أكملت تظاهرة "بدنا نعيش" يومها الرابع، اليوم السبت 18 يناير (كانون الثاني) في وسط مدينة السويداء، جنوب سوريا، باعتصام شارك فيه النساء والأطفال وأهالي المدينة، مطالبين بتحسين أوضاعهم المعيشية المتردية، في حين أطلق ناشطون في المحافظات السورية الأخرى هاشتاغ "ثورة الجياع" عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأعرب ناشطون من حراك "بدنا نعيش" في السويداء لـ "اندبندنت عربية" عن نيّة مواصلة التحركات يومياً حتى تحقيق مطالبها المشروعة، "غداً الأحد سنعود إلى الشارع، لا نحمل سلاحاً، ولا يحركنا حزب سياسي، وما نريده هو حقوقنا وكرامتنا وحقنا بالعيش".
المتظاهرون أمام مبنى المحافظة رفعوا لافتات الحملة، التي تعددت وتنوعت في محاكاة للواقع المعيشي غير المستقر، متجهين إلى مقر شركة "سيرتيل" المملوكة من رجل الأعمال الشهير رامي مخلوف، وهو قريب الرئيس السوري بشار الأسد، مرددين شعار "يا مخلوف وياشاليش… حلوا عنا بدنا نعيش"، من دون أي احتكاك مع الأجهزة الأمنية.
ولسد الطريق على المتاجرين بالطائفية أو أخذ التظاهرات إلى بعد آخر، كون السويداء ذات غالبية درزية، هتفوا بشعارات موحدة "إسلام ومسيحية، دروز وعلوية، بدنا عيشة هنية".
الدولار الملتهب
انهيار الاقتصاد السوري وانخفاض القوة الشرائية لليرة بات الشاغل الأول للسوريين، العاكفين على تأمين لقمة العيش بشق الأنفس بعد تدني قيمة أجورهم مقابل ارتفاع القطع الأجنبي بعد قفزة سريعة بسعر صرف الدولار من ألف ليرة سورية للدولار الأميركي الواحد إلى 1250 ليرة، وارتفاع غير مسبوق في سعر غرام الذهب وصل إلى 50 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 50 دولاراً.
في المقابل، ومع تهاوي العملة، يتخوف أهل البلد ممن فضلوا البقاء وعدم السفر والهجرة بعد اندلاع الحرب من تدني مستويات المعيشة لمئات الآلاف من العائلات.
في غضون ذلك، ترتفع صيحات الناشطين جراء ارتفاعٍ حادٍ في الأسعار. ويقول أحدهم "يحتاج رب الأسرة ما لا يقل عن 500 دولار ليعيش حياة عادية أمام هذا الغلاء".
كل ذلك يأتي في ظل احتكار التجار لبعض المواد الغذائية والأساسية، ومن أبرزها السكر، بخاصة بعد إعلان الحكومة عن نيتها توزيع هذه المواد على حملة البطاقة الذكية فقط.
وهذه البطاقة الذكية التي نالت نصيبها من تندر وسخرية السوريين، كونها جاءت في التوقيت الخاطئ، بررت كإجراء وقائي لمنع تهريب المشتقات النفطية أو احتكار المواد الأساسية.
ملاحقة المتداولين
من جهتها، أعلنت وزارة الداخلية السورية، في بيان، عن عزمها ملاحقة كل من تسوّل له نفسه إلحاق الضرر بالأمن الاقتصادي. وأهابت بالمواطنين ضرورة التقيد بمرسوم تشريعي يعود إلى عام 2013، ويحمل الرقم 45، وينص على عدم التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للدفع في أي نوع من أنواع التداول التجاري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورد ناشطون من حملة "بدنا نعيش" على هذا البيان بالقول، إنه يجب أن يكون موجهاً إلى الشركات الكبرى، المعروفة بتعاملها بالدولار داخل البلاد وخارجها.
حيال ذلك، انتفض موالون للسلطة في وجه الثورة الافتراضية على مواقع التواصل بتخوين كل من يقف معها، محذرين من الإقدام على النزول إلى الشارع.
في الوقت ذاته، خفف موالون آخرون من حدة الخطاب، مطالبين الناس "بالتريث وعدم التشويش على التقدم الذي يحرزه الجيش السوري في ريفي إدلب وحلب"، ملوحين من مغبة "فتنة" تحاك للبلد، وفق وصفهم.
حلول بالجملة
وتنادى السوريون في داخل البلاد والخارج ببث التكهنات والتوقعات مع قليل من الحلول وسط حالة من الركود في الأسواق التجارية، بالتزامن مع مبادرات أهلية تطالب بتقديم المساعدة للفقراء.
ونالت مستشارة الرئاسة السورية بثينة شعبان الحظ الأوفر من الانتقادات. وأشارت أوساط سياسية معارضة إلى مقولتها الشهيرة بأن الاقتصاد السوري أصبح أفضل بخمسين مرة، هي السبب المباشر لاندلاع ثورة جياع، في حين نال حديثها لقناة الميادين، الموالية للسلطة كثيراً من النقد اللاذع.
في حين بادر الكثيرون من الأكاديميين ورجال الأعمال إلى مخاطبة الحكومة بضرورة التحرك السريع لوضع حدٍ لانهيار العملة، التي باتت على شفير الهاوية. ومن المقترحات، زيادة الإنتاج والاعتماد على الذات مع وقف التهريب والضرب بيدٍ من حديد للفساد. ويحمل راية هذا الحل رئيس اتحاد الغرف السورية، فارس الشهابي.
وتعزو مصادر حكومية الصورة القاتمة للواقع المعيشي إلى "ضرر الحصار الأميركي وعقوبات سيزر، التي بلا شك تركت تأثيراً على الناس بالنتيجة".