وجود دولة موازية مكتملة الأركان، يجب اجتثاثها بأسرع وقت ممكن بواسطة قانون تفكيك نظام الإنقاذ، الذي أقرته السلطات الانتقالية في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
جيش موحد
ويوضح القيادي في قوى الحرية والتغيير بابكر فيصل، في حديث لـ "اندبندنت عربية"، أن ما يمر به السودان الآن من منعرجات خطيرة سببه الأساس هو التلكؤ والتردد، الذي شاب تحرك الجهات التنفيذية والسيادية طوال الفترة اللاحقة على إصدار الوثيقة الدستورية، مبيناً أن من أهم مظاهر التلكؤ هو عدم حل جهاز أمن نظام البشير، الذي كان يمكن أن يتطور إلى انقلاب مضاد كامل الدسم يطيح بالثورة السودانية.
وأشار إلى أنه ليس هناك مبرر لما حدث من تباطؤ في تفكيك المنظومة العسكرية للنظام السابق، منوهاً إلى أنه لا مخاوف من المستقبل إذا ما اتبعت الحكومة الانتقالية هذه الإجراءات القانونية بحق عناصر البشير السياسية والعسكرية.
وبيّن فيصل أنه من الضروري اتخاذ خطوات حاسمة تجاه جهاز الأمن والاستخبارات من خلال إجراء تغييرات شاملة على مستوى قياداته، لأنه من الواضح أن هناك تراخ حدث، وهو ما يؤكد وجود تخطيط لعمل أكبر يهدف إلى خلق فوضى في البلاد.
سيادة القانون
وفي سياق متصل، يشير حسن دفع الله، وهو مقدم متقاعد من الشرطة السودانية، إلى أن جهاز الأمن والاستخبارات السوداني باعتباره جهازاً دموياً موغلاً في الوحشية والهمجية لا يجب أن يكون نواة لجهاز استخبارات محترم في عهد ديمقراطي جديد يقوم على سيادة حكم القانون وصيانة حقوق الإنسان، داعياً إلى ضرورة إعادة النظر في القرارات التي قضت بإعادة هيكلة الجهاز وتجريده من السلطات والصلاحيات الخاصة.
وأضاف "مثل هذه القرارات كانت ستكون صحيحة وموفقة لو تم تطبيقها في حالة جهاز أمن الدولة عام 1985، لكن ضيق الأفق السياسي دفع القيادات السياسية في ذلك الوقت إلى إصدار قرار بحل وتصفية الجهاز وتسريح منتسبيه"، لافتاً إلى أن التاريخ الآن يعيد نفسه ولكن بشكل معاكس، فبدلاً من حل وتصفية جهاز الأمن والاستخبارات صدر قرار بتجريده من صلاحياته وتحويله إلى جهاز لجمع وتحليل المعلومات، بالتالي فإن هذا القرار يشوبه خطأ استراتيجي كبير، وذلك لأسباب كثيرة منها أنه جهاز عقائدي يدين جميع أعضائه بعقيدة حزب سياسي معروف، كما أنه يفتقر لعنصر الاحترافية الذي يميز أجهزة الاستخبارات، وهو ينتهج أسلوباً استبدادياً يقوم على العسف والترهيب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق دفع الله، لدى الجهاز سجل حافل بالجرائم ضد الإنسانية، فهو بالتالي غير مؤهل أخلاقياً للاستمرار في عمله. وهو منذ إنشائه مطلع تسعينيات القرن الماضي، انحرف عن دوره الحقيقي باتجاه تكوين إمبراطورية تجارية خاصة تضم المئات من المؤسسات العاملة في مجال البترول وتعدين وتصدير الذهب والسياحة والتجارة العامة. كما أنه عمل على احتكار توريد بعض السلع الضرورية مثل الدقيق.
ويقول إن جميع القرارات التي صدرت بشأن جهاز الأمن والاستخبارات هي محض مسكنات ولا تمثل حلولاً جذرية للقضاء على التهديدات الأمنية بالغة الخطورة الناجمة من بقائه، مؤكداً أن إعادة النظر في مصيره والعمل على اجتثاثه من جذوره هي مسؤولية تاريخية على عاتق الحكومة الانتقالية بجانبيها المدني والعسكري.
مواجهة التمرد
وشهدت الخرطوم الثلاثاء انفجارات وإطلاق نار كثيف، بعدما حاولت وحدات من قوات هيئة العمليات التابعة لجهاز الاستخبارات تنفيذ عملية تمرد بسبب قرار صادر عن قيادة الجهاز بتسريح موظفي هيئة العمليات، بعد تعديل قانونه وتحويله إلى جهاز لجمع المعلومات. لكن السلطات العسكرية في السودان واجهت التمرد الذي استمر حوالى 12 ساعة، واعتقلت 43 فرداً من المشاركين فيه.
وشدد رئيس المجلس السيادي في البلاد عبد الفتاح البرهان على تصدي القوات المسلحة لأي محاولة "لزعزعة الأمن والاستقرار ولكل محاولة لإجهاض الثورة"، مضيفاً "لن نسمح بأن يحدث أي انقلاب على الشرعية الثورية". وأكد أن جميع مقرات الاستخبارات أصبحت تحت سيطرة الجيش.